د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس

 تعتبر ظاهرة هجرة الكفاءات العلمية العربية وخبراتها الفنية إلى الخارج واحدة من أخطر ما تعاني منه الدول العربية منذ وقت طويل، لكن هذه الظاهرة تضاعفت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب الأوضاع الأمنية التي تعاني منها أغلب الدول العربية.

أغلب أصحاب هذه الكفاءات لجؤوا إلى تركيا خلال السنوات الأخيرة بحكم موقف الحكومة التركية من القضايا العربية وتبنيها لقضايا الشعوب العربية خاصة في الدول التي شهدت ثورات ضد الأنظمة الدكتاتورية. لكن ما لبثت أن بدأت نسبة كبيرة من هذه الكفاءات بمغادرة تركيا والهجرة إلى أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي دفع بعض مراكز الأبحاث والدراسات التركية إلى دق ناقوس الخطر لتنبيه الحكومة التركية إلى خطورة هذه الظاهرة على تركيا وعلى البلدان الأصلية لهذه الكفاءات.

في هذا السياق نظم مركز أبحاث البحر الأبيض المتوسط التابع لجامعة "إسطنبول ميدي بول" في الثامن والعشرين من شهر أيار/ مايو 2016 ورشة عمل حول المشاكل والحلول المقترحة المتعلقة بالأكاديميين العرب المقيمين في تركيا بحضور حوالي 50 شخصية أكاديمية من (سوريا – العراق – اليمن – مصر – ليبيا – فلسطين)، إضافة إلى عدد من الأكاديميين الأتراك من جامعتي إسطنبول ميدي بول وسليمان ديميريل في اسبارطة .

استمرت الورشة لعدة ساعات بحضور الدكتور "عمر فاروق كوركماز"  كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي والأستاذ الدكتور "صباح الدين آيدن" رئيس جامعة إسطنبول ميدي بول، والدكتور "بكير بيرات أوزاباك" رئيس قسم العلوم السياسية والإدارة العامة في جامعة ميدي بول، وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة سليمان ديميريل والأمين العام للجامعة، والدكتور "أسامة الحموي" رئيس رابطة الأكاديميين العرب في تركيا وعدد من أعضاء الرابطة، وأكاديميون مستقلون.

تم خلال الجلسة الأولى من الورشة الحديث عن المشاكل والتحديات الناتجة عن مغادرة البلد والجامعة وأهم المشاكل التي يعاني منها الأكاديميين العرب المقيمين في تركيا ابتداءً من صعوبات التنقل بين المحافظات التركية أو بين الحدود والإقامات والوثائق الرسمية وانتهاءً بالترفيعات الأكاديمية للذين يعملون حاليا في بعض الجامعات في تركيا في مجالي الشريعة الإسلامية واللغة العربية، مروراً بالصعوبات القانونية التي تعيق توظيف الأكاديميين العرب بشكل عام والسوريين بشكل خاص في الجامعات التركية والآثار السلبية التي ستترتب على هجرة هؤلاء الأكاديميين إلى الدول الأوروبية بسبب عدم الاهتمام بمشاكلهم من قبل الحكومة التركية.

أما الجلسة الثانية فركزت على الحلول المقترحة لهذه المشاكل وكيفية التغلب عليها، حيث قدم الأكاديميون العرب مجموعة من الاقتراحات التي من شأنها أن تسهم في حل مشاكلهم خاصةً وأن عددهم ناهز الألف أكاديمي من مختلف التخصصات والدرجات العلمية. ومن ضمن الاقتراحات التي تم تقديمها:

1. ضرورة الاستفادة من الخبرات الأكاديمية خاصة السورية في مجال التدريس في الجامعات الحكومية والخاصة، أو في مراكز البحوث العلمية والدراسات، إلى جانب العمل كمستشارين أو متعاقدين مع الوزارات والبلديات والدوائر الحكومية الأخرى.

2. تفعيل برنامج التدريس باللغة العربية في الجامعات التركية وتوسيعه بشكل أكبر ليشمل أكبر عدد من الطلاب والأكاديميين.

3. تفعيل برنامج "الأستاذ الزائر" في الجامعات التركية الحكومية والخاصة لاستيعاب عدد من الأكاديميين العرب للاطلاع بشكل مباشر على سير العملية التعليمية والقوانين التي تنظم العمل في الجامعات التركية وهيئة التعليم العالي (اليوك).

4. تبني الجامعات التركية الحكومية على وجه الخصوص لمجموعة من الأكاديميين لمدة سنة أو سنتين لتحضيرهم للانخراط في الوسط الأكاديمي واخضاعهم لدورات تعليم اللغة التركية من شأنها تأهيلهم للتدريس باللغة التركية في نهاية المطاف.

5. إنشاء صندوق لمساعدة الأكاديميين العرب العاطلين عن العمل.

6. معالجة بعض المشاكل القانونية التي تعترض الأكاديميين العرب خاصة فيما يتعلق بالإقامات والتنقل وغيرها بالتعاون مع إدارة الهجرة التركية ومنحهم أذون عمل من هيئة التعليم العالي (اليوك).

7. تسهيل حصول الأكاديميين العرب على الجنسية التركية لمساعدتهم في التغلب على المشاكل القانونية التي تعترضهم والانخراط في سوق العمل.

8. تسهيل فتح فروع للجامعات العربية في تركيا لاستيعاب الطلاب والأكاديميين العرب على حد سواء.

وشدد جميع الحضور على خطورة هجرة العقول العربية إلى أوروبا والدول الغربية وتداعياتها المستقبلية على بلدانهم ودعوا تركيا للاستفادة من هذه الخبرات التي شاء القدر أن تستقر في تركيا، وضرورة التعاطي بشكل جدي مع المشاكل التي تواجههم وعوائلهم والإسراع في حلها بالسرعة القصوى والتصدي لهذه المشاكل من أعلى المستويات في الجمهورية التركية.

وفي نهاية الورشة وعد مستشار رئيس الوزراء برفع المشاكل والاقتراحات لرئاسة الحكومة التركية لدراستها بالتعاون مع هيئة التعليم العالي، كما وعد رئيس جامعة ميدي بول بفتح فروع تُدرّس باللغة العربية خلال العام الدراسي المقبل للمساهمة في حل المشاكل التي يعاني منها الطلاب والأكاديميين العرب الموجودين في تركيا وطالب الجامعات التركية الأخرى أن تحذو حذو جامعته.

أخيرا، نقول إن هناك فرصة ذهبية أمام الحكومة التركية للاستفادة من الخبرات الكبيرة والمتنوعة التي يحملها الأكاديميون العرب في تركيا وتوظيفها واستثماراها بما يعود بالفائدة لصالح الدولة والشعب التركي، خاصة وأن أغلب هؤلاء يفضلون البقاء في تركيا على الهجرة إلى أوروبا رغم الإغراءات التي تقدم لهم هناك وذلك لأسباب اجتماعية ودينية وغيرها... إلى جانب ذلك يتوجب على تركيا مسؤولية إنسانية وأخلاقية أمام هؤلاء للحفاظ على حياتهم وتأمين الحد الأدنى الذي يكفل لهم معيشة كريمة تليق بما بذلوه من جهود وما اكتسبوه من خبرات في حياتهم خلال وجودهم في بلدنهم. وإلا فنحن مقبلون على مرحلة سيتم خلالها استنزاف ثروة بشرية لا تقدر بثمن، إضافة إلى خسائر مادية للدول والشعوب العربية وفقدان العوامل الضرورية للنهوض بتنميتها خلال المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. وسام الدين العكلة

دكتوراه في القانون الدولي العام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس