بكر هازار – صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس

لنركب أعزائي القراء ماكينة الزمن ولننتقل إلى إحدى الأزمنة في الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد إلى مصعد مزدحم يستقله جمع من الأتراك بينهم الكتاب والمحللين والسياسيين. هذا اللفيف الذي تجمعه ميزة ألا وهي حب الولايات المتحدة. يتوقف المصعد في الطابق الرابع أمام مكتب وزارة الخارجية في الولايات المتحدة... وبين الحين والآخر يتم استدعاء أحد الأتراك ويتحدثون معهم أو الأصح يمارسون معهم ألعاب قوى العقل ويناقشون معهم طبيعة الخدمة التي يمكن أن يقدموها للسياسة الأمريكية.

في ذلك اليوم كان السؤال الموجه من قبل المسؤولين الأمريكان لثلة الأتراك تلك هو "هل نشطب على أربكان رئيس وزراء تلك الفترة؟".

وكان لفيف الأتراك هؤلاء يناقش وبشكل تطوعي فكرة الانقلاب في حين كان المسؤولون الأمريكان يسجلون كل شيء مما يقال ويأخذون ملاحظات كانت نتيجتها انقلاب في تركيا وإسقاط أربكان. لطالما كان تاريخ الانقلابات في تركيا بهذا الشكل، فالعقل المدبر كما لم يجد صعوبة في مناقشة فكرة الانقلاب لم يكن يجد صعوبة في العثور على اليد المنفذة للانقلاب كما وجد مؤخرا جماعة فتح الله غولن التي قال زعيمها علنا وبشكل صريح "إنني في خدمة  الغرب"، كما وجد كذلك حزب العمال الكردستاني الذي شكل جيشا من المتطوعين الإرهابيين، ووجد في فرع الحزب في الشمال السوري يدا لتنفيذ أوامر قيادته.

فالرئيس أوباما كان قد قال: "لن نرسل عساكرنا بالحافلات إلى مناطق النزاع كما كنا نفعل بالسابق". فعندما يتواجد جيوش من المتطوعين ما الداعي إلى مقتل وخسارة الجنود الأمريكان. كل هذا أصبح واضحا ومفهوما من الجميع.

الولايات المتحدة المستفزة والساخطة على تركيا مارست هذه المرة "التقية" تماما كما يفعل منتسبوا جماعة غولن الإرهابية. فأتباع غولن وزعيمهم من انعدام الحياء بدرجة تسمح له ورغم كل ما حصل بأن يصرح لصحيفة لو موند (Le Mond) الفرنسية ويقول: "أقسم أنني على استعداد للعودة إلى تركيا إذا ما استطاعوا أن يثبتوا واحده من كل عشر تهم يوجهونها لي". يبدو أننا نواجه فتح الله غولن الذي نصب نفسا سلطانا للكذب والرياء والتُقية. أما بقية أتباع التنظيم وعلى رأسهم أولئك الإرهابيون القتلة الذين يرتدون البزات العسكرية فيسيرون على خطى قائدهم ويتصرفون مثله؛ فعلى سبيل المثال نُشرت البارحة أعترافات (أ.ي)، هذه الشخصية التي شاركت في الانقلاب وقدمت طلبا للمحكمة ليكون معترفا على أمل أن يتخلص من سنوات طويلة من السجن أو على الأقل يضمن الخلاص من الإعدام فيما لو أُقر ذلك القانون فيما بعد.

يقول هذا الإرهابي بالزي العسكري: "لقد اجتمعت مع مجموعة من أتباع تنظيم غولن" لكنني لا أتذكر الشخصيات أو أسمائهم. يا إلهي... على الرغم من كثر الشخصيات التي اجتمع معها إلا أنه لا يتذكر اسم أحد منهم. أحد المعترفين الآخرين من أتباع التنظيم الارهابي والذي يحاول الاستفادة من قانون الاعتراف يقول: لقد جاء (ي) وذهب (ك)...  ولكنه لا يتذكر من (ي) أو (ك). يا إلهي يبدو أن الخرف قد أصاب جميع هؤلاء المعترفين فهم لا يتذكرون أي أسماء. أكثر المعترفين غرابة هو الذي قال: "إن أحد أئمة تنظيم غولن هو من زوجني". فإرهابي وجد لإرهابي آخر زوجة ثم زوّجهُ وقدم له صنيع حياته لكن الإرهابي الأخير لا يتذكر اسم الإمام الإرهابي... يكفي مزاحا!! إن هذا الكم من الكذب والتقية مقيت ومقرف، فلو وضعنا آلة كشف الكذب في الولايات المتحدة ستنفجر أمام أكاذيب زعيم تنظيم فتح الله غولن، تماما كما مع أعضاء التنظيم هنا في تركيا الذين تحولوا بدورهم إلى آلات لصناعة الكذب، وإلا فهل يعقل لأشخاص تلقوا التدريب على يد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أن ينسوا اسم الشخص الذي زوجهم.

ولهذا السبب تقول إليزابيث ترودو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية "إن إجراءات إعادة فتح الله غولن ستستغرق أشهر أو حتى أعوام". ففي شهر أيلول/ سبتمبر المقبل ستكون الانتخابات الرئاسية وسيليها ذهاب الرئيس الجديد إلى الكنيسة في تاريخ العشرين من  كانون الثاني/ يناير ليتسلم منصبه... وستطول الحبال.

أما الرئيس الذي سيجلس على كرسي السلطة في العشرين من يناير سيعيد التفكير مرارا، فما الداعي لتسليم رجل صنعته وتكفله المخابرات المركزية وهي من دفعه لمحاولة الانقلاب؟

لقد كان هناك دفتر ملاحظات اجتماعات ولقاءات الجماعة تم التحرز عليه أثناء المداهمات التي قامت بها الدولة ضد التنظيم في مدينة إسبارطه، هل تعلمون ماذا كتب في دفتر الملاحظات هذا، كُتب "ليس باستطاعتنا أن نقدم خدمتنا في هذا العالم ونحن نواجه الولايات المتحدة بالعداء، إن العالم يسير ليصبح تحت سيطرة اليهود بشكل كامل؛ فإذا ما أردنا أن نقدم خدمتنا يجب أن نتخلص من العداء والصراع معهم". "لنتخلص من الصراع ولنقدم الخدمات". بالطبع سوف يتم وضع مثل هذه العقلية في القمة وسيسمح لها بالارتقاء.

نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة الأمريكية يقول: "نحن نمقت الهجمات الإرهابية في جنوب شرق تركيا وندينها بشده. إن علاقتنا بحلفائنا لن تتأثر بمحاولة الانقلاب الدموية في ليلة الخامس عشر من تموز وسوف نتابع دعمنا لهم". فهو من جهة يدين أعمال حزب العمال الكردستاني ومحاولة انقلاب جماعة فتح الله غولن، لكنه من جهة أخرى مستمر في قيادته لتنظيم حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا ومستمر في احتضان زعيم جماعة فتح الله غولن الإرهابية في قصوره. لقد أصبحت الولايات المتحدة صاحبة نوع مميز من التقية والنفاق وتملك "ألترا- ميجا" من انعدام الحياء. هل الدجاجة جاءت من البيضة أم البيضة جاءت من الدجاجة؟ أم هل فتح الله غولن هو من علم الولايات المتحدة الأمريكية التقية أم أنه تعلمها منها؟

لم أستطع الاستيعاب. الولايات المتحدة تقصف داعش في حين أن داعش لم تنفذ إرهابها ضد الولايات المتحدة، بل العكس يقوم أبو بكر البغدادي بتقديم خدماته بضرب فرنسا التي تسعى أصلا الولايات المتحدة للتخلص منها وإركاعها... إن الأمر الذي لم نكف عن تكراره وترديده أشار إليه البارحة دونالد ترامب مرشح الرئاسة في الولايات المتحدة حين قال: "إن أوباما هو من أوجد داعش وأسسها"... تمارس الولايات المتحدة التّقية حتى مع داعش... انظروا إلى مستواهم وجدارتهم في الأمر!

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس