جلال سلمي - خاص ترك برس

وُلد أحمد داود أغلو بتاريخ 26 شباط/ فبراير 1959 في مدينة قونيا الواقعة وسط تركيا، بعد إنهائه المرحلة الابتدائية والإعدادية في مدينة قونيا انتقل إلى مدينة إسطنبول لإنهاء المرحلة الثانوية والالتحاق بالجامعة، بعد تحصيله درجة نجاح موفقة في المرحلة الثانوية التحق عام 1983 بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية التابع لجامعة "بوغازيتشي" التي تُعتبر من أفضل الجامعات التعليمية في تركيا.

بعد تخرجه من الجامعة بدرجة الدكتوراة تلقى أول عرض للعمل كأكاديمي محاضر من جامعة ماليزيا الإسلامية الدولية، أسس بهذه الجامعة قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية وفي عام 1995 عاد لتركيا ليعمل في جامعة مرمرة، بعد رجوعه لتركيا بدأ يعمل ككاتب سياسي تحليلي في جريدة يني شفق واستمر على هذه الوتيرة من العمل إلى أن تلقى اتصال هاتفي من رئيس الجمهورية التركية في ذلك الوقت عبدالله غل عام 2009 حيث بداية مشواره السياسي الذي مازال مُستمر إلى يومنا الحالي.

وينقل الباحث السياسي محسن كيزيل كايا بداية مشوار داود أوغلو السياسي من خلال مقال سياسي نُشر في جريدة خبر ترك بتاريخ 3 نوفمبر 2015، ويستهل كيزيل كايا مقاله بالشكل التالي "اتصل عليه عبد الله غل في نيسان/ أبريل 2009 وعلى الفور ترك داود أوغلو محضراته ودروسه وجامعته وذهب إلى أنقرة، كان يظن داود أوغلو بأن اللقاء سيكون لقاء عابر ولكن الموضوع كان عكس ذلك تمامًا، حيث كان هناك موقع بحاجة إلى رجل رصين وذو خبرة عالية؛ كان هناك موقع وزارة الخارجية الذي كان بحاجة إلى رجل يحمل أفكار ونظريات تهدف إلى جعل تركيا دولة منفتحة ومنخرطة بالعولمة من أوسع أبوابها لتتطور وتتقدم سياسيا ً واقتصاديا ً واجتماعيا ً وثقافيا ً وإعلاميا ً، وهذا ماكان يحمله داود أوغلو بين طيات أفكاره وصفحات كتبه ومقالته".

يرى كيزيل كايا بأن "كتاب "العمق الاستراتيجي" وخاصة جملته القائلة "كل مجتمع يراهن على أن يكتب التاريخ لا أن يقرأه ويراهن على أن يكون عنصرًا نشطًا لا خامل في التدفق التاريخي يجب عليه قبل كل شيء أن يُعيد إعادة تقييم مُعطياته الثابتة "الجغرافيا، التاريخ، الثقافة إلخ" ليعمل على استعمالها في تشكيل العلاقات السياسية وكتابة تاريخ جديد"، هما من لعبا دورًا كبيرًا بجعله شخصية سياسية مشهورة ذات أفق سياسي مفتوح وهما من أوصلا اسمه إلى عبدالله غل ورجب طيب أردوغان".

يُضيف كيزيل كايا بأن "شخصية داود أوغلو التي كانت ترى بأن الشرق ليس كما يصفه الغرب متخلف وفقير ماديًا وجغرافيًا وتاريخيًا وحضاراةً بل هو مصطلح له علاقة وطيدة مع الثراء التاريخي والجغرفي والثقافي والحضاري المدهش ولكن هذا الثراء يحتاج إلى خطوات تطبيقية إلى استخدامه وجعله ألة للسياسة الناعمة التي تُعلي من شأن وهوية الدولة وتجعلها قوية سياسيًا واقتصاديًا وجيوسياسيًا وفكريًا وإعلاميًا، هذه الشخصية جذبت قادة الحكومة والدولة بشكل لا يوصف حيث أن هذا ما كانوا يهدفون إليه ولكن كانوا بحاجة إلى طبيب ذي تجربة يطبق هذه الأهداف بتكتيكات واستراتيجيات ناجحة، وجدوا هذا الاسم مع صدور كتاب العمق الاستراتيجي الذي نُشر عام 2001 وتأخر بالوصول إلى مكاتب القادة الأتراك ربما لانشغالهم بالتمكين السياسي لأنفسهم في تلك الفترة".

حسب ماتورده الصحف التركية؛ التقى داود أوغلو بعبدالله غل ورجب طيب أردوغان في أبريل 2009، وقبل عرضهم بأن يصبح وزير الخارجية التركي وتولى هذا المنصب بتاريخ  1 أيار/ مايو 2009 وبذلك بدأ بخطو أول خطوة في مشواره السياسي التطبيقي.

اتسمت فترة تولي داود أغلو للخارجية بسياسة "تصفير المشاكل" بين تركيا وجميع جيرانها ففُتحت الحدود ورُفعت التأشيرات وسياسة "الانضمام النشط للعديد من المنظمات الدولية لتنشيط العمل الدبلوماسي" وهذا ماجعل تركيا تحاول الانضمام إلى جامعة الدول العربية حتى وسياسية "التوسط السياسي" فأصبح لتركيا شأن وتقدير عظيمين بين الدول لدورها النشط في محاول حل المشاكل السياسية العالقة بين دول المنطقة والدول الأخرى وسياسة "استخدام الفرع السياسي الناعم" فبدأت الكثير من المسلسلات التي تُحاكي التاريخ العثماني والوحدة بين شعوب تركيا والشرق الأوسط والبلقان تغزو الساحات المذكورة لتذكير المنطقة بالرابط التاريخي الوثيق وبدأت ألاف الطلبة تتوافد لتركيا لتتلقى العلوم في كافة المجالات وكافة المستويات مما يجعل الطلبة يشعرون بالمنة لتركيا وينقلون تجربتها السياسية لبلدانهم، وغيرها الكثير من السياسات التي سطرها مهندس السياسة التركية منذ 2009 وحتى 2014  داود أوغلو على الساحة العامة للسياسة التركية.

هذه السياسات حقق بعضها نجاح باهر وبعضها بسبب عوامل غير متوقعة تم تجميدها بشكل مؤقت، حجم النجاح الذي حققه داود أوغلو خلال فترة قيادته للخارجية التركية جعلته يتأهل لزعامة حزب العدالة والتنمية بتاريخ 10 آب/ أغسطس 2015 إذ حصل على 41 صوت من أصل 60 صوت في أول عملية انتخابات تمت خلال الاجتماع المركزي للحزب، واستمر بزعامة حزب العدالة والتنمية ورئاسة الوزراء إلى تاريخ 7 يونيو إذ خسر حزب العدالة والتنمية أصواته بنسبة 9 نقاط مئوية وبالتالي فقد حقه في تأسيس حكومة بمفرده.

لم يستسلم داود أوغلو لهذه الخسارة واعترف بأخطاءه ووعد بتفاديها وبالفعل نزل الساحة السياسية بوعود وسياسات تُمثل رغبة الناخب واستطاع بتاريخ 1 نوفمبر 2015 الحصول على نسبة 49,5%  ليثبت بأنه سيستمر بحياته السياسية لمدة أربع سنوات أيضا ً.

حسب رأي الكثير من الخبراء؛ مزيج التجربة الأكاديمية والتجربة التطبيقية  السياسية لداود أوغلو سيلعب دورا ً كبيرا ً في جعله قادر على ابساط العديد من السياسات التي ستجعل من تركيا دولة ذات شأن وقدر محسوب على مستوى إقليمي ودولي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!