ياسين أقطاي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

نعيش خلال هذا العام أحداثا تذكرنا بما حصل قبل 100 عام، وتحديدا في الحرب العالمية الأولى، والتي أثرت بصورة كبيرة على شكل العالم الجديد، وقد عاشت الدولة العثمانية أياما صعبة جدا في تلك الفترة، ومنها انبثقت اتفاقية سايكس-بيكو، التي قسمت جغرافيا الدولة العثمانية بين الدول، وقد نفهم من اسم هذه الاتفاقية أنها وقعت بين طرفين فقط، هما فرنسا وانجلترا، لكن هناك طرف آخر انسحب من الاتفاقية في عام 1917، ألا وهو الإمبراطورية الروسية.

من الملفت للنظر، أننا نعيش أحداثا مماثلة لما حصل قبل قرن من الآن، خصوصا بعد الصدمة التي عاشها الشريف حسين وكل المتمردين ضد الدولة العثمانية وضد والخليفة، وذلك بعد حدوث الثورة البلشفية عام 1917 وسيطرتها على الحُكم في روسيا. والآن، وبعد مرور 100 عام على تلك الأحداث، تدخل روسيا في هذه المنطقة، ليتشكل فيها معادلات قوى جديدة بوجود روسيا.

كانت روسيا أحد الأطراف الضعيفة قبل قرن، سواء بعد الثورة البلشفية أو حتى بعد تشكيل الاتحاد السوفييتي، وذلك لأنها لم تستطع تجاوز الأزمات التي عاشتها، لكنها اليوم، أصبحت أكثر فعالية وأكثر تأثيرا في الشرق الأوسط، وتدخلت بصورة فاعلة فيه، وذلك من خلال استغلال الفجوة في سوريا، وهذه المرة يتصرف الروس بصورة مختلفة، حيث لا يسعون إلى الدخول في أزمة من خلال التدخل في سوريا ثم يضطرون للانسحاب، ولهذا يعملون جاهدين لفرض سيطرة كاملة على ما يحصل هناك.

سلمت انجلترا حجم تأثيرها ونفوذها إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، لتصبح السياسة الأمريكية في المنطقة أمرا لا يمكن تهميشه، وتدخلت بصورة مباشرة واحتلت العراق لتزيد من قوتها، لكنها فشلت في "هندسة المجتمع" في الشرق الأوسط، ولهذا خرجت العديد من الأزمات والمشاكل التي لا تزال تعاني منها حتى الآن، وكان آخر هذه المظاهر خروج تنظيم داعش.

ولهذا وصلت الأزمة السورية إلى مرحلة لم تستطع فيها الولايات المتحدة الأمريكية اتخاذ سياسة حاسمة، وإنما لاحظنا ترددها في اتخاذ القرارات، وكان للأزمة أيضا جوانب إنسانية صعبة. لكن في نفس الوقت، لا يسعى باراك أوباما إلى اتخاذ أي خطوة قد تكون خطرة في الملف السوري، وذلك لأنه تبقى لديه عام واحد فقط لانتهاء مهمته كرئيس لأمريكا.

من المؤكد أنّ باراك أوباما فشل في التصرف مع الملف السوري، لكن توسيع المجال والإطار أمام روسيا بهذه الطريقة يطرح علامات استفهام متعددة، فهل يحصل هذا نتيجة عدم قدرة أوباما على عمل شيء؟ أم أنهم فتحوا هذا المجال لروسيا من أجل أن تستطيع أمريكا تحديد سياستها في المنطقة لعشر سنوات مقبلة؟

سنحصل على إجابة هذا السؤال خلال السنوات القليلة القادمة، لكن ما وصلت إليه الأمور في سوريا، هو اجتماع الأطراف التي وقعت اتفاقية سايكس-بيكو مجددا على نفس الطاولة، ولهذا نتساءل فيما إذا كان هناك اتفاقية سايكس-بيكو جديدة ستخرج من الساحة السورية؟ أم أنّ هناك حسابات أخرى؟ إجابات هذه الأسئلة ستسهل علينا فهم ما يجري حاليا.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس