جلال سلمي - خاص ترك برس

المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية، دولتان، بذكرهها، تذهب البصائر والأفكار نحو أفق المصالح المشتركة المتعددة والمتنوعة الجامعة لهذين العنصرين اللذين يمثلان الأذرع الأساسية "للمحور السني" في منطقة الشرق الأوسط.

لوحظ في الآونة الأخيرة أن أعداد الأبحاث الاستراتيجية المُتعلقة بالعلاقات السياسية والاقتصادية الاستراتيجية المتبادلة بين الطرفين بدأت بالازدياد، بشكل مُلفت، وتُعزى الأسباب الرئيسية لازدياد أعداد هذه الأبحاث إلى؛ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003 وانسحابها منه عام 2008، حيث خلفت بعد انسحابها نظامًا ذو غالبية شيعية مدعومة إيرانيًا ومن ثم التدخل الإيراني الواضح والملموس في بلدان الوطن العربي.

توسع رقعة النفوذ الإيراني السياسي والجيوسياسي، في العراق، جعل المملكة العربية السعودية، التي تملك تاريخًا حافلًا بالخلافات والنزاعات بينها وبين إيران، تشعر بتوتر وقلق شديدين، دفعاها إلى البحث عن شريك قوي، في منطقة الشرق الأوسط، لموازنة المعادلة السنية الشيعية أمام التمدد الإيراني المتوغل داخل أحشاء المنطقة دون رادع.

وبعد طول بحث وتنقيب، وجدت السعودية في تركيا أقوى الشركاء، في المنطقة، فبدأت العلاقات المتنوعة تجمع بين الطرفين شيئًا فشيئًا. بعد تقارب الطرفين شهدت العلاقات بينهما حالات مد وجزر، حيث أنه من عام 2008 إلى عام 2010  كانت العلاقات بينهم متوافقة بشكل كبير، وخلال هذه الفترة تم إبرام أول اتفاقية تعاون سياسي عسكري شاملة تجمع بين الطرفين بتاريخ 24 أيار/ مايو 2010، ولكن بعد انطلاق ثورات ربيع العربي، في كافة أرجاء منطقة الشرق الأوسط، بدأ الاستقطاب السياسي يُخيم على العلاقات بين الطرفين، وبدأت الخلافات تأخذ محل نقاط التوافق.

الاستقطاب السياسي، الذي أفسد المسيرة الإيجابية للعلاقات بين الطرفين، تمثل في دعم تركيا غير المحدود للثورات المنتفضة، ومن جهة أخرى؛ محاربة السعودية غير المحدودة لها، حيث أصبحت تركيا تُمثل قُطب الثورات العادلة المُطالبة بالحرية والكرامة، بينما أصبح اسم السعودية مُرتبطًا، بشكل وثيق، بمؤامرات الثورات المضادة، وفي نهاية الاستقطاب الحاد؛ كان الانقلاب العسكري، في مصر، بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2013، هو القشة الثقيلة التي قسمت الحلقة المُوصلة للعلاقات الثنائية والتعاونية المشتركة بين الطرفين بشكل جذري.

بعد توسع الرقعة الإيرانية الجيوسياسية، بسيطرتها على اليمن من خلال الحوثيين وإنزال جنودها للقتال الميداني في العراق وسوريا، زاد قلق السعودية من عواقب هذا التوسع، عواقب هذا التوسع التي يمكن أن تكون ذات إطار شديد الوخم في الأيام المُقبلة. مع ازدياد النفوذ الإيراني ومع وفاة الملك السعودي عبد الله بتاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2015، والذي لعب دورًا أساسيًا في تقويض الثورات العربية العادلة، وخاصة بعد تعاونه مع عبد الله صالح لإجهاض الثورة اليمنية، تولى الحكم من بعده أخوه الملك سلمان، الذي غير ملامح الوجه العام لنظام الحكم، في السعودية، من نظام مُعادي لثورات الربيع العربي وداعميه إلى نظام أكثر واقعية يُنظر إلى أن المصالح المُشتركة للمنطقة تكمن في دعم ثورات الربيع العربي التي تُمثل المُرتكن الأساسي في إيقاف التوغل الإيراني والوقوف إلى جانب الدول المحورية، في منطقة الشرق الأوسط، مثل تركيا،  لإعداد خطط مُشتركة تقوي من شوكة المحور السني ومنطقة الشرق الأوسط ضد التغلغل الإيراني المُفرط في تقدمه دون ارتداع، أصبح هناك أمل لإعادة نصاب العلاقات التركية السعودية إلى ماكانت عليه قبل 2010 وبشكل أقوى وأوسع.

يُتبع...

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس