
ترك برس
وضع بعض الخبراء السياسيين والاقتصاديين عمليات الانقلاب في تركيا في سياق تاريخي، فمنذ عام 1960 وحتى يومنا هذا، يتولى حزب مدني الحكم وحينما يتمكن من تحقيق نجاح اقتصادي واجتماعي يظل على سدة الحكم 10 أعوام ونيف، فتتهمه المعارضة بالدكتاتورية، وتبدأ سياسة الاستقطاب الحادة تظهر على السطح بين الحزب الحاكم والمعارضة، مما يؤدي إلى تدهور في النظام الاقتصادي، للانشغال بالخلافات الداخلية على حساب النظام الاقتصادي، الأمر الذي يصيب العامة بالضجر الاجتماعي الناتج عن الهبوط الاقتصادي، مما يدفع الجيش للقيام بانقلاب عسكري، بذريعة محاولة رأب الصدع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد، وهكذا تدور العجلة في تركيا منذ عام 1960 وحتى الأيام الأخيرة.
وفي هذا سياق، يقول الخبير السياسي "غوركين زنجين" إن "المشكلة الجذرية التي تعاني منها تركيا، ليست المشاكل السياسية والاقتصادية، بل المشكلة الجذرية الحقيقية هي مشكلة "مرض الانقلاب" التي أصابت الجيش التركي منذ تأسيس الجمهورية وحتى يومنا هذا."
ويضيف زنجين أن الروح الانقلابية للجيش التركي كلفت تركيا الكثير، ومن ينكر ذلك فهو خارج إطار العقلانية، إذ لا يمكن إنكار أن الجيش المنقلب على حريات شعبه ومكتسباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال سحقهم بالدبابات وإصابتهم بالرصاص وقصفهم بالطائرات، هو يعمل لصالح الشعب التركي.
ووفقًا لتقديرات زنجين، فإن الإجابة البسيطة التي يتداولها بعض المحللين بالقول إن السبب الرئيسي وراء عملية الانقلاب الأخيرة هي جماعة الخدمة أو منظمة فتح الله غولن، غير كافية ومن يقولها غير مقتنع بها أصلًا.
وحسب زنجين، فإن السبب الرئيسي لمحاولة الانقلاب الأخيرة التي شملت أكثر من نصف الجيش، هي عدوى غُرست بالجيش التركي؛ بعد أن أقنعه البعض بأنه حامي مبادئ الجمهورية التركية العلمانية الديمقراطية، وبناءً على ذلك يتحرك ليجهض العملية الديمقراطية كل ما يحلو له، فتحرك عام 1960 ومن ثم عام 1971 ومن ثم 1980 ولم يتورع عن التحرك عام 1997، وحاول الانقضاض على الجمهورية عام 2007، وأعاد الكرة الجمعة الماضية 15 يوليو، من فكرة مغروسة بداخله أيضًا، وجماعة غولن إنما كانت نافخة الكير لتحركه.
ويؤكّد زنجين أنه يجب على الحكومة المدنية في تركيا، عدم صرف النظر عن هذه المشكلة الجذرية التي تدفع الجيش للتدخل في الحياة السياسية بين الفينة والأخرى، موضحًا أن حل هذه المشكلة يتم من خلال إعادة هيكلة الجيش نفسيًا وسياسيًا وعسكريًا ومؤسسيًا وفكريًا بشكل جذري.
ويوضح زنجين أن ذرائع الجيش في كل انقلاب، مثل "حماية العلمانية والنظام الجمهوري"، و"تأمين الأمن والاستقرار المنحلين"، ما هي إلا ذرائع يسوقها لتسويغ انقلابه وكسب شرعيته، مضيفًا أن الكثير من الأجداد والآباء اقتنعوا بتلك الحجج الواهية، ولكن جيل اليوم أثبت للجيش وللعالم أجمع بأن زمن الخداع بجمل إنشائية ركيكة ولى بلا رجعة.
ويرى زنجين أنه في ظل هذا الوعي، يجب على الحكومة استغلال تلك الفرصة لإتمام عملية إصلاح جذرية للجيش، تحول دون تدخله مرة أخرى في الحياة السياسية، مهما كانت الأسباب والأوضاع المحيطة بتركيا.
ومن جانبه، أكّد رئيس حزب الشعب الجمهوري في ولاية أرضروم "تاج الدين كيزيل أوغلو" دعم حزبه المطلق، لعملية إعادة هيكلة الجيش في إطار يمنع تدخله العسكري المتكرر في العملية الديمقراطية، مبينًا أن الانقلابات العسكرية لطالما عرقلت تقدم تركيا لسنوات طويلة، وقد حانت اللحظة الحاسمة لتغيير فكر الجيش وهيكلته المؤسساتية.
وأعرب كيزيل أوغلو، عبر رسالة له في تويتر نشرها موقع خبرلار التركي، عن أمله في إجراء تعديلات دستورية تضع المؤسسة العسكرية تحت نطاق المسائلة البرلمانية، ولا تعفيه من تلك المسائلة كما هو جاري الآن.
ربما التغيير الدستوري الذي يقترحه كيزيل أوغلو، هو الإصلاح الجذري الكفيل بتشديد الرقابة على إدارة الجيش ومسار عمله، لا سيما في ظل تحصينه من قبل الجهاز السياسي بعدة مواد تضمنها دستور عام 1982، الساري حتى الآن، والذي تم إعداده من قبل الجيش المنقلب بدموية عام 1980.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











