ترك برس

الطاقة هي شريان حياة أساسي تقوم عليه دول العالم، خاصة الدول الصناعية، وذلك لما تمثله من أهمية حيوية في تقديم عدد من الخدمات الأساسية لتلك الدول، مثل إنتاج الكهرباء، وتحريك العملية الصناعية والزراعية، وتوفير التدفئة للبيوت، وغيرها من الخدمات التي لا يمكن الاستغناء عنها.

وتُصنف الدول في العمليات التجارية إلى دول مستوردة وأخرى مصدرة، وتربط بينها علاقات متبادلة محاطة بمسؤولية نابعة عن وثائق وأعراف القانون الدولي.

ويُلاحظ أن العلاقات التجارية المتبادلة بين الدول، قد تصل إلى مرحلة ترابط راسخة ترغم الدول على الاتجاه نحو الحل السياسي الدبلوماسي لحل الخلافات الحاصلة بينها، حتى ولو وصلت هذه الخلفات إلى عتبة الحرب.

وفي إطار تعقيبه على مستوى تأثير الطاقة على العلاقات بين الدول، يُشير الخبير الاقتصادي "أردال تاناس كاراغول"، الباحث الاقتصادي في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"، إلى أن العلاقة التجارية للطاقة انقلبت لصالح الدول المستوردة مؤخرًا، لا سيما عقب انخفاض أسعار النفط، وتوقع انخفاض أسعار الغاز الطبيعي أيضًا، حيث أصبحت الدول المصدرة بحاجة إلى رفع حجم صادراتها لتعويض الخسائر الناتجة عن تضاؤل الأسعار، وبذلك باتت بحاجة للدول المستوردة، لإقناعها باستيراد هذه الكميات.

ويبيّن كاراغول، في مقاله "البدائل الاقتصادية للطاقة أصبحت متاحة للجميع" المنشور في صحيفة "يني شفق"، أن تدني حجم الإنتاج التكنولوجي أحدث انخفاضًا ملحوظًا في حجم الطلب العام على النفط، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط.

ويُنوّه كاراغول إلى أن كل هذه التحولات الجارية في سوق النفط صبت في صالح الدول المستوردة ومن ضمنها تركيا التي توقع الكل مواجهتها لأزمة طاقة بعد عدة شهور، نتيجة لتدهور علاقتها السياسية بشكل حاد مع روسيا، عشية إسقاطها للطائرة الروسية التي اخترقت أجوائها، ولكن التطورات أظهرت عكس ذلك، حيث لا يمكن لروسيا، إطلاقًا، منع الغاز عن تركيا إلا في حالة الحرب، حسب اتفاقية الغاز المبرمة بين الطرفين، كما أن انخفاض أسعار النفط والغاز أجبر بعض الدول على ضخ المزيد من كميات الغاز إلى السوق، ووجدت تركيا فرصة ذهبية للاستفادة من هذه الكميات رخيصة الثمن.

ووفقًا لتقييم كاراغول، فإن الأزمة التركية ـ الروسية التي دفعت تركيا إلى تنويع علاقتها الاقتصادية المتعلقة بالطاقة، تُعد إيجابية أكثر من كونها سلبية، مؤكدًا على أن هذه الأزمة جاءت كمنبه لتركيا في التوقيت المناسب، حيث يعرض الكل موارده من الطاقة على السوق بكميات هائلة، وهذا ما وفّر لتركيا مصادر متعددة جعلتها غير عاجزة عن إيجاد بدائل مهمة لمصادر الطاقة من عدة دول، ومكنها من تجاوز الأزمة مع روسيا وما تبعها من استفزازات روسية، بأمان وسلام، من ناحية اقتصادية.

وتأكيدًا لتحليل كاراغول، فإن تركيا بالفعل وجدت الكثير من الشركاء حول العالم، الذين أبدوا نية جادة لتزويدها بكافة حوائجها من النفط والغاز الطبيعي، وهذا ما أوضحته صحيفة صباح، في تقريرها "البحث عن بدائل للطاقة"، حيث أشارت إلى أن تركيا منذ اندلاع فتيل الأزمة بينها وبين روسيا، وهي تعمل بجهد كبير لتوفير أكبر قدر ممكن من البدائل الاقتصادية التي تجنبها أي أزمة في مجال الطاقة، منوّهةً إلى أن زيارة رئيس الوزرء التركي "أحمد داوغو أوغلو" لأذربيجان عقب توليه رئاسة الحكومة، لم تكن اعتيادية كما في المرات السابقة، حيث يبدأ رئيس الحكومة التركية جولاته الخارجية بزيارة أذربيجان ومن ثم قبرص، بل كانت زيارة اقتصادية بحتة، خيم عليها قضية مشروع "تاناب" الذي يُخطط لاستخدامه في عملية نقل الغاز الأذربيجاني من تركيا ومنها إلى أوروبا، حيث أكّد داود أوغلو على ضرورة تسريع إنهاء المشروع قبل تاريخه المحدد، فاتفق الطرفان على تقديم تاريخ انتهائه إلى عام 2018.

وتلمح الصحيفة إلى أن تركيا طالبت الجزائر، عبر سفيرها، بتزويد تركيا بكميات طاقة أكبر من الكميات الحالية، مبينةً أن الجزائر قابلت هذا الطلب بصدر رحب وعبرت عن استعدادها لتزويد تركيا بكميات طاقة كافية.

وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الأخيرة لقطر، التي تمت في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر 2015، تمخض عنها توقيع 16 اتفاقية استراتيجية، من ضمنها اتفاقية خاصة بتزويد قطر لتركيا بكميات ضخمة من الغاز المُسال عبر مشروع "بوتاش".

بهذه المصادر وغيرها، يتضح أن تركيا غير عاجزة، إطلاقًا، عن توفير بدائل لمصادر الطاقة، خاصة في ظل متانة العلاقات السياسية الاستراتيجية مع بعض الدول، وحاجة الدول الأخرى إلى إقبال الدول المستوردة على استهلاك المزيد من الطاقة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!