محمد زاهد جول - بوابة الشرق

مرت اللحظات الحرجة بعد مقتل السفير الروسي في أنقرة "أندريه كارلوف" على يد رجل الأمن التركي "مولود مرت"، مساء يوم 19/12/2016، فقد كان وقع الاغتيال صاعقاً، وخشي الكثيرون من ردود الفعل الروسية الغاضبة على تركيا، ولكن لم تمض ساعات حتى خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخيب ظنون المتآمرين، وتعامل مع الحادثة بمنطق أمني مخابراتي وسياسي محترف وحكيم، فقد طالب بتشكيل لجنة تحقيق أمنية مشتركة بين روسيا وتركيا، لكشف حقيقة المتورطين، وهو ما وافق عليه الرئيس التركي أردوغان فوراً، لتهدئة الحواطر، وحتى يطمئن الجانب الروسي إلى أن هناك من يخطط إلى الإساءة إلى العلاقات التركية الروسية، فالقيادتان الروسية والتركية متأكدتان بأن اغتيال السفير يهدف إلى تخريب العلاقات التركية الروسية الثنائية أولاً، والعلاقات التركية الروسية في سوريا عموما وفي حلب خصوصا ثانياً، فتوقيت الاغتيال كان سلاحا مهما ضد الذين خططوا للاغتيال.

وهكذا سقطت منذ الساعات الأولى احتمالية نشوب أزمة كبيرة بين تركيا وروسيا كما خطط القتلة، وباءت ظنون من استعادوا حادثة 1914، يوم كان اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند في سرايفو عام 1914، والتي تسببت بنشوب الحرب العالمية الأولى، ومن ذهبوا إلى هذا التشبيه غاب عنهم أن روسيا وتركيا يواجهان اليوم نفس الأعداء تقريبا، ولم تكن حاثة اسقاط الطائرة الروسية بعيدة عنهم، والتي عالجها الروس بحكمة من الناحية الأمنية أيضاً، فلم يقوموا بعمل انتقامي عسكري، فكان الروس أول من كشف تورط أمريكا في إسقاط الطائرة الروسية، وأن الأوامر صدرت من واشنطن، فهؤلاء المتآمرون للوقيعة بين تركيا وروسيا يغيب عن تفكيرهم أن بوتين رجل مخابرات سوفيتية وروسية مخضرم وخبير بالمخططات الغربية ضد بلاده، ويعلم أيضا أن أول انقلاب وقع في تركيا عام 1960 قامت به المخابرات الأمريكية.

كان بسبب ذهاب رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس لطلب قرض بقيمة 300 مليون دولار من روسيا لإنقاذ الاقتصاد التركي المنهار في حينه، فكيف يكون رد الفعل الغربي اليوم على تحول تركيا نحو التحالف مع روسيا والانضمام إلى منظمة شنغهاي للأمن والتعاون الدولي على حساب علاقات تركيا المتردية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي!! لقد ذهب نائب رئيس اللجنة الأمنية والدفاع الروسي السيناتور "فرانتز كلينتزفيج" إلى اتهام حلف شمال الأطلسي "الناتو" باحتمالية كونه هو من يقف خلف اغتيال السفير الروسي في أنقرة، وقال السيناتور الروسي:" بأن ما جرى في العاصمة أنقرة من اغتيال السفير الروسي عبارة عن عملية مُدبّرة"، وقال: "إن من يقف خلف عملية الاغتيال قد يكون تنظيم داعش أو القوات الكردية التي تريد الإساءة للرئيس أردوغان"، وعلل كلينتزفيج احتمالية كون حلف "الناتو" هو من يقف خلف عملية الاغتيال:" بأن الاغتيال هدفه الاستفزاز، والتحدّي، إن هذه العملية هي تحدّ لروسيا"، هذه العلة يتفق عليها الأتراك بأن التحدي لروسيا ويقولون لتركيا أيضاً، وحيث ان الجهات التي ذكرها "كلينتزفيج" مثل داعش وحزب العمال الكردستاني محتملة ولكن هناك من هو أكثر احتمالا وهو تنظيم الكيان الموازي بزعامة فتح الله جولن، والذي ينتقم من روسيا على دورها في إفشال انقلاب تموز 2016، وعلى تصفيتها لحركته في روسيا منذ عام 1999، بعد ثبوت أدلة على تورطها بخدمة المخابرات الأمريكية في روسيا، إضافة إلى مشاركتها للأهداف الأمريكية والأوروبية بتخريب العلاقات الروسية التركية والوقيعة بينهما.

وأخيرا فإن الاغتيال تم في لحظة نجاح تركيا بإيجاد أرضية تفاهم بين روسيا والمعارضة الروسية في حلب أثارت غضب إيران وميليشياتها في سوريا، وهو ما نبهت إليه "ماريا زاخروفا" المتحدثة باسم الخارجية الروسية بأن "أندريه كارلوف" كان الاسم الوسيط في التواصل مع المعارضة السورية، وأنه كان يسعى دائما إلى خلق سبل الحوار معهم، أي أن إيران في قائمة المتهمين كما وضعها البعض، فإذا لم يثبت التحقيق بأن الاغتيال عمل فردي خالص، فلا بد أن أحد المتهمين السابقين سيتحمل المسؤولية.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس