إسماعيل ياشا - أخبار تركيا

رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو من أبناء قونيا، تلك المدينة العريقة التي كانت عاصمة للسلاجقة. وانتخب داود أوغلو نائبا لحزب العدالة والتنمية عن مدينة قونيا في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 12 يونيو / حزيران 2011. وهو أول رئيس للوزراء من مدينة قونيا. وكان رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان رحمه الله قد انتخب نائبا عن مدينة قونيا خمس مرات إلا أن قونيا ليست مسقط رأسه، بل ولد أربكان في مدينة سينوب الواقعة في أقصى شمال تركيا. ومن المقرر أن يقوم داود أوغلو أول زيارة له إلى مدينة قونيا يوم السبت بعد أن تنال حكومته الثقة في البرلمان ، وفاء لها ولأهلها.

حزب العدالة والتنمية الذي انتخب داود أوغلو رئيسا له خلفا لأردوغان، يرفع منذ فترة شعار “تركيا الجديدة” ويعد المواطنين بأنه سيقيم تركيا مختلفة تماما عن تلك القديمة. وتحت هذا الشعار البراق عناوين كثيرة؛ مثل: مشاريع عملاقة، وتعزيز الصناعة العسكرية الوطنية، ومزيد من الحريات، وتحقيق المصالحة مع الأكراد، وتكريس الاستقرار السياسي والاقتصادي، والأمن والأمان والتنمية والعدالة الاجتماعية وغيرها. ولكني – كأحد أبناء مدينة قونيا – أريد من حكومة داود أوغلو شيئا أراه بالغ الأهمية قبل إنجاز المشاريع العملاقة والنجاحات السياسية والاقتصادية والعسكرية وتحقيق كل الوعود التي تنطوي تحت شعار “تركيا الجديدة”: أرجو منها إزالة وصمة العار التي تلطخ بها جبين مدينتنا الحبيبة.

قبل أيام، قام عدد من الغوغائيين الهمج في تل علاء الدين الشهير في وسط مدينة قونيا بالاعتداء على بعض إخواننا اللاجئين السوريين العزل خلال مرورهم من المكان، ولم يكتفوا بضربهم بل صوَّروا هذه الجريمة النكراء ونشروا المقطع في مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “صيد السوريين-1″، متفاخرين بما فعلوا بالإضافة إلى كثير من الشتائم والإساءة للعرب والسوريين، وتواعدوا على أن يكرروا جريمتهم يوم الأحد القادم في المكان نفسه. وعبَّر أحد أصدقاءهم في تعليقه على المقطع عن استياءه من عدم دعوته إلى هذا “الصيد” قائلا: “لو كنا هناك لسفكنا الدماء”.

هذه الجريمة تم ارتكابها في وضح النهار، والمجرمون قاموا بتصويرها ونشرها، وأسماؤهم معروفة وصورهم موجودة في مواقع الإنترنت. والجريمة مكتملة الأركان، وهناك اعتداء وضرب وشتم وتمييز عنصري  ودعوة صريحة للعنف والكراهية وتكرار الجريمة. فماذا تنتظر قوات الأمن؟

المطلوب من حكومة داود أوغلو متابعة هذا الموضوع الخطير ومعاقبة المجرمين في إطار القوانين حتى يكون رادعا لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم والاعتداء على اللاجئين الأبرياء. وما قام به هؤلاء الغوغائيون الهمج جريمة يعاقب عليها القانون، وكل ما نريده من الحكومة تطبيق القانون وعدم التغطية على هذه الجريمة لكي يشعر كل من يعيش في مدينتنا وبلدنا بالأمن والأمان وأنه تحت حماية القانون.

بلغني أن بعض الإخوة الغيورين تقدموا إلى المدعي العام بشكوى لمحاسبة جميع من شاركوا في جريمة الاعتداء على اللاجئين السوريين في تل علاء الدين ومعاقبتهم، وأنهم سيتابعون القضية حتى ينال المجرمون ما يستحقون من العقاب. ولكن هذا لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها في متابعة الموضوع عن كثب لضمان عدم تكرار الجريمة. وأعتقد أن هذا أول اختبار لحكومة داود أوغلو حتى نرى ويرى العالم أن إخواننا اللاجئين ليسوا “صيدا” للرعاع، بل هم “ضيوفنا الكرام” كما يكرره المسؤولون دائما في تصريحاتهم.

مدينة قونيا معروفة بوقوف سكانها إلى جانب إخوانهم خلال حرب أفغانستان وحرب البوسنة وغيرها، وهي من المدن السباقة في أعمال الخير ومساعدة المحتاجين. ويجب أن لا نسمح لشرذمة من الشباب الطائشين بتشويه هذه السمعة الطيبة. وكأحد أبناء مدينة قونيا، أشعر بالعار والخجل منذ مشاهدتي ذلك المقطع وقراءة ما كتبه هؤلاء من الإساءة للاجئين. وبالتالي، ما أريده من حكومة داود أوغلو كأول إجراء لها هو أن تغسل هذا العار، وأن لا تهمل الموضوع، لأنه قد يكون أكبر من مجرد جريمة ارتكبها عدد من الغوغائيين الهمج وقد يكون هناك من يحرضهم على مثل هذه الجرائم لأسباب نعرفها جميعا.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس