محمود سمير الرنتيسي – نون بوست

بعد الانتخابات التركية الأخيرة في 7 حزيران الماضي  كنت أنتقل من شقة سكنية إلى أخرى في العاصمة التركية أنقرة، وقد جاء مع شاحنة نقل الأثاث عاملان تركيان ودار بيني وبينهم حوار على مدار 4 ساعات فسألتهما بعد إذنهما عن الحزب الذي انتخباه أو يفضلانه  فقالا بوضوح أنه حزب الحركة القومية وأشار أحدهما بشعار الحركة القومية الذي يشبه الذئب فسألتهما عن رأيهما بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقال أحدهما لا أحبه وقال الآخر هو انسان جيد يحب وطنه.

من هذا الحوار البسيط وبعد تكرر الموقف في حوادث مشابهة مع أشخاص يؤيدون حزب الحركة القومية  شعرت بأن حزب العدالة والتنمية من الممكن أن يحصل على بعض أصوات المؤيدين للحركة القومية.

 وقد كان هناك قول خلال الدعاية الانتخابية السابقة بأن حزب العدالة والتنمية من خلال انتقاداته لحزب الشعوب الديمقراطية  يحاول استمالة القواعد الشعبية المحافظة التي تؤيد حزب الحركة القومية.

جرت الانتخابات في  7 يونيو حزيران بالفعل وحصل حزب الحركة القومية على 80 مقعدا الأخيرة بينما حصل حزب العدالة على 258 مقعدا لم يستطع معها أن يشكل الحكومة بمفرده كما أن الخلافات بينه وبين الأحزاب الأخرى أعاقت التوصل لحكومة ائتلافية مما وجه البلاد نحو انتخابات جديدة في نوفمبر 2015، ولكن أمرا مهما كان يحظى بالقبول العام من قواعد حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية وهو تشكيل الحزبين معا لحكومة ائتلافية ولكن هذا لم ينجح كما ذكرنا.

 ويخوض حزب العدالة والتنمية  حاليا تحديا كبيرا من أجل استرجاع بعض الأصوات في الوسط الكردي واجتذاب مزيد من الأصوات من الوسط القومي ليعود بها كي تؤهله لتشكيل الحكومة التركية.

ولكن يبدو أن هناك تركيز  من حزب العدالة على اجتذاب أصوات الوسط القومي في تركيا ويرجع هذا ربما لقناعة بإمكانية ذلك من جهة ولتراجع الآمال في أن يصوت الأكراد لغير حزب الشعوب الكردي في ظل الاستقطاب القومي في مناطقهم.

وفي هذا السياق وقبل أيام قليلة عندما طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رئيس حزب العدالة  أحمد داود أوغلو أن يشكل حكومة مؤقتة للإعداد للانتخابات في نوفمبر القادم رفض حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المشاركة في هذه الحكومة ولكن تفاجأ الجميع عندما أعلن داود اوغلو أن "طغرل تركش" ابن مؤسس الحركة القومية والنائب في البرلمان عنها قد وافق بالرغم من معارضة حزبه على الدخول في الحكومة كنائب لرئيس الوزراء وأحد أعضاء المجلس المصغر للحكومة.

وهذه خطوة أخرى بدت كأنها اختراق لصف قيادة الحركة القومية الذي يصر زعيمه على رفض كل المقترحات التي تأتيه في الغالب والإصرار على البقاء في المعارضة مما جعل ذلك موضع الدهشة والاستغراب، وقد اعلن الحزب بعد الانتخابات مباشرة ان دخوله في حكومة ائتلافية مع حزب العدالة غير ممكن.

ومن جهة أخرى فإن المعركة التي فتحها الجيش التركي في هذا الوقت على كل من تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني تتقاطع أيضا مع مواقف القوميين الاتراك الذين يرون في حزب العمال الكردستاني عدوا لا يمكن السلام معه نهائيا وقد كانوا يرفضون عملية السلام التي بدأها حزب العدالة والتنمية معه.

وفي الحقيقة يرجع أساس هذا الاستهداف لقواعد الحركة القومية من قبل حزب العدالة والتنمية  إن صح التعبير إلى أن قواعد الحزب تنقسم إلى قسمين رئيسيين هم القوميين المحافظين في منطقة الأناضول الداخلي والعلمانيين القوميين في مناطق الغرب.

لذا يميل فإن القسم الأول أكثر تقاطعا مع حزب العدالة بينما يبدو  القسم الثاني أقرب  إلى حزب الشعب الجمهوري والذي يجمع القسمين هو ارهاب حزب العمال الكردستاني والخوف من إقامة كيان كردي على الأراضي التركية.

وكما يقول باحثون أتراك فإن حزب الحركة القومية لم يستطع ان يعبر العتبة الانتخابية في العام  2002 وقد أخذ حزب العدالة قسم كبير من أصواته و في تلك اللحظة اعتبر ناخبو الحركة القومية في منطقة الاناضول تحديدا حزب العدالة اكثر تمثيلا لهم من الحركة القومية من ناحية سياسية واقتصادية. ويخشى قادة الحركة القومية  اليوم من تكرر هذا الأمر.

يمكن من خلال استقراء الواقع التركي أن يجني حزب العدالة ثمارا من وراء استمالة قسم ممن هو مصنف في إطار الناخب القومي إن صح التعبير لما ذكرنا سابقا من وجود التقسيم أصلا في الصف القومي ولأسباب أخرى

 حيث هناك مؤشرات لإمكانية  تفاهم كوادر  الحزبين أيضا ، وقد ظهر هذا في إعلان حزب الحركة القومية عن إمكانية دعم حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة لكنه لم يلبث أن تراجع عن هذا وربما لأنه كان مدفوعا بالخوف من ذوبان قاعدته في حزب العدالة إذا ما أعلن دعم الأخير.

كما أن سياسة حزب الحركة القومية القائمة على الرفض والبقاء في المعارضة قد لا تتقاطع مع طموحات عدد من كوادر الحزب الذين يريدون المشاركة بفعالية في السياسة التركية عبر منبر الحكومة ولا يريدون أن تبقى سياساتهم فقط هي أخذ الطريق المعاكس لحزب الشعوب الديمقراطي بل يريدون أن يكون لهم سياستهم بغض النظر عن الحزب الكردي وهذا ما قد يشجع حزب العدالة والتنمية لاعتماد خطاب يستميل الفئات القومية.

بالتأكيد أن حزب الحركة القومية الذي لا ينكر وجود تقاطع بينه وبين حزب العدالة كما يقول رئيس حزب الحركة القومية في دائرتي الثقافة القومية والثقافة الإسلامية على حد تعبيره، ولذا سيحاول بكل قوة اظهار الفوارق بينه وبين حزب العدالة والتنمية والتركيز عليها من أجل منع اتجاه أصوات أخذها في الانتخابات الماضية إلى حزب العدالة والتنمية.

ويبقى العامل الأساس هنا في تفوق خطاب وسلوك أحد الحزبين على الآخر في اقناع الوسط القومي المحافظ بالتصويت له في الانتخابات القادمة والمؤشرات العامة تشير إلى إمكانية نجاح حزب العدالة في انتزاع تأييد البعض لكن الكم هنا مهم جدا.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس