محمود القاعود - خاص ترك برس

في زمنٍ اختلط فيه الحابل بالنابل، وصارت وسائل السوشيال ميديا تجعل من يسير بالشارع يُفتي في الدين والسياسة ، ويجد آلاف المؤيدين أو من يضعون " لايك " .. تكون المهمة صعبة إذا أردت أن تتحدث وفق أُسس علمية أو بحثية، فلن تجد من يُصغي إليك أو يعبأ بما تقول. لكن في المُحصلة، فإن ما ينفع الناس ويمكث في الأرض هو ما يستمر مهما كان خافتًا.

ومن هذا المنطلق لا يُمكننا تسطيح حقيقة ما يجري في سوريا أو يُدبر لتركيا علي أنه  "صراع سياسي". حقيقة الأمر أنها حرب عقائدية صليبية عالمية، تستهدف استئصال الإسلام من سوريا، وتفكيك تركيا وتقسيمها إلي دويلات متناحرة.

كما لا يُمكننا أن نتحدث ببلاهة ورعونة عن أن داعش أو جبهة فتح الشام هما سبب انتكاس الثورة السورية، فهذا كلام روّاد "المصاطب" والمقاهي. عامان كاملان قبل ظهور داعش أو "النصرة" ولم يُنصف الغرب الثورة السورية، ولم يعبأ بأنهار الدماء التي سالت منذ كتابة أطفال درعا عبارات تدعو للثورة. عامان كاملان وأكثر، استخدم فيهما بشار الأسد السلاح الكيميائي، وسحق أكثر من ألف وخمسمائة طفل في يوم واحد بالغوطة، وسط ترحيب المجتمع الدولي المنافق. عامان كاملان، ارتكب فيهما شبيحة بشار الأسد والميليشيات الشيعية ما لا يتخيله عقل إنسان من ثقب للأجساد بالشنيور واغتصاب النساء وبقر بطون الحوامل وتقطيع الأعضاء الذكورية، والقتل بالتجويع  والسكاكين، وإجبار المعتقلين علي التلفظ بالكفر والسجود والركوع لصور السفاح بشار. عامان كاملان والشعب السوري يُقتل علي مدار الساعة ولم يكن هناك "تطرف" ولا "معارضة متطرفة".

والواقع أن هذا الطرح الساذج لا يهدف إلي مهاجمة داعش والنصرة، إنما هدفه الرئيس – بالأحرى الخبيث – استبعاد الإسلام تماما من معادلة الحكم في سوريا؛ بمعني أن نقوم بعمل "نيو لوك" لنظام بشار الأسد والأسرة النصيرية، يسافر بشار إلى روسيا هو وزوجته وأولاده ومعه أطنان الذهب والفضة والدولارات، ومن يريد أن يذهب للصلاة في المسجد فليصلي، وفي ذات الوقت لا علاقة للإسلام بالحكم، ويبقي الجيش النصيري والمحاكم النصيرية، والمدارس والمناهج النصيرية، والإعلام النصيري، والجولان بقبضة إسرائيل، ولا مانع من "الهشك بشك" والترويح عن النفوس، هذا باختصار مفهوم الثورة السورية لدى الغرب وشبيحته.

إذًا الصراع أيديولوجي يهدف لاستئصال الإسلام تمامًا، وإلا لماذا أرادوا قتل الرئيس رجب طيب أردوغان، وقصف مقر إقامته ليلة الانقلاب الصليبي الخسيس في 15 تموز/ يوليو 2016م؟! أردوغان لم يُبايع البغدادي ولا الجولاني، ومع ذلك تآمروا عليه، لأنهم يرفضون أي صورة من صور الإسلام، مشكلتهم مع الإسلام نفسه وليس مع التطرف. هي حرب صليبية شعواء تباركها الكنائس لسحق المسلمين، وجميعنا نذكر كيف انطلقت الطائرات الروسية المحمّلة بالفسفور الأبيض وهي ترفع الصلبان، وكيف بارك القساوسة والأساقفة جموع الجنود الروس قبل سفرهم لالقاء البراميل والقنابل العنقودية فوق رؤوس النساء والأطفال، وكيف رفض الاتحاد الأوروبي دخول تركيا إلى "النادي المسيحي" وجمّد المفاوضات مع تركيا.

وعليه فإن الهدف القادم بعد السيطرة الروسية النصيرية علي حلب، هو التحرش بتركيا وإقحامها في صراع يستنزف الاقتصاد والجنود ويُدمّر نهضتها، ولذلك فإني أدق ناقوس الخطر، وأدعو القيادة التركية لسرعة اتخاذ خطوات فعالة تساعد في فتح دمشق. هذا أو الطوفان.

عن الكاتب

محمود القاعود

صحفي وروائي مصري وعضو اتحاد الصحفيين العرب


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس