أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس

يلحظ كل من درس التجربة التركية في التنمية أو تابعها أن النجاح قد تحقق بشكل لافت على صعيد الماكرو (الاقتصاد الكلي) خلال 13 عاما المنصرمة في حكم حزب العدالة والتنمية إذ تضاعف الناتج القومي 4 مرات، وتم تسديد كل الديون الخارجية، وارتفعت الصادرات 5 أضعاف، وانتقل الاقتصاد التركي من مرتبة 111 إلى المرتبة 16 على الصعيد العالمي. وبالفعل تعد تلك النتائج نجاحا باهرا على صعيد الاقتصاد الكلي (الماكرو) حيث لمس ذلك كل مواطن تركي أو مقيم في تركيا من خلال التقدم الملحوظ في هيكلية البنية التحتية واستخدام التقنيات الحديثة وحجم الصادرات وإحلال المنتج المحلي بدلا عن المستورد ومظاهر التمدّن الأخرى.

وبالطبع، يعود ذلك إلى الكفاءة والفعالية التي يتمتع بها فريق الحكم وأجهزته القيادية والمستشارين متعددي الاختصاصات، الذين أثبتوا للجميع قدراتهم المتميزة في فهم تحولات البيئة الخارجية والداخلية ومتطلباتها، وتمكنوا من وضع الخطط المناسبة لتحقيق التنمية المنشودة، وتحقق ذلك بمعدلات نمو عالية ونجاح متميز على صعيد الماكرو اقتصادي.

بالمقابل، يلاحظ المتخصصون بل وعامة المواطنين والمستفيدين من خدمات المؤسسات والإدارات العامة  (الحكومية) حالة الضعف والإرباك في سير العمل جراء وجود فجوة ملموسة على مستوى إدارة الميكرو اقتصادي (الاقتصاد الجزئي) أو بتعبير أدق على مستوى تنظيم وإدارة وتنفيذ خطط ونشاطات المؤسسات والإدارات في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخدمية بشكل عام.

هنا، أبين من وجهة نظر المتفحص الحيادي والمحلّل الخارجي والمتخصص في (تنظيم المؤسسات وإدارة الموارد البشرية والتطوير المؤسسي) أن هناك هوة كبيرة في كفاءات مستويات الإدارة بالمؤسسات التركية، أي بين مستوى القيادة العليا المؤهلة والكفؤة، وبين الإدارة الوسطى المرتبكة دوما التي تمارس مهامها ونشاطاتها بمنطق بيروقراطي معرقل لتنفيذ خطط التنمية، وكذلك مستوى الإدارة التنفيذية التشغيلية التي تحرمها الإدارة الوسطى من المعلومات الكافية لتنفيذ مهامها وتحجب عنها أدوات التنفيذ الفعالة، مما يجعلها تنفذ واجباتها بشكل روتيني تشوبه الأخطاء والفوضى، الأمر الذي ينعكس سلبا على جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين من كافة الفئات.

علميا ينسب ذلك الضعف في الأداء المؤسسي (الميكرو اقتصادي) إلى الضعف في بنى التنظيم المؤسسي والنقص في التدريب الإداري الموجه بالأداء وتطبيق أسس إدارة الموارد البشرية المتقدمة من ناحية وقدم آليات العمل المستوحاة من المناهج التعليمية والتدريبية التي لا تواكب التغيرات الحاصلة في بيئة العمل من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل كفاءة الخريجين من الجامعات والمدارس لا تلائم مواصفات الوظائف والمهن ومتطلباتها المتسارعة باستمرار، وتتحمل مسؤولية ذلك المؤسسات التعليمية والتربوية والتدريبية بشكل أساسي.

فعلا، إنها الحالة المتناقضة في التجربة التركية التنموية: نجاح باهر في الاقتصاد الكلي (الماكرو) مقابل ضعف وتدني في الأداء على مستوى الاقتصاد الجزئي (الميكرو)، وهذا يتطلب مراجعة سريعة ومنهجية لتدارك الخلل والمضي بالنجاح في التجربة التركية وإلا، للأسف، سيتسبب الضعف في إدارة الميكرو اقتصادي عرقلة بل وافشال النجاح على صعيد الماكرو اقتصادي وهناك تجارب تنموية عدة فشلت جراء ذلك.

أخيرا، مبروك نجاح التجربة الديمقراطية في الانتخابات التركية، ونجاح حزب العدالة والتنمية.

عن الكاتب

أ. د. محمد مرعي مرعي

جامعة غازي عنتاب، كلية الاتصالات، قسم العلاقات العامة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس