ترك برس

قال الكاتب والخبير السوري، بدر الدين عرودكي، إن التضامن الذي تقوم به تركيا مع حلفاء تلتقي معهم في الأهداف، كالمملكة العربية السعودية وقطر من أجل دعم المعارضة المسلحة في الداخل السوري، سلاح فعال في حربها ضد روسيا.

وأوضح الكاتب السوري في مقال له نشرته مجلة "العصر"، تحت عنوان "كيف أخضع التفاهم الروسي الأمريكي تركيا؟"، أن "الحرب بين تركيا وروسيا اتخذت وتتخذ صيغاً أخرى متعددة سلاحهما الأول التصريحات النارية. لكن السلاح الآخر الفعال يمكن أيضاً أن يتجلى في التضامن الذي تقوم به تركيا مع حلفاء تلتقي معهم في الأهداف، كالمملكة العربية السعودية وقطر من أجل دعم المعارضة المسلحة في الداخل السوري، ومحاولة الالتفاف على روسيا من خلال خصمها المباشر، أوكرانيا، فضلاً عن دعم خصومها، تماماً كما تفعل روسيا التي تبذل كل ما بوسعها من أجل استفزاز أنقرة، وخصوصا من خلال دعمها لمن تصنفهم تركيا ضمن الإرهابيين في سوريا مثل قوات الحماية الشعبية الكردية، وكذلك لمن هم في تركيا نفسها مثل حزب العمال الكردستاني".

أشار عرودكي إلى فشل مجلس في اتخاذ أي قرار رسمي في جلسته التي عقدت بناء على طلب روسيا مساء الثلاثاء 16 فبراير لبحث استهداف تركيا مواقع لحزب "الاتحاد الديمقراطي" في سوريا، مضيفًا أن "مندوب فنزويلا، رفائيل راميريز كارينو، رئيس الدورة الحالية، أعلن أمام الصحفيين بعد انتهاء الجلسة، أن "جميع أعضاء المجلس أعربوا عن القلق إزاء القصف التركي على بعض المناطق داخل سوريا"، وأن "أعضاء المجلس طالبوا تركيا بضرورة الامتثال للقانون الدولي". في حين قال أحد دبلوماسيي إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إن تصريحات رئيس المجلس "لا تعكس رؤية كافة أعضاء المجلس"، فيما نفى المندوب التركي اتخاذ مجلس الأمن "أي قرار يتعلق بتركيا والتطورات الجارية في شمال سوريا".

ولفت إلى أن الجلسة المذكورة "كانت، في الواقع، مجرد جلسة مغلقة أريد بها كما يبدو، في غياب أي قرار أو بيان رسمي صدر عنها، تخفيف حدّة التوتر بالكلمات! فالتصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك والسعوديين معلنة عن تدخل بري سعودي تركي استثارت تحذيرات مقابلة تنذر بالويل والثبور إن تحقق مثل هذا التدخل: ميدفيديف، رئيس الوزراء الروسي، الذي يعلن نذر "حرب عالمية جديدة وطويلة"، والعراق الذي يحرك حشوده الشعبية نحو الحدود السعودية، ووزارة الخارجية الروسية التي تشترط لأية عملية برية "موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة"، وإيران التي ترفض أي احتلال عسكري لسوريا معلنة في الوقت نفسه أنها لم ترسل إليها إلا حفنة من المستشارين (حفنة لا يقل عدد أفرادها مع ذلك حسب آخر الإحصائيات عن 1500 مستشار من ضباط الحرس الثوري الإيراني!)".

وبيّن أن "نذر أخطار حرب شاملة محتملة بين تركيا وروسيا تجلت واضحة إثر اتخاذ المؤتمرين في ميونيخ يوم الثاني عشر من الشهر الجاري قرار وقف إطلاق النار في سوريا. فالهجمات الشاملة التي قادتها روسيا بتغطية جوية كاملة، سواء التي نفذتها قوات النظام الأسدي أو الميليشيات متعددة الجنسيات تحت القيادة الإيرانية، كانت ترمي إلى تحقيق تقدم على الأرض تستطيع معه أن تفرض في الاجتماع القادم بجنيف رؤيتها لطبيعة ومآل الحل السياسي المنتظر في سوريا بعد القضاء على قوى المعارضة المسلحة في حلب وفي ريفها عن طريق محاصرتها وقطع كل الطرق التي تصلها بتركيا، والتي تسمح بتموينها فضلاً عن تسليحها".

وذهب إلى أن "ذلك كان يعني في الوقت نفسه تحقيق عدة أهداف معاً لا تقل في نظر موسكو أهمية عن الهدف الأول، ومنها: تبديد كل آمال تركيا في إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، ودفع عشرات الألوف من اللاجئين السوريين من ريف حلب نحو حدودها، ودعم "وحدات الحماية الشعبية" الكردية، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، بتنسيق مع ميليشيات النظام الأسدي التي جُنِّدَت لاحتلال مناطق الثوار في ريف حلب، وذلك لحرمان تركيا من أي إمكانية للتدخل أو للتأثير في الشأن السوري السياسي أو العسكري، وكان يعني ذلك، بطبيعة الحال، تهديداً مباشراً وخطيراً لما تعتبره أنقرة أمنها القومي. لذلك، لم تتأخر  أنقرة في الإعلان أنها ستحول بكل السبل دون وقوع مدينة "أعزاز" في قبضة "وحدات الحماية الشعبية" الكردية من ناحية، وعن البدء بقصف هذه القوات في الأماكن التي احتلتها، وخصوصا في تل رفعت من ناحية أخرى".

وتابع قائلًا: "ورغم كل ما ينذر بوقوعها، لا يمكن، من حيث المبدأ، أن تشتعل المواجهة العسكرية التقليدية بين تركيا وروسيا. يكفي للتثبت من ذلك بوضوح أن نتابع تسلسل مواقف وتحركات ومناورات كلٍّ من تركيا وروسيا منذ بداية بداية الثورة السورية.

فحين بدأ تدفق اللاجئين على الحدود التركية بعشرات الألوف ثم بمئاتها، كان أول ما تطلعت تركيا إلى تحقيقه هو إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا. لكن روسيا التي وقفت في خط الدفاع الأول عن النظام الأسدي منذ اللحظة الأولى، لم توافق على ذلك، ولم تكن بحاجة إلى أن تكون بالمرصاد للحيلولة دون إقامة تركيا هذه المنطقة العازلة، بصورة مباشرة وغير مباشرة، إذ تكفَّلَ حلف الناتو ومن ورائه إدارة أوباما بالقيام بتحقيق هذه المهمة.

وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تنسق شيئاً فشيئاً مع الولايات المتحدة الأمريكية سياستيهما إزاء النظام الأسدي ومسار الثورة السورية، وصولاً إلى حالة من التواطؤ، تبين فيما بعد أنه اتفاق شبه كامل بين البلدين على طبيعة الحل السياسي الذي فرضا كيفيته وإجراءاته، كانت تركيا وهي تراقب ذلك، تُواجه في كل خطوة تحاول القيام بها المقاومة الناعمة أو الرفض الدبلوماسي من قبل الإدارة الأمريكية ومن قبل حلفائها معاً.

ذلك أن الحفاظ على التوازن العسكري بين المعارضة المسلحة، بمختلف فصائلها، وبين النظام الأسدي مع ترجيح كفة هذا الأخير على الدوام للحيلولة دون سقوطه، هو ما أرادته هذه الإدارة وما التقت عليه واتفقت حوله مع روسيا بوتين.

ولعلَّ ما جعل المحاولة التركية في إقامة المنطقة العازلة أمرا مستحيلا، هو إسقاط الطيران التركي طائرة السوخوي الروسية ومن ثمَ تأزم العلاقات بين البلدين إثر ذلك على نحو غير مسبوق، جعل الحديثَ عن مواجهة أو حرب وشيكة الوقوع بين الطرفين شبه يومي.

هكذا، وانطلاقاً مما سبق، تبدو المقارنة التي أجرتها بعض الصحف بين قوى البلدين وحدهما على الصعيد العسكري، أي دون الحديث عن القوى الحليفة لكل منهما أو افتراض وجودها في أية مواجهة محتملة، غير واردة، وإن كانت تشير دون تردد إلى استحالة وقوع أية مواجهة عسكرية تقليدية بين البلدين نظراً للتباين الواسع بين قدراتهما".

وخلص إلى أن "تركيا، فتفعل هي الأخرى، من ناحيتها، كل ما بوسعها لا لاستيعاب هذا الاستفزاز فحسب بل لحماية أي خطوة تقوم بها، في مجال ما تعتبره أمنها القومي، من رد فعل عنيف يؤدي حينئذ إلى مواجهة لا قبل للطرفين على كل حال بتلافيها. على هذا النحو مثلاً تم التخفيف من حدّة الإعلان عن التدخل البري السعودي التركي في سوريا حين وضع في إطار التحالف الدولي وضمن خطته، أي ضمن الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة على أعضاء التحالف سياسة ومساراً وهدفاً، وهو ما لن يستجيب  للتطلعات التركية بقدر ما سيعمل على تكييفها مع الحل الأمريكي الروسي المنتظر وضعه موضع التنفيذ بإشراف روسي مباشر في مؤتمر جنيف الذي تمَّ تأجيله قبل بدء أعماله من أجل هذا التكييف بالذات، والذي لا يتعلق بتركيا هذه المرة، وفقط، بل يرتبط كذلك فيما يبدو بالسعودية التي احتضنت مؤتمر المعارضة السورية من أجل المفاوضات حول هذا الحل على وجه الدقة".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!