جلال سلمي - خاص ترك برس

عندما تذكر تركيا على الفور يذكر الكثير رئيسها الحالي رجب طيب أردوغان وهناك البعض القليل من يستطيع ذكر أسلافه الذين سبقوه في قيادة تركيا على مدار سنوات تأسيسها منذ 1923 وإلى يومنا هذا.

ولجعل المعرفة بالقادة والرؤساء، الذين حكموا تركيا على فترات معينة وأحدثوا تغييرات جذرية وواضحة تركت أثر في تاريخ جمهورية تركيا، كبيرة وواسعة بشكل أكبر لدى المهتمين بالشأن التركي من العرب نتطرق اليوم إلى الرجل الثاني في التاريخ التركي بعد مؤسس جمهورية تركيا وأصولها مصطفى كمال وهو عِصمت إينونو.

وُلد مصطفى عصمت إينونو بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 1884 في مدينة إزمير الواقعة في أقصى غرب تركيا، التحق بمدرسة المدفعية العثمانية عام 1901 وتخرج منها برتبة ضابط عام 1903 وبعد إعلان مصطفى كمال أتاتورك حرب الاستقلال التركية أصبح اليد اليمنى له ووصل إلى رُتبة مُشير، خاض حرب سكاريا والحرب الأولى والثانية ومعركة "الهجوم الكبير" ضد اليونان خلال حرب الاستقلال.

بعد إظهار الجيش التركي انتصارات ملحوظة في حرب الاستقلال، اضطر اليونان إلى الإنسحاب وبرعاية إنجليزية تقرر إقامة مشاروات في بلدة مودانيا في مدينة بورصة التركية وبتاريخ 3 ـ 11 تشرين الأول/ أكتوبر 1922 جرت مشاورات التفاوض وكان عصمت إينونو هو رئيس الوفد المفاوض، بعد تحقيق مشاورات إيجابية في مودانيا قرر الطرفان الاجتماع في مدنية لوزان بسويسرا، ويُعتبر إينونو هو المهندس التركي الذي قاد المشاوارات باسم تركيا في مدينة لوزان وجعل جميع الأطراف المفاوضة تعترف باستقلال تركيا بشكل رسمي بتاريخ 23 تموز/ يوليو 1923.

بعد إعلان تأسيس جمهورية تركيا بتاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1923 أصبح عصمت إينونو أول رئيس وزراء لجمهورية تركيا وبقي في منصبه إلى عام 1938 إذ في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام توفى كمال أتاتورك، وبتاريخ 11 نوفمبر من نفس العام جرت انتخابات للرئاسة داخل البرلمان التركي وأصبح عصمت إينونو رئيس تركيا بنسبة تصويت مُطلقة.

ومن المثير للاهتمام في ذلك العهد أن مصطفى أتاتورك توفي بتاريخ 10 نوفمبر وتولى رئيس البرلمان عبد الخالق رندا رئاسة الدولة لبضعة ساعات، حسب المادة 32 من الدستور التركي الصادر عام 1924، ولكن لم يستمر دخول رندا التاريخ كرئيس تركي بالوكالة سوى بضع ساعات إذ اجتمع البرلمان في 11 نوفمبر وقرر نواب البرلمان اختيار عصمت إينونو  بـ348 صوتًا وحصل جلال بايار المنافس لعصمت إينونو على صوت واحد.

بتولي عصمت إينونو لرئاسة الجمهورية بدأ عصر الزعامة القومية، إذ قام عصمت إينونو خلال اجتماع حزب الشعب الجمهوري، الحزب الوحيد الموجود في ذلك العهد والذي حكم تركيا من عام 1923 إلى 1950، بتاريخ 26 كانون الأول/ ديسمبر 1938 بإعلان نفسه كزعيم قومي وقام بإعلان مصطفى كمال أتاتورك "زعيم أبدي".

وحسب القانون الداخلي لحزب الشعب الجمهوري الذي تم تعديله خلال اجتماع 26 ديسمبر 1938؛

المادة الثانية: "مؤسس حزب الشعب الجمهوري وتركيا مصطفي كمال أتاتورك هو الزعيم الأبدي لتركيا".

المادة الثالثة: "يُعتبر عصمت إينونو هو رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي لا يتغير ويعتبر الزعيم القومي لتركيا".

المادة الرابعة: "يمكن أن يتنحى عصمت إينونو عن رئاسة حزب الشعب الجمهوري ضمن ثلاث شروط:

ـ وفاة.

ـ مرض شديد.

ـ استقالة".

ويُفيد الباحث السياسي التاريخي أوزغور إيتشيمان، في دراسة سياسية تاريخية له بعنوان "الزعيم القومي مصطفى عصمت إينونو" نُشرت على موقع اقتصادي تابع لجامعة الشرق الأوسط للعلوم التقنية"، بأن "بعد هذا التاريخ أصبح إينونو الرجل الأول الحاكم والوحيد في تركيا وبشكل رسمي ودون قبول أي اعتراض ممكن، إذ أعلن إينونو نفسه خلال اجتماع حزب الشعب الجمهوري بأنه هو الرجل الحكيم الأوحد في تركيا القادر على إدارة البلاد ومصالحها".

ويضيف إيتشيمان بأن "بعد هذا التاريخ تم تصفية جميع المنافسين لإينونو سياسيًا وتم وضع الكثير من الحظر على المنافسين سياسيًا له من المشاركة في البرلمان والحياة السياسية، وقام عام 1939 بزيادة صلاحيات رئيس حزب الشعب الجمهوري السياسية والتنفيذية".

وتذكر العديد من الوثائق والمصادر التاريخية بأن "إينونو وضع صورته على النقود مكان صورة مصطفى كمال أتاتورك، كما قام بفرض برنامج خطابي له على الراديو مرتين في الأسبوع وكان يفرض بشكل مباشر على الراديو ذكر اسمه وأفعاله أكثر من مرة ليفرض على الشعب التركي نفسه فعلًا بأنه الرجل الحكيم والزعيم القومي لتركيا".

ويبين الباحث التاريخي باسكين أوران، في كتابه السياسة الخارجية التركية تحت فصل فترة الزعامة القومية، بأنه "بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي خرجت منه تركيا مُنهكة وضعيفة جدًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا  أصبح هناك الكثير من الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنهال على عصمت إينونو، وبعد تعدد هذه الضغوط رأى إينونو أنه يجب الرجوع إلى عهد الديمقراطية من أجل إرجاع التنمية السياسية والاقتصادية لتركيا، وبتاريخ 19 أيار/ مايو 1945 أعلن إينونو، خلال خطاب له للشباب التركي، بأنه اضطر خلال الحرب العالمية الثانية إلى السيطرة على الكثير من الصلاحيات الخاصة بالدولة من أجل مصلحة تركيا ولكن بعد الحرب حان الوقت لإعطاء الإرادة الشعبية والعملية الديمقراطية نصيبها من جديد لتقرر من سيقودها بشكل شرعي وديمقراطي في الأيام المقبلة".

وبهذا الخطاب يكون إينونو أعلن إنتهاء عصر الزعامة القومية التي امتدت لـ7 سنوات تخللتها الزعامة الصارمة له، وبعد هذا التاريخ قرر البرلمان التركي بأنه سيتم إجراء أول انتخابات برلمانية متعددة الأحزاب بتاريخ 21 تموز/ يوليو 1946، ودخل كل من حزب الشعب الجمهوري والحزب الديمقراطي الانتخابات وعلى الرغم من دخول الحزب الديمقراطي البرلمان بـ64 نائب فقط من مجموع 465 نائب ومقابل 395 نائب من الحزب الجمهوري إلا أن هذه الانتخابات أعلنت بالفعل انتهاء عصر الزعامة القومية وبينت بأنها أولى درجات القضاء على الزعامة القومية إذ بالفعل هذا ماحدث، فقد استطاع الحزب الديمقراطي الحصول على نسبة 55,2 % وحزب الشعب الجمهوري على نسبة 39,6% في الانتخابات البرلمانية عام 1950، وبذلك أصبح حزب الشعب الجمهوري بقيادة عصمت إينونو لأول مرة حزبًا معارضًا، وبذلك أٌُغلق عصر الزعامة القومية إذ أصبح بعدها رئيس الحزب الديمقراطي جلال بايار هو رئيس تركيا وعمل على تعديل العديد من القوانين التي تُرجع لتركيا ديمقراطيتها وحريتها ورفع صورة عصمت إينونو عن النقود ووضع محلها صورة أتاتورك من جديد ليقضي بذلك على آخر معالم الزعامة القومية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!