برهان الدين دوران - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

يشغل الحديث حول عودة زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) عبد الله أوجلان المسجون مدى الحياة إلى المسرح السياسي حيزًا هامًا من النقاشات السياسية في تركيا في وقت كثّف فيه التنظيم هجماته، على أمل إنهاء الصراع ومواصلة عملية المصالحة الوطنية. أوجلان هو التركيبة السحرية التي يلجأ إليها بي كي كي لتدارك أخطائه. كما تتداول وسائل إعلام إشاعة عن غضب أوجلان تجاه بي كي كي وحزب الشعوب الديمقراطي بسبب فشلهم في منع تفاقُم الصراع.

يُتقن أوجلان، الذي يُعد رمزًا للحركة الكردية القومية المسلّحة، استغلال الأزمات التي تمر بها السياسة التركية على المستويين المحلي والإقليمي، وعندما يتّسع نطاق هذه الأزمات. على الرغم من إجبار أوجلان على مغادرة سوريا بعد صراع مسلّح طويل الأمد واعتقاله بعد ذلك في كينيا، إلا أنّه استطاع دائمًا الحفاظ على موقعه في قلب السياسات الكردية القومية بفضل نفوذه في ثلاثة أمور.

أولًا، قام أوجلان بإنتاج خطاب التحول الأيديولوجي لبي كي كي. فرغم تماهي بي كي كي وقت تشكّله في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي مع الأيديولوجية الماركسية، دفع أوجلان التنظيم إلى إضفاء طابع ديني على خطابه في التسعينيات. ولم يتراجع أوجلان عن تبنّي الخطاب الحضاري الذي اعتقد أنه يساهم في عملية المصالحة الوطنية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، على الرغم من عدم موافقة قيادة بي كي كي.

تبوّأت الديمقراطية رغم كل التغييرات التي طرأت على خطاب التنظيم موقعًا أساسيًا في أدبيات الحركة القومية الكردية، وبُنيت كل الأحزاب السياسية التي دعمها التنظيم على أساس تعزيز الديمقراطية. والغريب في الموضوع، هو أن أحدًا لم يُشكّك في التناقضات الظاهرة من فكرة أن منظمة إرهابية ترتفع نسبة الإعدام في صفوفها الداخلية، تتبنّى الديمقراطية إلى هذه الدرجة.

كان الهدف النهائي لتنظيم بي كي كي ولا يزال ضمان وجود كردستان وإحياء الشعور الكردي القومي. وعلى الرغم من ادّعاء القوميين الأتراك ترك فكرة إنشاء دولة مستقلة، فهم يرون أن البديل المتمثل بالحكم الذاتي في تركيا هو ليس أكثر من محطّة مؤقتة. وهم يصارعون لتوحيد الكانتونات التي استولوا عليها في شمالي سوريا مع الكيان ذاتي الحثكم الذي يسعون لإنشائه في جنوب شرقي تركيا.

ثانيًا، تمكّن أوجلان من الحفاظ على وحدة بي كي كي وتماسكه. فعلى الرغم من تورّط التنظيم في علاقات مبنية على مصالح مع قوى مثل سوريا وروسيا وإيران وألمانيا، فإن بإمكان أوجلان إدارة هذه الانتماءات ضمن التّنظيم ومنعه من التفكّك إلى مجموعات تتصارع مع بعضها.

ثالثًا، يملك أوجلان القدرة على أن يكون في الواجهة كطرف فاعل إلى وصلت الأمور إلى طريق مسدود. فرغم التقلّبات الحاصلة بسبب الاختلافات على الأدوار بين قيادة بي كي كي في جبل قنديل وحزب الشعوب الديمقراطي وبين أوجلان، فإنّه يجعل هذه الأطراف تعمل مع بعضها بطريق منسّق على قدر الإمكانيات التي تسمح بها ظروف سجنه. كما يستطيع أوجلان تغيير الاستراتيجية إذا أحس بامتداد تأثير بي كي كي والشعوب الديمقراطي إلى خارج الحدود.

الأهم من ذلك كله هو أنّه يُمكنه تقديم نفسه كطرف فاعل يدعم فكرة "الانتماء إلى تركيا" (Türkiyelilik)، كما أنّه أكثر الأطراف منطقية لتمثيل القومية الكردية سياسيًا. وقد فضّل أوجلان منذ اعتقاله أن يلعب دور الشرطي الجيد لتنظيم بي كي كي. وعندما يفشل في التأثير على قيادة بي كي كي في جبال قنديل يُمكنه الاعتذار بحجّة أن زعيمًا معتقلًا لا يمكنه فعل المزيد.

إذا تحققت طموحات قيادات جبل قنديل أو حزب الشعوب الديمقراطي، وبعبارة أُخرى إذا أخطأت حسابات أوجلان، فإن بإمكانه تسوية الأمور كذلك. لقد تمكّن من إقناع شرائح من المجتمع بقول: "لحُسن الحظ لدينا أوجلان". كما تمكّن من الحفاظ على عملية المصالحة الوطنية حوله، بحيث يأتي كمُنقذ في أي لحظة تصل فيها إلى مرحلة الجمود.

سيكون السبب الرئيسي وراء ظهور أوجلان على المسرح السياسي مجددًا إعادةُ لم شمل الحركة الكردية القومية المتطرّفة. وسيُساهم آنذاك في امتصاص غضب شرائح المجتمع الغاضبة من بي كي كي. وعلى الرغم من جهود بي كي كي لإنشاء حكم ذاتي ودعواته للتظاهر في المُدن، لم يُشارك أحد في المظاهرات، مما يدل على ولائهم للسلام. والأهم من ذلك كله، أن من غير المنطقي أن يلجأ حزب العمال الكردستاني إلى العُنف مرة أخرى بدلًا من تعظيم المصالح الكردية القومية من خلال العملية السياسية الديمقراطية.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس