ترك برس

تناول مقال للكاتب والمحلل التركي يحيى بستان، أسبوعاً مفصلياً مرّت به تركيا وسوريا والإقليم، يجمع بين الألم الوطني إثر تحطم الطائرة العسكرية التركية، والتحولات السياسية العميقة التي تشكّلت في واشنطن عبر لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب ومشاركة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان.

ويعرض الكاتب في مقاله بصحيفة يني شفق ملامح التفاهم الثلاثي الجديد بين تركيا والولايات المتحدة وسوريا، والذي يشمل وحدة الأراضي السورية، ودمج قسد، ونقل ملف مكافحة داعش إلى دمشق، ورفع العقوبات، إضافة إلى ترتيبات أمنية وسياسية أوسع.

كما يناقش تغيّر موقف القيادة المركزية الأمريكية، وتداعيات هذا التحول على قسد ومعسكر الهول، ويرصد احتمالات انعكاس الاتفاق على الأرض، إلى جانب التوترات الناتجة عن المساعي الأمريكية لحماية إسرائيل عبر قواعد جديدة في سوريا.

وفيما يلي نص المقال:

لقد كان هذا الأسبوع صعبا ومؤلما لتركيا، فقد تحطمت طائرة عسكرية كانت عائدة من أذربيجان إلى البلاد، ما أسفر عن استشهاد 20 جندياً تركيا. إنه ألم لا يوصف. نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.

المنطقة حساسة، والتوترات الجيوسياسية مرتفعة. فقد سبق أن تحطمت طائرة ركاب أذربيجانية في المنطقة المجاورة، كما تعرضت مروحية الرئيس الإيراني رئيسي إلى "حادث تحطم". وبما أن هذه الأحداث لا تزال حاضرة في الذاكرة، سُرعان ما انتشرت شائعات وتكهنات مختلفة حول الحادث. ولكن، لم يتم التوصل بعد إلى أي دليل أو نتائج تبرر هذه الشكوك. تم العثور على الصندوق الأسود للطائرة وبدأ التحقيق. ومن المتوقع أن تتضح أسباب هذا الحادث المفجع قريباً. ومن المفيد متابعة تصريحات وزارة الدفاع الوطني، التي تعاملت مع هذا الحادث الأليم بشفافية منذ البداية. ويجب توخي الحذر من الحسابات والأشخاص الذين ينشرون المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف زيادة التفاعل.

لماذا قال فيدان "تزامنت زيارتي"؟

كما شهد هذا الأسبوع تطورات مهمة على صعيد الاستقرار الإقليمي. فقد التقى الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض. وهذا لقاء بالغ الأهمية.

وشارك وزير الخارجية هاكان فيدان في جزء من هذه الاجتماعات (واجتمع فيدان لاحقاً مطولاً بنائب الرئيس الأمريكي فانس، ووزير الخارجية روبيو، والممثل الخاص باراك، ووزير الخارجية السوري الشيباني). وفي تصريحه حول الموضوع، قال فيدان: "لقد تزامنت زيارتي اليوم للبيت الأبيض مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع." وهذا تصريح متواضع. فالجميع يعلم أن فيدان ذهب إلى الولايات المتحدة لحضور هذا الاجتماع. لكن أنقرة تقلل من مستوى الظهور العلني لدورها الفاعل في سوريا كي لا "تثير استياء" الدول الأخرى المهتمة بالملف السوري، وفي مقدمتها دول الخليج.

ما محتوى الاتفاق التركي الأمريكي السوري؟

كما تعلمون، قال ترامب سابقاً: "مفتاح سوريا في يد تركيا". وكانت إسرائيل مستاءة من تعامل واشنطن كع الملف السوري بالتعاون مع أنقرة، وحاولت جاهدة للحصول على هذا الملف. وبذلت جهودًا حثيثة لفرض أمر واقع من خلال توسعهم العسكري على الأرض. ولكن دعوة وزير الخارجية التركي لحضور اجتماع سوري بالغ الأهمية في البيت الأبيض تُشير إلى أن الملف السوري أصبح مرتبطًا بشكل حاسم بتركيا.

وتتجلى أبرز نقاط الاتفاق العملي بين تركيا والولايات المتحدة وسوريا فيما يلي:

1ـ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

2ـ دمج قسد في الدولة السورية وفق صيغة تحافظ على وحدة الأراضي، على أن يتم ذلك قبل نهاية العام.

3ـ مكافحة كافة التنظيمات الإرهابية في البلاد.

4ـ رفع العقوبات المفروضة على سوريا وتحقيق الاستثمارات.

5ـ تسوية النزاع بين سوريا وإسرائيل.

مخيم الهول سيضطر للانتظار أكثر قليلا

ذكرنا الأسبوع الماضي أن مشاركة سوريا في التحالف ضد داعش تعني سحب الورقة الأخيرة التي كانت بحوزة قسد. وقد وُقعت الاتفاقات في هذا الاتجاه خلال اجتماع البيت الأبيض. إذن، ملف داعش انتقل من يد قسد إلى دمشق، وأصبح نفوذ قسد ضعيفاً. وإذا لم أكن مخطئاً في قراءة العملية، فلا خيار أمامهم سوى الاندماج السريع. ومن المرجح أن تواصل إدارة دمشق استخدام عناصر قسد ضمن هذا الإطار بعد اكتمال عملية الاندماج.

كما أن مصير معسكر الهول، الذي يقيم فيه المعتقلون من داعش وأقاربهم، يعد أمراً مهماً. لقد كان هذا الملف قيد النقاش بين الأطراف لفترة طويلة. وقد أرادت سوريا تولي إدارة المعسكر لسحب الورقة الأخيرة من يد قسد. والمسألة الرئيسية حالياً هي ضمان ألا تترك قسد "قنبلة موقوتة" في المعسكر. ومعسكر الهول أشبه بسجن مفتوح، إذ يُحتجز فيه كل من عناصر داعش وأقاربهم غير المتورطين، من نساء وأطفال. وقسد تنظيم إرهابي لا يتحمل أي مسؤولية أمام القانون الدولي، أما سوريا فدولة لديها قواعد ملزمة. وعند استلام المعسكر، يجب أن يُحتجز فيه فقط عناصر داعش المدانون، لا النساء ولا الأطفال. وفي هذا الصدد، يجب على الدول الثالثة استعادة مواطنيها من عناصر "داعش" وأقاربهم.

القيادة المركزية الأمريكية تُغيّر موقفها

كان انعكاس التوافق بين تركيا والولايات المتحدة والمسؤولين السوريين على الأرض يعتمد على الموقف الذي سيتخذه الجيش الأمريكي، أي القيادة المركزية الأمريكية. ونحن نعلم أن سنتكوم دعمت قسد لفترة طويلة، ولم تنفذ قرار ترامب بالانسحاب من سوريا خلال ولايته الأولى.

ولكن، كما يتضح من صور القائد الجديد لـ "سنتكوم " كوبر، وهو يلعب كرة السلة مع الشرع... فإن سنتكوم أيضاً تُغير موقفها في سوريا. ويمكننا القول إنه بعد اجتماعات البيت الأبيض، ستنفذ سنتكوم الآن متطلبات هذا التفاهم دون تأخير. أي أن الجيش الأمريكي أيضاً سيلتزم بهذا التفاهم. وهذه إحدى أهم نتائج اجتماع البيت الأبيض.

ما كتبناه حتى الآن هو تحليل قائم على المعطيات. أما ما يلي فهو توقعات:

أولاً: قد نرى انعكاسات اتفاق البيت الأبيض قريباً في سياق اتفاق أمني تركي سوري (في منطقة واسعة تمتد من شمال سوريا إلى شرقها).

ثانياً: يبدو أن الولايات المتحدة، التي تسعى لتقليص وجودها في المنطقة، علقت مرة أخرى في ملف إسرائيل. فقد كان من المقرر أن تقلص واشنطن عدد قواعدها في سوريا من 9 إلى قاعدة واحدة. ولكن وسائل الإعلام الدولية تتحدث عن رغبتها في إنشاء قاعدة جديدة قرب دمشق لأسباب تتعلق بـ "أمن إسرائيل". ولا أعتقد أن هذه مجرد إشاعة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!