
جلال سلمي - خاص ترك برس
صرح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان بأن تركيا لن تسير بعد الآن وفقًا لمسار السياسة الدفاعية التي تُعرف على أنها الانغلاق داخل الحدود القومية وانتظار اقتراب أو اختراق العناصر الإرهابية للحدود ومن ثم بدء الإجراءات الأمنية، بل ستعمل وفقًا لأسس التحرك الهجومي المسبق، مضيفًا أن تركيا ستعمل على استهداف المنظمات الإرهابية المهددة لأمنها أينما وجدت.
وبيّن أردوغان أن التحرك الهجومي الوقائي الاستباقي هو الذي كفل لأبطال حرب التحرير التركية الظفر على العدو وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، مضيفًا أن على تركيا التحرك ضد الأخطار المداهمة لها قبل الوقوع فيها.
وتعليقًا على تصريحات أردوغان، رأت قناة "أى خبر" التركية أنها تنم عن أسس السياسة الأمنية الجديدة لتركيا، موضحةً أن التطورات المتسارعة في العراق وسوريا جعلتا من تغيير مسار السياسة الأمنية أمرًا مُلِحًا.
وأوضحت القناة في تقريرها الإخباري "الدفاع انتهى، الهجوم بدأ" أن مؤشرات السياسة الأمنية الجديدة لتركيا ظهرت عقب قيامها بتأسيس ست قواعد عسكرية خارج حدودها، وعملت على تأسيس مخيم بعشيقة التدريبي مع إرسال قواتها المسلحة إلى سوريا، مشيرةً إلى أن تركيا ستستهدف قواعد المنظمات الإرهابية المهددة لأمنها، أينما كانت، قبل حصولها على فرصة للاقتراب من حدودها القومية.
وأرجعت القناة ظهور هذه السياسة الجديدة في الفترة الحالية بالتحديد إلى فشل محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو التي وصفتها "بعملية احتلال لتركيا"، منوّهةً إلى أن عملية الاحتلال كانت لن تتم بواسطة عناصر جماعة غولن فقط، بل أن عناصر حزب العمال الكردستاني وداعش كانت ستتحرك لاحتلال بعض المدن التركية، وهذا ما أوحى بوجود عملية احتلال متعددة الجوانب لتركيا، الأمر الذي استدعى تغيير السياسة الأمنية المتبعة.
ووفقًا للقناة، فإن الحكومة والشعب التركيين اللذين وثقا بالتحالفات العسكرية التي تنتمي إليها تركيا والتي تخلت عنهما، قاوما محاولة الاحتلال بصدورهما العارية وإرادتهما الصلبة دون الحصول على أي مساندة من قوات التحالف التي لوحظ أن بعض أجهزتها الاستخباراتية ضالعة في تحريك عناصر غولن للقيام بعملية "الاحتلال."
وبحسب ما توضحه القناة، فقد صُدمت أنقرة بردود فعل من يوصفون بأنهم حلفاؤها حيال محاولة الانقلاب التي أظهرت إلى جانب تعاونهم الاستخباري الوثيق مع عناصر غولن عدم إخلاصهم للاتفاقيات بينهم وبين أنقرة، فعوضًا عن إدانة المحاولة عملوا على الدفاع عن "العصابة" الضالعة بمحاولة الانقلاب، لتتكشف لأنقرة الحقيقة السافرة فيما يتعلق بوهن سياستها الأمنية.
وكشفت القناة عن أن هذه الحقيقة أفقدت تركيا الثقة بالتحالفات العسكرية ودفعتها إلى وضع أسس أمنية جديدة تتمحور حول قيادة أنقرة لسياستها الأمنية بشكل مستقل ودون الركون إلى أي تحالف أو قوة أخرى، مؤكدةَ على أنه بالرغم من الأضرار الكبيرة التي تركتها محاولة الانقلاب على الحكومة والشعب التركيين، إلا أنها كشفت لتركيا عن خطط من يعرفون بالحلفاء لاحتلالها ومن ثم تقسيمها أسوة بدول الربيع العربي التي خرجت شعوبها مطالبة بالحرية، ولكن انتهى الحال بهم إلى دويلات وكيانات متشرذمة.
تجلت البوادر الأولى لسيناريو بعض الدول الأجنبية لإسقاط تركيا ونظامها الحاكم حسب القناة إبان أزمة عام 2008، وامتدت لتتطور مع أحداث غيزي بارك عام 2013، مرورًا بمحاولة الانقلاب الأمني الناعم في السابع عشر والخامس والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2014، وأخيرًا عبر محاولة "احتلال" شرسة أريد من خلالها تدمير الجمهورية التركية بشكل كامل، ولكن لم يفلحوا في محاولاتهم أمام الإرادة الشديدة للشعب التركي على حد وصف القناة.
وفي هذا السياق يتضح جليًا استناد الحكومة التركية إلى أفكار المفكر السياسي "جون ميرشايمر" الذي يُعرف بأنه أول من وضع أسس السياسة الواقعية الأمنية الهجومية، حيث يؤكّد أن رفع مستوى القوة العسكرية لا يمكن تفسيره من خلال الانغلاق داخل الحدود القومية ومحاولة صد الأعداء من الداخل، بل يتضح عبر الانقضاض على العدو حيث كان، ويقدم ميرشايمر أمريكا على أنها مثال ناجح في تطبيق هذه السياسة، حيث يرى أنها من خلال هذه السياسة تحافظ على أمنها الداخلي وهيمنتها السياسية على العالم.
ويتضح أيضًا أن المستشارين السياسيين الأتراك نصحوا صناع القرار بمبدأ المفكر السياسي "ريمون آرون" الذي يرى أن نظام العلاقات الدولية قائم على أساس "العون الذاتي" Self Help لذلك مهما خاضت الدولة في التحالفات الدولية، لا بد لها من الانتباه لقوتها الذاتية، لأنها ستكون في وقت من الأوقات مرغمة على الدفاع عن نفسها بشكل منفرد، وقد بدا ذلك واضحًا إبان محاولة الانقلاب الفاشلة.
وفي ضوء ذلك، يمكن إيجاز تقرير القناة في إطار أن تركيا باتت تعي ضرورة تبني مبدأي "العون الذاتي" و"الهجوم الوقائي الاستبقائي" للحفاظ على وجودها وأمنها واستقرار في العالم الفوضوي القائم على أساس التهديدات الدائمة، وهذا ما قد يتولد عنه اتجاه تركيا لرفع وتيرة قدراتها العسكرية الذاتية إلى جانب توسيع قواعدها العسكرية وتحركها الهجومي المستهدف للإرهابيين خارج حدودها القومية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!