ترك برس

الصدر الأعظم هو منصب رئيس الوزراء في الدولة العثمانية. وقد كان يُعد الصدر الأعظم من أعلى المناصب السياسية والإدارية داخل الدولة العثمانية بعد السلطان، حيث كان يملك الصدر الأعظم ختم السلطنة إلى جانب السلطان، وكانت سلطة تعيينه وعزله حق للسلطان فقط.

لم تؤكد الوثائق التاريخية التاريخ الأصلي لظهور منصب الصدر الأعظم في الحياة السياسية، ولكنها تورد أن ظهوره تزامن مع تأسيس الدولة العثمانية عام 1299. ومن الشخصيات التي شغلت منصب الصدر الأعظم داخل الدولة العثمانية "محمد سعيد باشا" الذي عمل إلى جانب السلطان "عبد الحميد الثاني"، ورافقه في كفاحه ومسيرته السياسية.

ميلاده

وُلد الصدر الأعظم محمد سعيد باشا عام 1838 في مدينة "أرضروم" الواقعة شرق الأناضول. وتعود أصوله إلى مدينة أنقرة، ولكن والده "علي نامق أفندي" كان يعمل في وزارة الخارجية، وقد تم إرساله إلى مدينة أرضروم في إطار وظيفته، وشاء القدر أن يُولد محمد سعيد باشا في أرضروم.

تحصيله العلمي

التحق محمد سعيد باشا بمدارس أرضروم لتلقي العلوم الدينية والدنيوية، ولم يتمكن من الاستمرار في مدارسها، لانتهاء وظيفة والده وعودته إلى إسطنبول، حيث التحق بمدارس إسطنبول وداوم على دراسته. تعلم محمد سعيد الفرنسية، وتمكن بذكائه من الالتحاق في صف "القلمية"، وهو صف الموظفين الإداريين التابعين للدولة العثمانية، وعمل، في البداية، موظفًا بسيطًا.

مشواره السياسي

بدأ محمد سعيد باشا مشواره السياسي، عام 1853، من خلال العمل في قسم السجلات في أرضروم، وفي عام 1857 انتقل إلى إسطنبول ليعمل في قسم السجلات الخاص بـ"السيفية"، وهو قسم الموظفين العسكريين التابعين للدولة العثمانية.

بعد فترة من الزمن، داست أقدام محمد سعيد باشا تراب قصر الباب العالي لأول مرة، من خلال نقله إلى القصر ليعمل كاتبًا للخليفة، ولم يمضِ الكثير حتى خرج من القصر، ليتم تعيينه رئيسًا لبلدية جزر إسطنبول، ومن ثم انتقل إلى هيئة التفتيش العليا.

وبينما كان محمد سعيد باشا على رأس عمله كموظف في الدولة، كرس نفسه أيضًا لتأليف أول كتبه السياسية بعنوان "وثيقة الإدارة العامة للمدن"، الذي تناول فيه السُبل الناجعة لإدارة المدن داخل الدول، وكان هذا الكتاب هو نقطة التحول المفصلية في حياة محمد سعيد باشا، حيث أثار الكتاب الإعجاب الشديد للصدر الأعظم آنذاك علي باشا الذي أثنى على محمد سعيد باشا، وعيّنه كاتبًا أول في وزارة المعارف "التربية والتعليم".

ولم يمكث محمد سعيد باشا طويلًا في وزارة المعارف، حيث ما لبث أن وقع عليه الاختيار ليكون الكاتب الأول للسلطان عبد الحميد الثاني، وبذلك عاد إلى أروقة القصر من جديد، وذلك في الأول من أيلول/ سبتمبر 1876.

نالت الحنكة السياسية لمحمد سعيد باشا إعجاب السلطان عبد الحميد الثاني، واستفاد منه السلطان من خلال استشارته في الكثير من أمور الدولة، ورغم أن الوظيفة الرسمية لمحمد سعيد باشا كانت تحد من تدخله في هذه الأمور، إلا أن السلطان عبد الحميد الثاني لم يكترث لمنصبه وحرص على الانتفاع من المعرفة التي يمتلكها.

وجد عبد الحميد الثاني من محمد سعيد باشا محل ثقة فعمل معه على عزل وزراء الدولة الفاسدين الذين يعملون لصالح الجهات الأجنبية المتربصة بالدولة العثمانية ووحدتها، فقرر عام 1877 رفع رتبته إلى وزير استشاري، وكان هذا المنصب أول منصب سياسي رسمي في حياة محمد سعيد باشا.

أثبت محمد سعيد باشا للسلطان عبد الحميد الثاني جدارته، من خلال قيامه بإبعاد بعض المعارضين له عن القصر، ومساندته له في نفي مدحت باشا الذي تدور شبهات حول تورطه في قتل السلطان عبد العزيز عم السلطان عبد الحميد الثاني، والذي عُرف بسيطرته الواسعة على الدولة العثمانية وولائه للدول الغربية.

ما لبث محمد سعيد باشا في مقامه كوزير استشاري حتى أصبح وزير الخزينة الخاصة، وفي عام 1878 تم تعيينه وزيرًا للداخلية، وفي نفس العام عُيّن رئيسًا لمجلس العيان "البرلمان العثماني". وبعد 6 شهور عُيّن وزيرًا للعدالة في حكومة خير الدين باشا، وخلال عمله في هذا المنصب؛ أحدث إصلاحات جذرية في القانون العثماني، حيث أدخل قانون التجارة والعقوبات المدني إلى دستور الدولة العثمانية.

كان يهدف السلطان عبد الحميد الثاني إلى إلغاء الدستور والبرلمان وإعادة السلطة المطلقة إلى القصر، لكي يتمكن من صد الاعتداءات الروسية والانقلابات البلقانية بحرية ودون عوائق، فلم يجد حلًا لمشكلته سوى محمد سعيد باشا، فعيّنه في منصب الصدر الأعظم بتاريخ 18 نوفمبر 1879، ولم يمر الكثير حتى تمكن محمد سعيد باشا من نفي المدافعين بشدة عن البرلمان، وبذلك أفسح المجال أمام السلطان عبد الحميد الثاني لتعطيله.

وفاته

تم عزل وتعيين محمد سعيد باشا كصدر أعظم 8 مرات، ولكنه استمر في منصبه كصدر أعظم حتى وفاته المنية في الأول من مارس 1914.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!