علي حسين باكير - عربي 21

في مساء يوم 20 يوليو 2016، عُقِدَ اجتماع لمجلس الأمن القومي التركي، تبعه على الفور إجتماع لمجلس الوزراء، وقد ترأس الاجتماعين المذكورين رئيس الجمهورية رجب طيّب أردوغان، ثم تم على إثرهما إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدّة 3 أشهر. 

وفقا للدستور التركي، يمكن إعلان حالة الطوارئ في تركيا على مستويين، الأوّل وفق المادة 119 عند وقوع الكوارث الطبيعية، أو انتشار الأوبئة الخطيرة، أو عند الأزمات الاقتصادية الحادة. والثاني وفق المادة 120 في حال ظهور مؤشرات خطيرة حول أعمال عنف ترمي إلى الإخلال بالنظام الديمقراطي الحر، أو الحقوق الأساسية والحريات في البلاد. 

وقد خلط كثيرون بين إعلان حالة الطوارئ وإعلان الأحكام العرفيّة وفق المادة 122 من الدستور، التي تتيح أيضا إعلان الأحكام العرفيّة في حالة النفير العام أو الحرب، وهو في مستوى آخر مختلف كلّيا عن المستويين الأوّل والثاني لحالة إعلان الطوارئ، ولا ينطبق على الحالة التي تعيشها تركيا اليوم.

لا شك أن محاولة الانقلاب الفاشلة وفّرت الأرضيّة القانونية لتطبيق المستوى الثاني من حالة الطوارئ وفق ما ينص عليه الدستور التركي، لكنّ البعض يرى أنّ هذا الأمر يحمل معه تداعيات سلبية على المستوى السياسي والاقتصادي، وأنّ التعامل مع الوضع الحالي يستلزم إعادته إلى الوضع الطبيعي وليس نقله إلى وضع الطوارئ، الذي قد يفتح الباب على مخاطر على مستوى التعامل مع المعارضة السياسية أو الخصوم السياسيين، وكذلك الأمر بالنسبة للنشاط الاقتصادي ووضع الحريات العامة في البلاد.

  من وجهة نظر السلطات الحكومية، فقد أثبتت الوقائع أنّ عملية الإصلاح السياسي وتعديل الدستور والقوانين منذ العام 2002 وحتى اليوم، لم تنجح في منع وقوع انقلاب في البلاد، كما أثبتت الوقائع أنّ محاولات منع المؤسسات الأمنيّة عن التدخل في الشأن السياسي، ومحاكمة العسكريين المتورطين في مخططات انقلابية سابقا عبر القضاء، لم تردع آخرين عن القيام بالمحاولة نفسها. وأنّ التطهير المعتدل والبطيء لبعض مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنيّة خلال السنوات القليلة الماضية -منذ العام 2013 تحديدا- من أتباع فتح الله غولن لم توقف نفوذ الجماعة، وأنّ اتّباع الأساليب السابقة نفسها، والإجراءات العادية التي عادة ما تعتمد في أوضاع عادية، لن يؤدي إلى النتيجة المطلوبة.

وعليه، ووفق وجهة النظر هذه، فإنّ الحل يكمن في تسريع وتيرة تنظيف المؤسسات الرسمية من نفوذ الجماعة، وتسريع عملية التخلص من/ والتحقيق مع المتهمين بالقيام بالعملية الانقلابية أو التابعين لجماعة فتح الله غولن في مؤسسات الدولة، من خلال ما يتيحه الدستور في الوضع القائم حاليا عبر إعلان حالة الطوارئ، وأنّه ما لم يتم تنفيذ هذا الأمر الآن، فإن الحكومة ستكون غير  قادرة على فعله مستقبلا، وبالتالي سيكون هناك المزيد من الانقلابات أو محاولات الانقلاب مستقبلا.

لا شك أنّ السلطات واعية إلى الجانب السلبي أيضا لتطبيق نظام الطوارئ، لذلك فهي لم تستخدم حقّها الدستوري في الإعلان عن السقف الأعلى لحالة الطوارئ والمتمثل بـ 6 أشهر -قابلة لاحقا للتمديد وفق أصول قانونيّة-، وإقتصر الإعلان عن 3 أشهر الآن، وهو مؤشر إيجابي إلى أنّها تسعى على الأقل إلى محاولة معالجة ذيول الانقلاب الفاشل خلال 3 أشهر ، مع العلم أنّ عددا من المسؤولين الرسميين في الحكومة كان قد عبّر عن أمّله في الانتهاء من الوضع في فترة أقل أيضا من 3 أشهر.

وفي السياق نفسه، كان هناك تأكيد متابعة النشاط الاقتصادي وعدم تقييد الحريات بالشكل المتصور عند البعض، وأنه ليس هناك داع للخوف من أزمة سياسيّة على اعتبار أنّ المستهدفين ليسوا خصوما سياسيين أو معارضة سياسية، بدليل أنّه لا يوجد معتقل سياسي واحد من بين المعتقلين. في المقابل سيكون هنا من دون شك تكاليف اقتصاديّة أيضا، لاسيما فيما يتعلق بتدني قيمة العملة المحلية الليرة وتراجع النشاط التجاري ربما والسياحي، لكن أن تكون هذه التكاليف على المدى القصير ولمرة واحدة أفضل من أن تكون على المدى الطويل ومفتوحة السقف.

وفيما يتعلق بإعادة تشكيل المؤسسات الرسمية وإدخال التعديلات الإدارية أو الهيكيلية على المؤسسات العسكرية والأمنية، فمن المتوقع أن تأخذ وقتا أطول من السقف الموضوع أعلاه من دون شك. لكن يبقى السؤال عمّا إذا كان من الممكن إعادة تشكيلها في ظل أوضاع عادية، بعيدا عن قانون الطوارئ وسقفه الزمني الأوّل أمرا ممكنأ أم لا، سؤال مفتوح سنرى الإجابة عليه لاحقا. 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس