محمود سمير الرنتيسي - خاص ترك برس

لعلك إن كنت متابعا لحسابات النشطاء الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة والتي عملت بنشاط منقطع النظير خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من أجل دعم الانتفاضة الفلسطينية في وجه ظلم الاحتلال واعتداءاته على المقدسات والأعراض فإنك ستتفاجأ عندما ترى أن هؤلاء النشطاء مع إشراقة شمس الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر قد تزينت حساباتهم وتدويناتهم وتغريداتهم بالدعاء لحزب العدالة وتمنيات التوفيق له وخلال ساعات النهار كانوا حريصين على معرفة تفاصيل الانتخابات عبر سؤال الخبراء أو التواصل مع أقاربهم أو زملائهم في تركيا. وربما إن كان لك اصدقاء في فلسطين فإن استفسار "طمنا عن الوضع في تركيا" سياتيك أكثر من مائة مرة.

ومع إعلان النتائج وفوز حزب العدالة والتنمية فتلك قصة أخرى حيث تبدأ التهاني والتبريكات فمنهم من يطلب ترجمة التهنئة للغة التركية ومنهم من يشتري الحلويات ويقوم بتوزيعها ومنهم من يرفع العلم التركي فوق المسجد الأقصى حيث يعلم أنه بذلك يغيظ الاحتلال الإسرائيلي وحكومته وبالطبع سترى ألوانا أخرى من الاحتفال فمنهم من يسمى ابنه رجب طيب أردوغان ومنهم من يسمي ابنته تركيا...

إن ذاكرة الشعب الفلسطيني عندما تذكر تركيا تعود بها إلى أيام الدولة العثمانية بوجهها المشرق وإلى وقفة أردوغان أمام شيمون بيريز في دافوس في عام 2009 وإلى شهداء مرمرة الذين امتزجت دمائهم ببحر غزة في 2010 وإلى المواقف المشرفة ضد حصار الرئيس الراحل عرفات في 2004 وضد حصار غزة في 2007 وإلى اليوم وإلى قطع العلاقات مع إسرائيل بسبب ذلك.

إن فلسطين تذكر داود أوغلو في 2012 يحتضن الناس في غزة وتذكره يقطع إحدى جولاته عندما كان وزيرا للخارجية ويذهب ليحضر الجلسة التي تم فيها إقرار فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة في حين تغيب الكثير من الوزراء الخارجية العرب هذا إن حضر أحدهم!

ولم يجف الحبر الذي كتب في صفحات الجرائد يوم رفع العلم الفلسطيني لأول مرة في المقر العام للجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك  في هذا العام ليكون داود أوغلو رئيس الوزراء الوحيد الذي يحضر مراسم رفع العلم فيما لم يحضر أي رئيس وزراء عربي.

الشعب الفلسطيني يشعر بالامتنان لهذه المواقف ويشعر بالامتنان لمؤسسات تركيا التي تقف معه وتبني مستشفياته ومدارسه وتساهم في إغاثة فقرائه مثل مؤسسة تيكا والإغاثة الإنسانية ودينيز فناري وغيرها.

الشعب الفلسطيني يشعر بنوع من التضامن عندما يشاهد مسلسل وادي الذئاب وهو يحاول عرض قصة الحق الفلسطيني للعالم ويعرض مظلمة الفلسطيني وبطولته.

الشعب الفلسطيني يشعر بالامتنان لتركيا وهي تفتح أبوابها لطلابه للتعليم ولجرحاه للتداوي ولنشطائه بالمؤتمرات والندوات وكل الفعاليات المتاحة.

الشعب الفلسطيني يشعر بالامتنان لدولة تنصر الضعفاء في أفريقيا وفي الأويغور وفي كوسفو والبوسنة.

الشعب الفلسطيني ذاق مرارة اللجوء لذا فهو يشعر بالامتنان لتركيا التي فتحت أبوابها لأخوانه من الشعب السوري العظيم.

ثم يأتي بعد ذلك بعض ممن لا يرون الصورة كاملة فيعرض لنا صورة قديمة  لأردوغان وهو  يصافح شارون أو يقول إن تركيا كانت من أول من اعترف بإسرائيل، نعم هذا صحيح وهذا كان يؤلمنا ولم نكن نرضاه لكن التحول الذي حدث والمواقف التي استجدت تقول إن تركيا الآن بقيادتها وشعبها ترفض العودة إلى ذلك المربع الذي كانت مضطرة إليه. ونقول في هذا المقام أليس الأولى بالانتقاد هو من كان يحارب إسرائيل وهو اليوم يقف معها ويدعمها ضد المقاومة الفلسطينية، أليس الأولى بالانتقاد من قتلت إسرائيل من شعبه واحتلت أرضه ثم تراه يصوت لصالحها في المحافل الدولية.

إن الذي يأمله الفلسطينيون من تركيا كبير وكبير جدا ولكن مع هذا وبفضل الظروف التي عاشها الفلسطينيون فإنهم يدركون طبيعة التوازنات الدولية وماذا تستطيع أن تقدمه لهم الدول ويستطيعون أن يعرفوا ويميزوا من الذي يريد لهم الخير ومن الذي يريد بهم السوء، وفي الختام لا ينسى فلسطيني حر أنه عندما سكت الجميع تقريبا عن الظلم الذي تتعرض له فلسطين  لم تصمت تركيا.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس