جلال سلمي - ترك برس

في المرحلة الأخيرة تفاقمت التحديات ليس على تركيا فقط بل المنطقة والعالم أجمع.

منذ فجر التاريخ ومنطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق الحيوية والحية؛ ففيها انبثقت الحضارات الأولى في التاريخ مثل الحضارة السومرية، الحضارة الأولى في التاريخ، والحضارة البابلية والحضارة الكنعانية والحضارة الفينقية وغيرها كثير من الحضارات التي لعبت دورًا كبيرًا في تطوير الحياة الإنسانية وتنظيمها.

وإلى جانب الغنى التاريخي فإن منطقة الشرق الأوسط تتميز بموقع جغرافي استراتيجي يربط القارات الثلاث القديمة "آسيا، وأفريقيا، وأوروبا" ببعضهما البعض وكما يحتوي على العديد من الممرات المائية الاستيراتيجية والمهمة مثل مضيق باب المندب ومضيق البسفور ومضيق هرمز وقناة السويس، على الرغم من كونها حديثة واصطناعية.

وتُصنف هذه المميزات التاريخية والجغرافية على أنها قوة ثابتة تتمتع بها الدول السياسية من أجل تحقيق مصالحها وجعل نفسها ذات تأثير قوي على الساحة السياسية وعلى صعيد أخر قد يكون هذا الغناء في نقمة على الدول السياسية التي لا تستطيع استحسان استخدام هذه المقدرات.

وما يحدث اليوم من تحديات عارمة في المنطقة هو نتيجة للغناء التاريخي والجغرافي الذي تمتع به المنطقة، وتتأثر تركيا اليوم وبشكل مباشر من هذه التحديات نتيجة لوجودها في المنطقة وسيطرتها على روابط تاريخية قوية مع سكان المنطقة وشعوبها؛ هذه العلاقات التي تحاول تركيا بحكومتها احيائها من جديد جعلت الكثير من الدول الأخرى تنافس تركيا وتُظهرها على أنها دولة تسعى السيطرة على المنطقة وسيادة الدول الأخرى الموجودة في المنطقة.

ويدحض الباحث الجيو سياسي مراد بيلهان، في دراسة له بعنوان "ماهي سياسة تركيا الخاصة بالشرق الأوسط؟" نُشرت على الصفحة الرسمية لموقع مركز الدراسات الاستراتيجية، بأن "الدعايات السياسية السوداء المُستهدفة لتركيا على أنها تحاول بأن تكون القوة المُسيطرة على المنطقة ماهي إلا شائعات مُغرضة يهدف من خلالها بعض الدول التنافس مع تركيا لإبعادها عن المنطقة وجعلها منطقة فارغة لها فقط دون قوة أخرى منافسة للاستيلاء على خيرات ومقدرات هذه المنطقة وتقسيمها دون أي اعتراض من قوة أخرى".

ويؤكد بيلهان بأنه "لا صحة لجميع هذه الادعاءات المغرضة، والكل رأى تجربة العلاقات التركية مع دول الشرق الأوسط حيث كانت علاقات مبنية على مبدأ التجارة العادلة غير المُستنزفة للمصادر ومبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين وغيرها العديد من المبادئ النبيلة على العكس تمامًا من الدول الأخرى التي تسعى لإقامة علاقتها مع دول الشرق الأوسط على أساس استنزاف قدراتهم وخيراتهم بدون مقابل تنموي وتقدمي استراتيجي".

ويرى الباحث السياسي يوسف أوزكير، في مقال سياسي له بعنوان "ميلاد جديد" نُشر في جريدة ستار التركية بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بأن "محاولة تركيا ترك العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والاتجاه لإحياء العلاقات والروابط التاريخية مع دول الشرق الأوسط جعل الكثير من الدول العظمي يرونها على أنها دولة تحاول فرض نفوذها على المنطقة فعملوا على منافستها والأضرار بمصالحها أينما كانت، وهذا ماجعل التحديات التي تواجه تركيا في زيادة عن التحديات الطبيعية التي كانت تواجهها في السابق".

وحسب أوزكير يمكن سرد التحديات التي تواجه تركيا في المرحلة الحالية بالشكل التالي:

ـ محاولة روسيا الإبقاء على النظام السوري الذي قتل عدد ضخم من شعبه وأصبح من ألد أعداء تركيا بعد الدعم الإنساني واللوجستي الذي قدمته تركيا للشعب السوري المضطهد.

ـ عدم جدية الولايات المُتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في القضاء على النظام السوري وخلق سوريا ديمقراطية جديدة.

ـ مشكلة العصر "الإرهاب"؛ أصبح الإرهاب المحيط بتركيا كبير وكثير خاصة بعد قيام الدول المُنافسة لتطور وتقدم تركيا بدعم المنظمات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار تركيا مثل حزب العمال الكردستاني وداعش وجبهة الخلاص الشعبية الثورية.

ـ تراجع مستوى الصادرات التجارية بنسبة 40% الأمر الذي خلف معدل مرتفع بعض الشيء في نسبة التضخم المالي لليرة التركية وانخفاض طفيف في حجم التقدم الاقتصادي والإنتاج القومي الإجمالي لتركيا.

وبعد سرد التحديات يشير أوزكير إلى أن "ما يميز تركيا مقارنة بدول منطقة الشرق الأوسط بأنها دولة تمضي وتسير بسياساتها على أساس مؤسساتي فعال وهذا ماسيجعلها قادرة على جميع التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها بغض النظر عن حجمها ونوعها، وهذه الأزمات ليس هي الأزمات الأولى التي تواجه تركيا خلال تاريخها الحافل بالتحديات وتحدي هذه التحديات".

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!