د. علي حسين باكير - العرب القطرية 

هناك الكثير من الكلام عن دور جهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MIT) خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، ولا تزال الروايات حول طبيعة الدور الذي لعبه الجهاز أو ربما الذي كان من المفترض به أن يلعبه قبل، وخلال، وبعد العملية، مثار بحث وتحقيق، لاسيما عدم قدرته على منع وقوع الانقلاب، خاصة أن مثل هذه المهمّة تعتبر جزءاً أساسياً من دوره الوقائي، وعادة ما تأتي على رأس سلّم أولوياته ومهامه.

تشير النقطة الأولى من المادة رقم 4 من الفصل الثاني من «قانون جهاز الاستخبارات الوطنية وخدمات استخبارات الدولية» رقم 2937 لعام 1983 (دخل حيز التنفيذ في يناير 1984)، بأنّ من واجبات الجهاز جمع المعلومات حول الأنشطة المباشرة أو المحتملة التي تجري داخل البلاد وخارجها والتي تستهدف سلامة الوطن ووحدته، ووجوده، واستقلاله، وأمنه، ونظامه الدستوري، وكل العناصر التي تشكّل مصدر القوّة الوطنيّة للجمهورية التركية، وأن يقوم بتقديم هذه المعلومات الاستخباراتيّة إلى رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، السكرتير العام لمجلس الأمن القومي، وإلى المؤسسات المعنيّة.

ويطرح هذا النص بالتحديد عدداً من التساؤلات حول دور جهاز الاستخبارات خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة، ومدى كفاءته في أداء مهمّته المنصوص عليها في القانون، ومنها على سبيل المثال: هل توافرت معلومات لدى الجهاز عن المحاولة الانقلابية قبل وقوعها؟ وإذا توافر لديه هذا النوع من المعلومات، هل قام بتسليمها إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء... إلخ، وإذا قام بذلك بالفعل، ما الإجراءات التي اتخذها فيما بعد؟

وفي هذا السياق بالتحديد، ووفقاً لأوّل رواية تمّ نشرها في الإعلام التركي، قام رئيس جهاز الاستخبارات التركيّة بعد ظهر يوم الجمعة 15 يوليو 2016 بالحصول على معلومات حول الانقلاب، ثمّ توجّه بعدها إلى مقر هيئة رئاسة الأركان لإبلاغ رئيس هيئة الأركان الجنرال خلوصي أكار بالأمر، ورغم ذلك فإن هذه المعلومات -بغض النظر عن فحواها- لم تنجح في إيقاف الانقلاب فضلاً عن حماية رئيس الأركان الذي تمّ أسره فيما بعد.

ويمكن الاستنتاج من هذه الرواية أنّ هاكان فيدان لم يبلّغ رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء بالمعلومات التي حصل عليها وفق ما يقتضيه القانون، ومن غير المعروف ما إذا كان ذلك تقصيرا منه، أم أنّه لم يكن يرى أن المعلومات التي حصل عليها مهمّة، أو أنه لم يكن يريد إطلاق تحذير خاطئ حول احتمال وجود انقلاب. 

في المقابلة الحصرية التي أجراها أردوغان مع قناة الجزيرة الفضائية، لم يستطع أن يخفي أنّ هناك مشكلة في دور جهاز الاستخبارات، وقد كان ذلك إقرارا بوجود تقصير أو كما سمّاه ثغرة، مشيرا إلى أن مثل هذه الحالة موجودة في جميع الأجهزة حول العالم. ثمّ تحدّث رئيس الجمهورية التركية في لقاء آخر على قناة تركية في اليوم التالي بشيء من التفصيل عن الأمر، عندما أشار إلى أنه حاول الاتصال بهاكان فيدان في بداية الأزمة لكن لم يستطع الوصول إليه، وأنّ من أبلغه بوجود انقلاب هو صهره (زوج أخته وليس صهره وزير الطاقة).

لا شك أن جهاز الاستخبارات فشل في عمله الوقائي، لكن من غير المعروف إلى أي مدى أسهم حقيقة من خلال عمله على المستوى التكتيكي في إفشال الانقلاب، الأكيد أن أداء الجهاز ورئيسه سيخضع لعملية تقييم حقيقية بعد الانتهاء من معالجة ذيول الانقلاب.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس