طه أوزهان - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

كان موضوع تغير النظام منذ اليوم الأول للثورة السورية أحد المواضيع الرئيسية وما زال كذلك، وجوابه سيكون أحد النتائج الحتمية لموجة التغيرات الكبيرة التي ضربت المنطقة، لكننا بتنا في الآونة الاخيرة نرى بعض الدول المستفيدة من الأزمة السورية تردد وبكثرة الحديث عن أن "مسألة تغيير النظام لم تكن يومًا عنصرًا أساسيًا من الأزمة السورية"، خصوصا أنه وفي الشهر الأول من الأزمة لم نسمع بمثل هذا الطلب لا من الدول المعارضة للنظام والداعمة للثورة ولا من دول المنطقة الأخرى. ولكن لنتذكر أن نظام الأسد هو السبب في المأزق السياسي قبل الثورة والسبب في الأزمة فيما بعد الثورة، وعن تحول هذه الأزمة إلى حرب داخلية دموية وهو كذلك العنصر والمتحدث الرئيسي في مفاوضات "تغير النظام".

في شهر آذار/ مارس من عام 2011 م كانت الشرارة الأولى للثورة السورية، في الحقيقة لم يكن الأمر تمردًا أو ثورة ، لكنه حصل بالتدريج  مقارنة مع الثورات العربية الأخرى ، فلم يكن السوريون يأملون في بداية الثورة بنزول شريحة كبيرة من الشعب إلى الشارع ليتم إسقاط النظام خلال أسابيع معدودة كما حصل في تونس، ولا بتغيير تحت نيران الأسلحة في نزاع سريع كما حصل في ليبيا، ولا في مكوث الملايين في الميادين رافضين تركها إلا بزوال شخص بعينه كما حصل في مصر ونزول الملايين إلى الميادين الرئيسية مطالبين بعزل مبارك.

منذ عام 1980م، عانى السوريون من الطحن والسحق تحت أقدام النظام، وكانوا يدركون مدى دموية النظام البعثي  وقدرته على تحويل المستقبل إلى برك من الدماء وجبال من الأشلاء ولهذا شهدنا تحرك الشعب بنوع من القلق، أضف لذلك أن "مكياج الديمقراطية الشكلية" الذي أضافه بشار الأسد ومنذ توليه لقيادة حزب البعث بعد وفاة أبيه كان عاملًا آخر في اختلاف  نغمة الثورة السورية عن باقي الثورات العربية. فالأسد وعندما فرضت عليه الظروف السير باتجاه الديمقراطية من خلال أول عملية انتخابية حرة ونزيهة رأيناه يقوم بها وبكل ثقة بأنه سيفوز بهذه الانتخابات رغم التاريخ الدموي لأبية ولنظام البعث!

الاحتجاجات السورية التي بدأت في مثل هذه الظروف لم يكن لها رغبة في تغير النظام أو قلبه أو ذهاب الأسد وإنما كانت "مطالب بتحسينات ديمقراطية محددة". وفي هذا الموضوع كانت تركيا إحدى أكثر الدول إصرارا وتأكيدا على ذلك. لكن نظام البعث بنفسه كان السبب الرئيسي في تغير مطالب الشعب السوري من إصلاحات ديمقراطية إلى مطالب بزوال وتغير النظام. اليوم استمرار الحديث بأن "تغير النظام في سوريا" ليس نقطة أساسية من تفاهمات الحل النهائية ولا من المطالب الرئيسية، ما هو إلا وهم وانجراف إلى عالم الخيال. أضف لذلك أن أولئك الذين يظهرون الممانعة والمعارضة لتغيير النظام سواء بسلبيتهم أو فاعليتهم بما فيهم نظام البعث نفسه كانوا السبب الحقيقي في بعث الحياة في جسد المطالبة بزوال النظام الدموي.

الأهم من ذلك، فترة الحل السياسي التي يسعون لتفعيلها ما هي في حقيقتها إلا تغير فعلي في النظام. فالمعنى الوحيد لخريطة الطريق التي يسعى إليها مثلث "الرياض – فيينا – نيويورك"، والتي تحمل في طياتها بداية تغيير طبيعة نظام الأسد الدموي ثم تغيره نفسه ما هو إلا رسم لقدر مشابه لتلك المبادارات السياسية التي تم طرحها في الماضي والتي مر عليها الزمن. لأن كل الخطط والمبادرات بما فيها مبادرات عنان والإبراهيمي، انطلاقا من قاعدة على مستوى المنطقة العربية بما فيها تركيا – مصر – السعودية وإيران إلى قاعدة على مستوى عالمي بما في ذلك الدول الصديقة للنظام السوري في مجلس الأمن الدولي، وكذلك بالحلول السياسية غير الملزمة الصادرة عن مجلس الأمن كلها آلت إلى نفس القدر ونفس النهاية.

لنترك تغيير النظام في سوريا جانبا، فالأوضاع الحالية جعلت من المطالبة بتغيير النظام باطلة وجعلت من المخاوف من تغير النظام التي عفا عليها الزمن فوبيا غير مبررة ووسيلة لتقييد المعارضة.

فالنظام السوري، ومنذ عام 2011،  ومن هذا المفهوم  تغير مرات عديدة، وعند النظر إلى الحال النهائية  له نجد أن النظام أصبح بقاؤه واقفا على قدميه رهنًا بكثير من الدول والقوى الداخلية والخارجية في آن واحد، وهو ما حوله إلى نظام أكثر شراسة ودموية. إن عدم هضم وتقبل هذه الحقيقة السياسية المؤلمة واستمرار أولئك الغارقين بأوحال اللاسياسة بالحديث عن المخاوف من تغيير النظام ما هو إلا مصالحة مع الحياة السريالية التي عاشتها سوريا على مدى خمس سنوات مضت. عند هذه النقطة، ومع مباحثات فيينا لا يمكن منح أي إجابة متناسقة أو قبول أي حديث عن تغيير في الأزمة السورية لا يحوي خططًا لتغيير النظام.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس