مروة شبنم أوروتش - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

وصفت الأمم المتحدة الوضع العالمي الراهن بأنه أكبر أزمة إنسانية في حياتنا. ووفقا للإحصاءات، فإن العالم يواجه أعلى مستوى من المعاناة الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وهناك أكثر من 125 مليون شخص من جميع أنحاء العالم في حاجة للحماية والمساعدات الإنسانية، ومع ذلك فإن النظام العالمي الجديد الذي كان من المفترض أن يمنع الأزمات، لكنه لم يكن نظاما إنسانيا بما فيه الكفاية، انهار تماما.

اجتمع قادة العالم والساسة في المؤتمر الأول للقمة الإنسانية العالمية الذي يعقد لأول مرة في تاريخ الأمم المتحدة، في 23-24 أيار/ مايو. وكان مخيبا للآمال أنه لم يحضر القمة أي من قادة الدول الصناعية السبع الكبرى، باستثناء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو من قادة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. وقد انتقد كثيرون غياب ممثلين عن أقوى دول العالم، ومن بين المنتقدين بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة. وقد رأينا محاولات بعض الجهات لتشويه القمة زاعمة أنه مجرد فرصة لالتقاط الصور لن تحقق شيئا. وإذا رفض أقوى زعماء العالم حضور مثل هذه المبادرات، فكيف سيعيد العالم هيكلة الاستجابة للأزمات الإنسانية؟

كان رمزيا اختيار إسطنبول أكبر مدينة في تركيا لاستضافة القمة الإنسانية الأولى من نوعها. تستضيف تركيا أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري وعراقي تجنبوا البلدان المجاورة في يأس شديد، بينما اعتمدت السياسة الخارجية التركية على المبادئ الإنسانية لأكثر من عشر سنوات. ووفقا للتقرير العالمي للمساعدات الإنسانية، فإن تركيا ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن من حيث الناتج المحلي الإجمالي فإنها البلد المانح الأكثر سخاء في العالم. وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته خلال القمة أن بلده لن تغلق أبوابها في وجه المحتاجين بغض النظر عن هوياتهم، ملمحا إلى أن جهود تركيا التي لا تعرف الكلل لن تتوقف.

وعلى حين زادت تركيا جهودها ومساعداتها الإنسانية، فإنها مرت بفترة صعبة بالفعل في السنوات الأخيرة. أردوغان الذي كان ينظر إلىيه بوصفه زعيما لبلد يمثل نموذجا للدول الإسلامية في الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، صار نموذجا للديكتاتورية في نظر وسائل الإعلام الدولية، ومن المثير للدهشة أن ذلك حدث في عام 2013 عندما قررت واشنطون تغيير سياستها في الشرق الأوسط، وتحديدا تجاه سوريا التي مزقتها الحرب.

واجهت أنقرة ضغوطا هائلة من حلفائها الغربيين، لأنها لا تدير ظهرها للمحتاجين في البلدان المجاورة لها من أجل التوازن والنظام العالمي الجديد. وتحولت الضغوط التي رافقتها الدعاية إلى تحديات في بعض النقاط. تصرفت بعض القوى الغربية كما لو كان لديها الحق في التدخل في الشؤون الداخلية التركية، وهددت تركيا بعدة طرق من بينها مزاعم لا أساس لها وادعاءات كاذبة. إحدى هذه المزاعم كانت ظالمة وعدوانية وسخيفة، وهي الزعم بأن تركيا تدعم داعش الجماعة الإرهابية التي نفذت هجمات إرهابية في تركيا، وعلى الحدود التركية السورية. وفي الوقت نفسه وفر الغرب، ولاسيما الاتحاد الأوروبي ملاذا آمنا لحزب العمال الكردستاني، المدرج ضمن المنظمات الإرهابية، والذي صعد العنف وهجماته الإرهابية الدامية في تركيا العام الماضي. ودعونا لا ننسى الدعم الغربي لتنظيم الكيان الموازي الإرهابي الذي يرأسه فتح الله جولن الذي يعيش في منفاه الاختياري في الولايات المتحدة. ولا يزال التنظيم الموازي واحدا من أكبر الأخطار التي تهدد تركيا، حيث حاول الإطاحة بالحكومة المنتحبة، ثم الإطاحة بأردوغان عندما كان رئيسا للوزراء في عامي 2013-2014.

تعتقد الغالبية العظمة من الشعب التركي أن تركيا بوصفها دولة وأردوغان بوصفه رئيسا لها، صارا هدفا بسبب انتقاد أردوغان للنظام العالمي الظالم. أردوغان هو الزعيم الذي لم يكل أبدا عن القول بأن هناك حاجة لإعادة النظر في النظام العالمي الحالي الذي فشل في مساعدة من يعانون من البشر، ويقول إن هيكل النظام العالمي هو سبب فشله. وكرر أردوغان عبارته الشهيرة خلال مؤتمر القمة الإنسانية العالمية "العالم أكبر من خمس دول" منتقدا بقوة حق النقض للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن.

أتفق أنا أيضا مع المواطنين الأتراك في أن القوى العالمية تحاول الإطاحة بأردوغان لأنه تحدى علنا وبوضوح النظام العالمي الظالم غير المتوازن . وقد صادق أردوغان خلال استضافته القمة العالمية الإنسانية، على الحكومة التركية التي ستدفع نحو إصلاحات دستورية جديدة لتحويل البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يحرر الرئيس من الضغوط الخارجية والتحديات الداخلية البيروقراطية. وكما يقال ما لا يقتلك يجعلك أقوى، فإن أردوغان الذي لم يتمكن من الإطاحة به يزداد قوة، وسوف نرى كيف يمكن أن ينعكس ذلك على معركته ضد النظام العالمي الجائر.

عن الكاتب

مروة شبنم أوروتش

كاتبة في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس