د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

لم تكد تركيا تلملم جراح تفجيرعاصمتها السياسية أنقرة، الذي وقع في العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام المنصرم، حتى فوجئت بتفجير جديد مع بداية العام الجديد وهذه المرة قي قلب عاصمتها السياحية والاقتصادية والسكانية إسطنبول.

كان تفجير أنقرة الأول من نوعه وحجمه في تاريخ تركيا الحديث حيث أودى بحياة أكثر من مئة مواطن وهز قلب تركيا السياسي.

وتفجير السلطان أحمد الذي راح ضحيته عشرة من السواح الألمان، كان نوعيًا هو الآخر، لاختياره قلب تركيا السياحي وجوهرة إسطنبول وأهم منطقة من معالمها السياحية الدينية والتاريخية.

رسالة قوية لتركيا، بأنها ليست بمنأى عن متناول الإرهاب الذي يقدر على الوصول لعاصمتيها السياسية والسياحية بآن واحد.

التفجير الأول كان كل ضحاياه هم من الأتراك والتفجير الثاني كان كل ضحاياه من غير الأتراك.

استهداف السيُّاح الألمان- إن لم يكن صدفة- فهو أيضًا رسالة قوية لألمانية، بأنه يمكن الوصول لها خارج بلادها، إن عز ذلك في عقر دارها.

بدأت ألمانيا في الفترة الأخيرة تأخذ دورًا متقدمًا وقياديًا في محاربة تنظيم الدولة داعش، ودعمت تركيا ماديًا للحد من هجرة السوريين بأعداد كبيرة لأوروبا بشكل عام ولها بشكل خاص.

مما لا شك فيه أن تركيا استطاعت منع العشرات من محاولات التفجير والإرهاب في مراحلها التحضيرية، كان المستهدفون منها كثر، وعلى مستويات عديدة، وكانت تخطط لاستهدف أحداث يكون لها صدى قوي يهز استقرار تركيا وأمنها.

كل المعتقلين الذين طالبت المحكمة بسجنهم على ذمة التحقيق هم من السوريين، هذا أيضًا له دلالاته الهامة، وسيكون له انعكاساته القوية على مستويات عديدة، خاصة إذا أثبتت التحقيقات أن هذه التفجيرات تم تدبيرها بدون أي مساعدة من المواطنين الأتراك.

من هو المستهدف ومن هو المستفيد من وراء هذه التفجيرات..؟

ولماذا تركيا؟

الجواب على هذا السؤال قد لا يكون صعبًا لكل من يتابع الأحداث بعين ثاقبة ونظرة فاحصة.

المستهدف الأول والمباشر هو تركيا بدون أي شك، فالتفجير وقع على أرضها وفي أهم منطقة سياحية ودينية بالنسبة لها، وكان استهداف القطاع السياحي واضحًا، بقصد توجيه ضربة اقتصادية لتركية بعد أزمتها مع روسيا. فأكثر من خمسة ملايين سائح ألماني يزور تركيا كل عام، حيث يشكل النسبة الأولى والأهم بين السياحة الأجنبية لتركيا، حيث يبلغ عدد السواح أكثر من ثلاثين مليونا، ويشكل الروس منهم ما يقارب الخمسة ملايين.

أما المستهدف الثاني وغير المباشر، المستهدف الحقيقي وبدون أدنى شك أيضًا، هو الثورة السورية والسوريون المتواجدون بتركيا. من خلال الضغط على تركيا لتغيير من موقفها الداعم لتطلعات الشعب السوري ومحاولة لجبرها للضغط على المواطنين السوريين المتواجدين على أراضيها.

تصريح رئيس الجمهورية التركي السيد رجب طيب أردوغان بعد الحادثة مباشرة بأن المنفذ هو سوري الجنسية ومن تنظيم داعش وربط ذلك بمحاولات روسيا تكوين دويلة علوية بالساحل السوري، يشير أيضًا إلى العلاقة القوية بين التفجيرات التي تتعرض لها تركيا، وما يخطط بسورية من محاولات لتقسيمها وتشكيل دويلات عرقية إثنية وطائفية تكون تركيا هي الخاسر الثاني في هذه المعادلة  بعد سوريا وشعبها.

فالمستهدف سورية وتركيا، والمستفيد هم أعداء الشعب السوري وأعداء تركيا، وأعداء الثورة السورية، وهم روسيا والنظام السوري وإيران.

المنفذ في مثل هذه التفجيرات ليس سوى أداة تستخدمها العقول المدبرة والدول العميقة وأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.

قد يكون للمنظمات الإرهابية التي تقوم بالتنفيذ أهداف قصيرة المدى وقد تكون مخترقة لا تدري ما تقوم به، وقد تكون فرصة لمحاولات البقاء وجلب الأنظار لها لكسب الأعضاء وغيره من الأهداف، لكن دائمًا ما تكون هناك أهداف بعيدة وعميقة تخطط لها مراكز ودول محترفة.

تعيش تركيا اليوم تجاه الأزمة السورية، وحدة وخيبة أمل من الأصدقاء والحلفاء وإخفاقات وفشل من المعارضة السورية على عدة مستويات.

فأقرب حلفاءها وهم الأمريكان ورغم كل تصريحاتهم الداعمة، يعملون على أرض الواقع على عكس ذلك. يدعمون حزب بي يي دي السوري الذي تعده تركيا الوجه الثاني لحزب العمال الكردستاني الذي تحاربه منذ أكثر من ثلاثين سنة.

تركيا تحارب قيام دويلة كردية على حدودها في سوريا ينما نجد أمريكا تلقي بالسلاح والعتاد تلك القوات.

وتعارض أمريكا فكرة المنطقة العازلة أو الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ سنيين.

دول الاتحاد الأوروبي ودورها المتذبذب والخافت تجاه ما تطالب به تركيا من إجراءات وحلول يمكن تطبيقها داخل سوريا. ولم تتحرك أوروبا منذ خمس سنين من عمر الأزمة السورية والمهجرين، إلا عندما وجد نفسها وقد تعرضت لعشرات الآلاف منهم فسارعت محاولة حبسهم وحجزهم في تركيا بعيدة عن أراضي الاتحاد الأوروبي.

المحور الروسي الإيراني العراقي مع النظام السوري الذي تشكل بعد احتلال روسيا لسوريا وبدأ يكشر عن أنيابه بشكل واضح بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية محاولًا الضغط على تركيا اقتصادًا ودبلوماسيًا، كما ظهر خلال الاحتجاج على التواجد العسكري التركي في معسكر بعشيقة.

وأخيرا إخفاقات المعارضة السورية وتشتتها، وكأن تركيا لا يكفيها ما حولها من أعداء وخصوم، حتى تجد نفسها أمام تشتت سوري على كثير من المستويات وخاصة المستوى العسكري.

كل هذه المعطيات والحقائق وارتفاع الأصوات المعارضة للسياسة الخارجية لتركية التي تدعو للتعامل ضمن معطيات الواقع والمعادلات الدولية، وخاصة بعد حوادث الإرهاب المتكررة وارتفاع وتيرة العمليات العسكرية في جنوب شرق تركيا وتأزم العلاقات التجارية مع روسيا، قد تجبر تركيا لاتخاذ قرارات ومواقف جديدة ضمن هذه الوقائع والتغيرات.

تركيا بلد له خبرة طويلة في محاربة الإرهاب ولها القدرة والمناعة على الخروج من هذه المنعطفات بأقل الخسائر.

وتركيا ستتخذ الإجراءات اللازمة- بل وبدأت بمعظمها- لحماية بيتها الداخلي وأمنها القومي، وهي تعرف ما يجب عليها القيام به، لأنها دولة مؤسسات ولديها مراكز استخبارات ودراسات وأبحاث ولا تبني قراراتها على ردود أفعال وارتجالية. ومما لا شك فيه أن هذه القرارات سيكون لها انعكاسها على الثورة السورية والمواطن السوري رغم محاولات تركيا عدم الوقوع فيما يريده العقل المدبر من وراء هذه التفجيرات، وتحاول الفصل بين الإرهاب وبين المواطن السوري الذي خذله القريب والبعيد.

لكن السؤال الأهم وخاصة بعد أن تبين أن المعتقلين كلهم من السوريين، هو: هل يعرف المستهدف الأول والحقيقي من هذه التفجيرات وهو الشعب السورية ومعارضته.

هل يعرفون ما يجب عليهم القيام به؟؟

وهل لديهم القدرة للقيام بذلك؟؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس