ترك برس

"اعتقدت قيادات حزب العمال الكردستاني أن إعلان الاستقلال الذاتي في تركيا في هذا الوقت بالذات سيكون مناسبًا جدًا في ظل سهولته في سوريا والدعم الدولي الهائل للقومية الكردية في سوريا والعراق الأمر الذي جعلهم ينقلبون على عملية السلام الداخلي ويعلنون بطلانها".

تأسست جمهورية تركيا بتاريخ 29 تشرين الثاني/ أكتوبر 1923 على أساس علماني دون الاعتراف بأي قومية أو دين أو مذهب على أنها العصب الأساسي لها بل اعتمدت بدساتيرها على الاعتراف بجميع مواطنيها على أنهم مواطنون أتراك متساوون وعلى هذا الأساس فرضت الحقوق والواجبات على جميع المواطنين بشكل متساوي.

ويرى الكثير من الخبراء السياسيين والمختصين في مجال الجغرافيا السياسية بأن مبدأ التساوي الذي انتهجته التركية بين جميع مواطنها وحسها القومي المبني على الأساس الأمني، أي أن الدولة هي الأم ومن غيرها ومن غير أمنها واستقرارها سيضيع الأمن والاستقرار السياسي واقتصادي، جعلا جيشها من أكثر الجيوش المترابطة والقوية في منطقة الشرق الأوسط.

وفي شأن متصل يبين الكاتب السياسي ياسين أقطاي، في مقال سياسي له بعنوان "هل ظننتم تقسيم تركيا أمر سهل؟" نُشر في جريدة يني شفق بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر2015، أن "الجيش التركي جيش مترابط قيادةً وجنودًا ويُعتبر الملتحقين به من أكثر ذوي الانتماء والحس القومي والوطني، ويعود ذلك إلى النهج السليم الذي اتبعته تركيا في جعل جميع مواطنيها متساويين وغرست بهم حب الوطن بشكل متساوي وأعلمتهم بأن الوطن أو الكيان السياسي "الدولة" هو أساس وجودنا ومن غيره نحن غير موجودين".

ويضيف أقطاي أن "هذا النهج لعب دورًا كبيرًا في إبراز اختلاف تركيا عن بقية الدول المجاورة لها حيث أظهرت من خلال جيشها وتكاتف شعبها بأنه ليست لقمة سائغة للراغبين في تقسيمها والانفصال ببعض ترابها لتأسيس كيان مستقل ذاتيًا، نشفق جدًا على مثل هؤلاء الذين يظنون أن تركيا وجيشها وشعبها لقمة سائغة سيسهل الانقضاض عليها وتحقيق ما يرنون إليه".

ويعرب أقطاي عن "استغرابه من انجرار حزب العمال الكردستاني وراء إغراءات الدعم الدولي للانقلاب على عملية السلام الداخلي، التي وفرت العديد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية للمواطنين الأكراد، ومحاولة الانفصال عن  تركيا".

ويوضح أقطاي أن "جيش تركيا وتكاتف شعبها اللاعن للإرهاب والناقم عليه أكدا بأن جميع الأهداف التي يسعى حزب العمال الكردستاني إليها ستذهب أدراج الرياح ولن يتحقق منها شيء وذلك لأن تركيا ليست دولة قابضة على حرية مواطنيها كما باقي الدول الأخرى التي أخذها حزب العمال الكردستاني مثالًا له في انقضاضه على تركيا ظانًا بأن الشعب الكردي سيدعمه دعمًا تامًا كما تم في سوريا، ولكن لم تنتبه قيادات الحزب البلهاء إلى أن النظام السوري لم يعترف بالمواطنين الأكراد كمواطنين له أصلًا الأمر الذي جعلهم يلتفون حول حزب الاتحاد الديمقراطي "بي يي دي" فور إعلانه الاستقلال الذاتي، ولكن المواطنين الأكراد في تركيا يتمتعون بالكثير من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأمر الذي جعلهم على صلة وثيقة بتركيا كوطن أم حاضن لهم ولا داعي لوطن آخر مبني على الأكاذيب القومية".

وفي ذات السياق يشير الباحث السياسي صادق جان، في دراسة أكاديمية له بعنوان "لا تُحل المشكلة الكردية في تركيا باستقلال ذاتي" نُشرت في موقع "مقالة" التركي، إلى أن"الزاعمين بوجود خناق ديمقراطي من قبل تركيا على مواطنيها الأكراد في شرق الأناضول وجنوب شرقه هدفهم واضح وضوح الشمس وهو ليس الحصول على حقوق الأكراد، كما يدّعون، بل الانفصال الكامل عن تركيا".

ويوجه جان في دراسته إلى الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني عدة أسئلة مثل "لماذا الانفصال الكامل عن تركيا؟ هل تعتقدون بأنّكم من خلال الانفصال ستستطيعون تحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة التي ستستقلون بها؟ وكيف ستجبرون مواطنين تعودوا على العيش لسنوات طويلة في وطنهم تركيا والتحموا بإخوانهم الترك والعرب واللاظ وغيرها من القوميات دون أي تمييز أو تفرقة لتأتوا أنتم وتفرقوهم عن أحبتهم وجيرانهم هل هم طلبوا منكم ذلك؟ أم أنتم تحاولون إجبارهم على ذلك من خلال سلاحكم وتهديداتكم العسكرية؟".

ويؤكد جان أن "تأسيس استقلال ذاتي في تركيا ليست لعبة كما تظنون بل هو أمر مستحيل تحقيقه إطلاقًا في ظل الترابط العسكري للجيش والتكاتف الشعبي للمواطنين"، ويؤكد أيضًا أن "الاستقلال الذاتي ليس الحل الأمثل للمواطنين الأكراد في تركيا، بل حل مشكلتهم عملي وتم اثباته من خلال إعطائهم حقوقهم الديمقراطية كاملة خلال عملية السلام الداخلي ولكن حزب العمال الكردستاني أثبت بانقلابه على هذه العملية بأن هدفه الأساسي ليس الحقوق الديمقراطية للمواطنين الأكراد بل تحقيق أجندة دولية خارجية ومصالحة شخصية وحزبية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!