ولاء خضير - ترك برس

ارتبط تاريخ الامبراطورية العثمانية، منذ نشأة الدولة العثمانية، على يد "عثمان"، الذي خلف والده "أرطغرل" في رئاسة إحدى العشائر التركية عام 1285م، ووسع إمارته في شمال  شرق الأناضول، وكون لذلك جيشا جيد التدريب، والتسليح، والقتال، على خلاف جيوش أوروبا الحديثة.

وكان الأمير عثمان، يرى أن فتح أي مدينة عنوة يتسبب في خرابها، ولهذا كان يسعى لتأسيس علاقات حسنة معها لكي يفتحها صلحًا، وإذا سئل عن سبب هذه المعاملة كان يقول: "نحن جئنا إلى هذه البلاد غرباء، وهؤلاء هم أهلها لم يمنعونا منها، فعلينا أن نحترم حقوقهم ونكون أمناء في حقهم".

واستمر نهج العثمانيين على الالتزام بتربية دينية أخلاقية، تحارب من أجل الله والوطن، ومن يتابع تاريخ الدولة العثمانية ونشأتها وسير رجالها، يدرك جيدا ما كانوا يتصفون به من شهامة، ومروءة، وشجاعة، وأخلاق عالية، وبسالة في القتال، والحرص على الأرض والعرض، وصون الجار، واحترام الضيف، ومساعدة المحتاج، والمساوة بين الجميع، وأكثر من ذلك، جمعتها صفات العثمانيين منذ الأزل.

ولكن نتساءل هنا، ماذا كان رأي أعدائهم بهم، وماذا قال الأوروبيون عن العثمانيين، ومحاربيهم؟

وصف الفيلسوف الفرنسي الشهير اسمه "فولتير"، موقف المنتصر العثماني المسلم من المهزوم المسيحي، في الحروب التي خاضوها  بقوله: "إن العثمانيين لم يسيؤوا معاملة المسيحيين كما نعتقد نحن، والذي تجب ملاحظته، أن أمة من الأمم المسيحية، تخشى أن يكون للمسلمين مسجد في بلادها بخلاف العثمانيين، الذين سمحوا لليونانيين المقهورين بأن تكون لهم كنائسهم، ومما يدل على ذلك أن السلطان "محمد الفاتح" كان عاقلا حكيمًا، ترك للنصارى المقهورين الحرية في انتخاب البطريرك الخاص بهم، ولما انتخبوه ثبته السلطان، وسلمه عصا البطاركة، وألبسه الخاتم حتى صرح البطريرك عند ذلك بقوله: إني أخجل مما لقيته من التبجيل والحفاوة، الأمر الذي لم يفعله ملوك النصارى مع أسلافي".

وكذلك قول الكاتب الإنجليزي A Brayer في النسخة الفرنسية من كتابه "9 أعوام في القسطنطينية" (Neuf Années À Constantinople) المطبوعة عام 1836م:

"إن شعور المرحمة متفوق جدًا لدى العثمانيين، خشيتهم لله هي التي تشكل أساس هذا الشعور، لا يهملون أبدًا تقديم الزكاة والصدقة وأعمال الخير، إنهم خير شعب في معاملة خدمه وعبيده، كانوا هم العثمانيين، إنهم يعاملونهم كأنهم من أفراد العائلة، كما كانوا يعتبرون قطع الأشجار بلا ضرورة وحشية، ويعاملون قاطعها بقسوة".

وكما قال المارشال، القائد العام للإمبراطورية الألمانية، ويعتبر أحد مؤسسي العسكرية الأوروبية الحديثة: "يستعمل العثمانيون الخداع في الحرب بكثرة، والخدع التي يستعملونها بالحرب لا يستخدمونها لاحقًا، كانوا يذيعون في أوروبا أنهم سوف يهجمون على "البندقية"، وإذا بهم يخرجون في "ترنسلفانيا"، فهم يُعدّون للحرب بشكل ممتاز".

ويكمل وصفه عن الجيوش العثمانية "وإن الجندي العثماني يحتمل الشدائد، ولا يشتكي، وقد يُقتل في ساحة المعركة، لكنه لا يستسلم أبدا، ولا يتكلم الجندي العثماني خلال مسيره، تسمع أصوات الأقدام  فقط للجنود العثمانية، إن الجيش العثماني يسير أسرع من الجيوش الأوروبية بثلاثة أضعاف".

وحين قام المؤرخ البريطاني“نايجل ستيل"، بجولةٍ في “متحف الحرب الإمبراطوري"، بالعاصمة البريطانية “لندن”، أردف قائلًا: “لقد اعتقد كبار الجنرالات في الجيش البريطاني، بأن الجنود الأتراك سوف يلوذون بالفرار، أو يسلمون أنفسهم، عند أول طلقة تطلق من مدفعية الحلفاء، باتجاه القوات العثمانية الرابضة على تلال جناق قلعة (الدردنيل)، وأن الحرب من أجل السيطرة على الأستانة (إسطنبول)، ستكون سهلة للغاية”.

وأضاف ستيل، إن توقعات، وآمال الجنرالات البريطانيين ذهبت أدراج الرياح عند الشرارة الأولى للمعركة، حيث لقوا جيشًا تركيًّا يقاتلهم بكلّ صلابة وبسالة، رغم ارتفاع عدد القتلى، مما جعل رائحة الموت تخيّم على ساحة المعركة، لتكسب المكان شعورًا يملؤه الخوف والرعب".

وأكمل المؤرخ أن "القوات البريطانية لم تُهزم خلال معارك "جناق قلعة"، إبان الحرب العالمية الأولى، أمام الدولة العثمانية، لأنها انكسرت أمام جيشٍ، كان أفضل منها، وأكثر تنظيمًا منها، وكان يمتلك روحًا معنوية عالية، لم يكن للجيش البريطاني أن يمتلكها".

ومن جهته يقول الفليسوف الانجليزي "توينبي": "إن أيًا من الدول الأوروبية الاستعمارية، التي أخذت مكان الدولة العثمانية، سواء إنجلترا، أو فرنسا، أو بريطانيا، أو إيطاليا، أو روسيا، لم تتمكن من إدارة هذه القطار، مدة طويلة  وبطريقة مستقرة، وعبقرية، كما أدراتها الدولة العثمانية".

ونقل الأستاذ المؤرخ محمد جميل بيهم في كتابه"العرب والترك"، عن المؤرخ "ده سون"، الذي عاش ربع قرن في ربوع الدولة العثمانية في أواخر القرن الثامن عشر قوله: "التزم العثمانيون التزاما صارما بكل ما أوجبه القرآن، وأن الدولة كانت تسترشد برأي علماء الإسلام، لأن الواجب كان يقضي بالرجوع إلى رأي الشريعة الإسلامية في أي شأن من شوؤن الدولة العسكرية، أو السياسية، أو الاقتصادية، أو القضائية".

هذه الأسباب مجتمعة جعلت الدولة العثمانية تحكم نصف العالم، ودامت ما يقارب الأربعمائة عام، رغم عن كل من حاربها، وحاول إضعافها، وتآمر عليها، ولكنها صمدت طويلا، بمحاربة وبسالة مقاتليها، وشجاعة وكرم أهلها، وحكمة وذكاء وإخلاص قادتها، وتبقى "الحضارة العثمانية" أعظم حضارة عرفها التاريخ، وما زالت أطلالها وآثارها ماثلة وقائمة في كل مدينة حطت أقدام العثمانيين بها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!