ترك برس

رأى خبراء ومحللون، أن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها موسكو ضد أنقرة على خلفية إسقاط الأخيرة مقاتلة حربية روسية انتهكت مجالها الجوي نهاية الشهر الماضي، ستسهم في تفاقم الأزمة الإقتصادية الروسية الراهنة، مشيرين إلى أن من المتوقع ازدياد معدلات التضخم في روسيا، جراء فقدان النفط نصف قيمته منذ العام الماضي، والعقوبات الغربية.

ويصف خبراء اقتصاديون، السياسات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة الروسية بأنها "غير مستدامة"، متوقعين أن تؤدي (السياسات) إلى "بدء احتجاجات في نهاية المطاف، لأنها ستأتي على حساب الاستثمار في مجالات حيوية"، لافتين إلى أن العقوبات الروسية بحق تركيا ستفاقم الوضع في البلاد، وأن مثل هذه القرارات تنهك المواطن ماديًا.

رئيس قسم الاقتصاد في معهد الطاقة والتمويل الروسي، "مارسيل ساليخوف"، قال في تصريحات أدلى بها لوكالة الأنباء التركية، الأناضول، إن من المنتظر أن ترتفع أسعار الخضروات والفواكه في روسيا بسبب العقوبات التي فرضت على المنتجات المستوردة من تركيا، لافتًا إلى أن الطماطم والخيار والتفاح والفواكه والخضروات المماثله لها المدرجة في قائمة العقوبات، تعد أكثر المنتجات أهمية.

وأضاف الخبير الروسي: "كانت القيمة الإجمالية للمنتجات المدرجة حاليا ضمن العقوبات، 656 مليون دولار أمريكي في عام 2014، هذا الرقم لا يعد كبيرًا للغاية مقارنة بالنفقات الاستهلاكية الروسية الإجمالية".

بدوره، لفت الخبير في الاقتصاد الوطني الروسي "قسطنتين كوريتشينكو"، إلى أنه يتوقع ارتفاع نسبة التضخم بروسيا 0.5 نقاط جراء العقوبات ضد تركيا، مبيناً أن تلك الزيادة لا تعد زيادة كبيرة مقارنة بالمتوقعة لعام 2015 والمتمثلة بنسبة 13%.

وأفاد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سان بطرسبورغ، البروفيسور الروسي "ستانيسلا تكاجينكو"، بأن الاقتصاد الروسي غير قادر على استبدال الصادرات التركية، وأن هيكلية التجارة بين تركيا وروسيا، تعود بالربح على الاقتصاد الروسي أكثر من نظريه التركي.

وأشار تكاجينكو إلى أن تركيا احتلت العام الماضي المرتبة الخامسة بين شركاء روسيا من حيث الصادرات، لافتًا أن صادرات الغاز الطبيعي، بلغت لوحدها 25 مليار دولار، وأنه "بالمقابل تشتري روسيا ما يعزز اقتصادها من أنقرة، كالآلات، والنسيج، بالإضافة لمواد البناء، والمواد الغذائية، وكل هذا لا يمكن استبداله بين ليلة وضحاها".

في سياق متصل، أشار الباحث المتخصص في الشؤون التركية، علي باكير، في مقال له بعنوان "هل يمكن لتركيا أن تفرض عقوبات على روسيا؟"، أن "من الملاحظ أن العقوبات الروسية لم تشمل قطاعات هامة لموسكو مثل الطاقة (الغاز والنفط) والإنشاءات والمقاولات، والاستثمار، ذلك أن وضع عقوبات على هذه القطاعات ستكون له نتائج سلبية على موسكو أكبر بكثير من النتائج السلبية على أنقرة، ولعل هذا هو بالضبط المدخل الذي تتحدث عنه تركيا بخصوص الإجراءات والعقوبات التي من المحتمل أن تتخذها ضد روسيا إذا اقتضى الأمر ذلك في المرحلة القادمة".

وأضاف باكير: "في مجال الطاقة، تعد تركيا ثاني أكبر مستورد للغاز الروسي بعد ألمانيا، وتحتل روسيا المرتبة الأولى لناحية تلبية حاجات تركيا من الطاقة المستوردة، إذ تشكل واردات الغاز الروسي وحدها حوالي %57 من حاجات أنقرة من الغاز. في العام 2014، بلغت فاتورة واردات الطاقة التركية من روسيا فقط حوالي 17 مليار دولار، ما يقارب 8.5 مليار منها فاتورة واردات الغاز أي ما يوازي حوالي %19 من عائدات شركة غاز بروم لذلك العام".

وأردف قائلًا: "خلال الأيام القليلة الماضية، عملت تركيا جديا على دراسة تقليص اعتمادها على الغاز الروسي إذا اقتضى الأمر بنسب تتراوح بين 25 إلى %35 ناهيك عن تخفيض واردات النفط منها أيضاً، وقد خاضت من أجل ذلك محادثات مع عدد من الدول الرائدة في تصدير الغاز لاسيما قطر وأذربيجان مع إمكانية لرفع واردات الغاز من دول أخرى كتركمانستان والجزائر ونيجيريا وحتى الولايات المتحدة. إذا ما خفضت تركيا فعلا مستقبلا واردات الطاقة الروسية بهذه النسبة، فسيشكل ذلك ضربة لا يستهان بها للجانب الروسي قد تكلفه حوالي 6 مليارات دولار، لاسيما في ظل الانخفاض المستمر لأسعار الطاقة وفي ظل حالة الركود والتضخم التي يعاني منها الاقتصاد الروسي، وفي الوقت الذي سيكون بإمكان تركيا البحث عن مصادر أخرى لتسويق منتجاتها من الخضر والفواكه، سيكون من الصعب على روسيا أن تجد أسواقا بديلة لاستهلاك هذه الكميات الكبيرة من الغاز والنفط في ظل حالة الركود العالمية واستمرار العقوبات الأوروبية والأمريكية".

ولفت إلى أن "ما ينطبق على الغاز ينطبق أيضا على قطاع الحبوب، إذ تعتبر تركيا أكبر مستورد للقمح من روسيا، وسيكون بإمكانها تخفيض استيراد القمح من موسكو والبحث عن مصدر بديل. أما في قطاع الاستثمار، فيبلغ حجم الاستثمار الروسي في مفاعل أكويو النووي في تركيا حوالي 20 مليار دولار، ومن الممكن أيضًا فرض قيود على العاملين الروس في تركيا أو ربما فرض ضرائب عليهم أو اتخاذ إجراءات مراجعة لنوعية الواردات الروسية والتضييق على السفن الروسية التي تمر في المضائق التركية والتدقيق في حمولاتها أو في أوراقها أو زيادة الضرائب عليها بما يؤدي في النهاية إلى عرقلة عملها وخساراتها لكثير من الأموال".

ويناقش مجلس الدوما الروسي (البرلمان)، الميزانية الاتحادية للبلاد لسنة 2016، والتي تم اقتراحها في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وتضمنت زيادة في الإنفاق العسكري بنسبة 0.8% مقارنة مع عام 2015، ومن المخطط تخصيص مبلغ 49 مليار دولار لأهداف تتعلق ب "الدفاع الوطني".

ويرى الخبراء، أن روسيا ستضطر لاقتطاع 8% من الإنفاق المخصص لقطاع الصحة، و 8.5 % من حجم الإنفاق في قطاع التعليم، إضافة إلى تقليص الرواتب التقاعدية بنسبة 4% في العام القادم، "لتخلق نوعًا من التوازن في الميزانية العامة".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقّع نهاية الشهر الماضي، مرسومًا يتضمن سلسلة إجراءات اقتصادية ضد تركيا، على خلفية إسقاط الأخيرة مقاتلة روسية من طراز "سوخوي 24"، انتهكت المجال الجوي التركي.  

وتضمنت الإجراءات "منع المؤسسات والمنشآت التركية من ممارسة نشاطات في روسيا، ووقف استيراد بعض السلع ذات المنشأ التركي مؤقتًا أو منع استيرادها بالكامل"، كما منعت كافة الشركات العاملة في روسيا، من توظيف مواطنين أتراك، اعتبارًا من مطلع كانون ثاني/ يناير 2016 المقبل.

وتأتي خطوة بوتين بفرض العقوبات، على خلفية إسقاط طائرتين تركيتين من طراز "إف-16"، مقاتلة روسية من طراز "سوخوي-24"، انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا في ولاية "هطاي" (جنوب)، في 24 تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك بموجب قواعد الاشتباك المعتمدة دوليًا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!