نوري أليبول – صحيفة تركيا – ترجمة وتحرير ترك برس

هل يتابع الذين كانوا ينتقدون سياسات تركيا الشرق أوسطية ما يجري الأن في أزقة الأمم المتحدة؟

هل يتابع هؤلاء الذين كانوا ينزعجون من رفض تركيا لسياسات المالكي والأسد جلسات مجلس الأمن الأن؟

إذا كانوا يتابعون بالفعل، هل يلاحظون كيف أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وإلى جانبهما الدول الخليجية يتبنون سياسة تركيا حيال الأزمة السورية والعراقية ويعترفون بصواب الرؤية التركية للأزمة في الشرق الأوسط؟

لقد حملت سياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي العراق إلى هاوية الانقسام. حيث كانت هذه السياسات سببا رئيسيا في ازدياد قوة داعش وانتشارها وتضخم شعبيتها في العراق.

من ناحية أخرى فإن تهاون الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع المدني مع ممارسات الأسد والتباطؤ في تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية المسلحة، أدى إلى ظهور فراغ سياسي في سوريا. وبالتالي قامت تنظيم داعش بملئ هذا الفراغ.

عملت تركيا جاهدة منذ اليوم الأول للأحداث الدامية في سوريا على إنهاء المجازر المرتكبة من قبل القوات الأسدية بحق الشعب السوري. حيث أن الجهود التركية وصلت إلى حد التوسل إلى الولايات المتحدة والدول الغربية من أجل إيقاف نزيف الدم في سوريا. لكن الولايات المتحدة غضت النظر عن مجازر الأسد وممارساته بحجة الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن.

الذين قاموا بحملة عسكرية ضد ليبيا لم يقيموا للفيتو الروسي أي وزن. أما في سوريا فقد اختلف الأمر، حيث بنت هذه الدول سياساتها في التعامل مع القضية السورية من منطلق الحفاظ على بقاء إسرائيل. وذلك تخوفا من سيطرة الإخوان المسلمين الذين يشكلون خطرا على أمن إسرائيل على السلطة في سوريا في حال رحيل الأسد عنها. فلذلك تهاونت القوى العظمى في العالم مع ممارسات الأسد الذي قتل المئات وشرد الملايين من بيوتهم وأراضيهم.

تركيا بدورها سعت ولعدة مرات لنقل هذه القضية الإنسانية إلى أروقة مجلس الأمن. لكنها لم تجد أذانا صاغية. لقد ظل العالم متفرجا على ما يحصل في سوريا من مجازر إلى أن قامت داعش بالسيطرة على بعض المواقع البترولية الهامة وبقطع رأس الصحفيين الأمريكيين. حينها هب الجميع لتشكيل تحالف دولي للقضاء على على هذا التنظيم.

أتفق مع الجميع أن داعش منظمة إرهابية وترتكب فظاعات بحق المدنيين. لكنّني أتساءل عن الفرق بين هذا التنظيم وبين نظام الأسد الذي شرد الملايين وقتل الألاف دون رحمة. لماذا لا تشعر هذه الدول بضرورة إنشاء تحالف من أجل الوقوف في وجه نظام الأسد؟

ألا يوجد تشابه كبير بين ممارسات داعش و ممارسات الحكومة الإسرائيلية التي جعلت من غزة سجنا مفتوحا وقتلت الكثير من أهلها، كما دمرت مئات المنازل فيها؟

هل يمكن لهذا التحالف أن يقضي على تنظيم الدولة قبل إزالة نظام بشار الأسد في سوريا؟

إن سياسة تركيا المتبعة حيال الأزمة السورية والعراقية مبنية على أسس أخلاقية ووجدانية. فنحن من فتح الباب أمام 60 ألف من إخواننا الاكرد و30 ألف من اليزيديين الهاربين من بطش الدولة الإسلامية. كما أننا رحبنا بما يزيد عن المليون ونصف لاجئ سوري في أراضينا وما زلنا نرحب بالقادمين الجدد.

على الرغم من ظهور بعض النتائج السلبية لهؤلاء اللاجئين على الصعيد المادي والاجتماعي، إلا أن ضمائرنا كانت ستؤنبنا لو تركناهم تحت وابل القصف الهمجي لنظام الأسد. فلقد فتحنا أبوابنا للجميع من دون أن نميز بين عربي أو كردي أو يزيدي أو تركماني.

لقد ظهرت ثمار السياسة الخارجية التركية التي اتسمت بالوجدانية والأخلاقية في الشرق الأوسط وأفريقيا، عندما تم تحرير الرهائن من يد تنظيم داعش. فقد رأينا تضامن العشائر وأصحاب الرأي العراقيين مع الرهائن الأتراك. كما شاهدنا بأعيننا الضغط الذي مارسوه على هذا التنظيم من أجل إخلاء سبيل هؤلاء المحتجزين. إنهم بمواقفهم هذه، إنما عبروا عن وفاءهم للسياسة التركية الخارجية.

إن دولة إستطاعت أن تستعيد مواطنيها من براثن تنظيم دموي مثل داعش من دون أن يلحق بهم أي أذى، وفي منطقة مضطربة مثل منطقة الشرق الأوسط وفي ظل هذه الظروف، تستحق أن تكون دولة عظمى وهي كذلك.

لقد نالت عملية تحرير الرهائن إعجاب العالم بأسره. إنها عملية للاستخبارات خارج حدود البلاد. وهي تعتبر نجاحا للسياسة التركية في الخارج.

من البدهي جدا أن يقوم الصحفيون بالاستفسار والتساؤل. فهذا الشيء من طبيعة عملنا كصحفيين. لكن المهم في الأمر هو أبعاد ومقاصد هذه التساؤلات والاستفسارات.

لقد اطلعت على ما نشر بالأمس في الصحف والمجلات حول موضوع إنقاذ الرهائن. فرأيت أن بعض زملائنا حاول أن يصل إلى تفاصيل العملية الاستخباراتية التي تم من خلالها إنقاذ مواطنينا. فهذا شيئ خاطئ ويلحق الضرر بالذين أشرفوا على سير العملية وبالأشخاص الذين شاركوا في عملية إنقاذ الرهائن.

إن مثل هذه الكتابات والمنشورات تضر بالعمليات التي ستجريها أجهزة الاستخبارات في المستقبل. يجب علينا أن لا نخلط العمل المهني بتقديم معلومات لأجهزة استخباراتية أخرى. فالصحفي عندما يكشف بعض المعلومات السرية، يعتقد أنه يقوم بواجبه المهني كصحفي باحث. لكنه ينسى أنه يقدم معلومات ربما تخدم مصالح أجهزة استخباراتية أخرى من دون أن يدري.

أعتقد أن عملية تحرير الرهائن كانت واضحة جدا. فقد استخدمت تركيا من أجل إنقاذ المحتجزين نفوذها في المنطقة واعتمدت على علاقاتها الحسنة مع بعض الجهات الفاعلة في هذا الإقليم. فلم يتم دفع الفدية، كما لم يتم قبول أي شرط مقابل إطلاق سراح المختطفين. وابتعدت  تركيا عن أي خطوة من شأنها أن تلحق الضرر بالرهائن.

لقد وصلت تركيا إلى المراحل النهائية لإنقاذ الرهائن عدة مرات. لكن حالة الحرب والاضطرابات في تلك المناطق حالت دون تنفيذ عملية التحرير وتم تأجيل إطلاق سراح المختطفين عدة مرات.

إن الذين شعروا بخيبة أمل جراء النجاح في إنقاذ الرهائن لا يمكن أن يكونوا أصدقاء لهذا البلد.

أذكر حلفاءنا من الأمريكيين والدول الغربية بأن التخلص من خطر داعش إنما يتم بالقضاء على الأسد أولا.

عن الكاتب

نوري أليبول

كاتب في صحيفة تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس