علي حسين باكير - السورية نت

أثناء زيارته إلى ألمانيا يوم الإثنين الموافق 19/10، قال وزير الخارجية السعودية عادل الجبير إنّ "المجتمع الدولي قد يتسامح مع بقاء الأسد حتى تشكيل هيئة الحكم الانتقالي"، إلا أنّه شدد على تنحّيه قائلاً: "لكن عند تشكيل الهيئة الانتقالية، عليه التنحي"، مؤكداً أنّ المملكة العربية السعودية تدعم تشكيل هيئة انتقالية تحافظ على مؤسسات الدولة.

وبعدها بيوم واحد، نقلت رويترز تصريحات عن مسؤولين أتراك رفيعي المستوى قالوا إنّ بإمكان تركيا القبول بمرحلة انتقالية من 6 أشهر يكون الأسد فيها مجرّداً من صلاحياته بشكل كامل على أن يرحل بعد هذه المدّة،  وأنه جاري مناقشة هذا الموضوع مع الحلفاء الغربيين على أن يتم وفق ضمانات معيّنة وأن الولايات المتّحدة ستطرح الموضوع على روسيا.

لقد فسر كثيرون هذه التصريحات للجانبين السعودي والتركي على أنّها تنازلات في المواقف المبدئية للبلدين، وهو تفسير غير دقيق، فإذا كانت هذه المواقف تعتبر تنازلات في حقيقة الأمر، فلمن تمّ تقديم هذه التنازلات ولماذا ومقابل ماذا بالضبط؟

حقيقة ما حصل يجب أن يفهم ضمن سياقه. هذه المواقف الأخيرة من تركيا والمملكة العربية السعودية هي اختبار لمدى جدّية موسكو بالالتزام بالحل السياسي في سوريا. يجب علينا ألا ننسى أنّ روسيا استدعت الأسد وحيداً إلى موسكو بعد هذه التصريحات، ولا شك أنّ لهذا الاستدعاء علاقة وثيقة بما تم طرحه قبل أيام من قبل الجانب السعودي والتركي، ناهيك عن الاجتماع الرباعي الذي تقرر بعد ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية في فينا يوم غد.

في 20 أكتوبر الحالي، قال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إنّه على الأسد أن يرحل ولكن ليس بالضرورة فوراً أو من اليوم الأول أو حتى من الشهر الأول، وإنّهم مستعدون للتفاوض، متسائلاً عما إذا كان الأسد مستعداً فعلاً للتفاوض الحقيقي وعما إذا كانت روسيا مستعدة لجلبه إلى الطاولة من أجل ذلك. 

حتى شهر أغسطس الماضي كانت روسيا تصر على بقاء الأسد في السلطة دون الحديث عن مصيره أو عن الكيفية التي تريد من خلالها أن تساهم فيما تقول إنها حلول سياسية. لقد كانت الرسالة أن "علينا محاربة الإرهاب أولاً ومن ثمّ نستطيع أن نبحث الحل السياسي الذي يقوم على الحوار بين النظام الذي يرأسه الأسد وبين المعارضة".

في المقابل، كانت تركيا والسعودية تصران على ضرورة أن يرحل الأسد (والميليشيات التي تدعمه من الخارج) حتى يمكن البدء بتنفيذ مقررات جنيف وإطلاق العملية السياسية بما يؤدي في النهاية إلى استعادة سوريا كدولة وما من شأنه أن يوحد الجهود أيضاً في محاربة تنظيم "داعش" بالإضافة إلى تفاصيل أخرى.

وقد أكّدت المملكة على موقفها هذا من خلال تصريحات عادل الجبير الشهيرة عن ضرورة رحيل الأسد عبر عملية سياسية وإلا فإنه سيرحل بعمل عسكري.  وكذلك ظل الموقف التركي متماسكاً بخصوص ضرورة رحيل الأسد.

في المقابل، كان الموقف الأمريكي آنذاك يرسل رسائل لموسكو بأنّه لا مانع من بقاء الأسد في عملية انتقالية، ويقوم في نفس الوقت باختبار مدى قدرة السعودية وتركيا على قبول مثل هذا الأمر. وفي الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما تقدمّ هذا الطرح لبوتين ضمن سلّة من التنازلات، كانت في المقابل تحاول إقناع المملكة على وجه التحديد بضرورة تغيير موقفها.

وبالتوازي مع هذا السياق كانت الولايات المتّحدة وروسيا (ولا زالتا) تعززان موقعهما في المعادلة السياسية السورية من خلال الحفاظ على المسارات العلنية السابقة المتعددة (مسار دي ميستورا، مسار  موسكو 1 و2) بالإضافة إلى فتح مسارات أخرى (أمريكا- روسيا- السعودية).

مع تدخل روسيا عسكرياً في سوريا، بدا أن بوتين يحاول استغلال المشهد من أجل أهدافه الخاصة، ومع الصمت الأمريكي عملياً عمّا يقوم به الروس في سوريا، لم يكن هناك الكثير من الخيارات للمملكة العربية السعودية وتركيا، لكن ما توصّل الطرفان إليه مؤخراً هو إمّا أن يدفع الروس الأسد للرحيل وفق خطة متفق عليها وبمدى زمني محدد ومقبول ودون أن يكون لديه صلاحيات، وإما أنّهم سيكونون مضطرين إلى أن يدعموا العمليات العسكرية المسلّحة ضد الأسد حتى النهاية على هيئة تحرر وطني وهذا سيؤدي في المحصّلة إلى إغراق روسيا.

ضمن هذا السياق، يمكن فهم الرسالة السعودية – التركية التي تتحدث عن قبول مشروط بوجود الأسد لفترة زمنية محددة جداً يكون فيها مجرّداً من كل الصلاحيات على أن يرحل مباشرة بعد انتهاء المهلة بموازاة تشكيل هيئة انتقالية، وليس خلال عمل الهيئة الانتقالية.

هذا الطرح سيتم نقاشه بشكل مستفيض في هذه المرحلة، لكن الموقف الأمريكي لا يزال يشكل خطراً أيضاً على الموقف السعودي والتركي، إذ إنّه وبخلاف الموقف التركي والسعودي الذي يشدد على أنه لا دور للأسد في العملية الانتقالية نفسها، فإن واشنطن منفتحة على مناقشة مشاركته في عملية انتقالية، وفيما ترى المملكة أنّه لا يمكن لإيران أن تلعب دوراً ايجابياً في الملف السوري، تصر إدارة أوباما على إشراك إيران في المعادلة.

 إيجابية الموقف التركي والسعودي أنّه يوضّح الخيارات المتاحة ويختبر الموقف الحقيقي للأطراف المنخرطة في الملف السوري لاسيما تلك التي تدّعي أنّها تريد حلّاً سياسياً لإنهاء الأزمة، لكن هذا الطرح يحمل معه أيضاً مخاطر محتملة، أبرزها أنّه ما لم يتم تحديد إطاره بشكل دقيق جداً، فإنه قد يستغل لتوريط البلدين في عملية سياسية غير واضحة المعالم لا يستفيد منها في النهاية إلا الأسد وروسيا وإيران، خاصّة أنّ الموقف الأمريكي لا يبالي حقيقة إن خدم مثل هذا الأمر روسيا وإيران، بل إنه قد يفضل في مرحلة ما أن يضمن لهما ما يريدانه كما أثبتت التجارب السابقة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس