صحيفة كوميرسانت الروسية - ترجمة وتحرير ترك برس

ناقش وزراء خارجية روسيا، وإيران وتركيا بتاريخ 20 كانون الأول/ ديسمبر 2017 في موسكو، آفاق التعاون لتسوية الحرب في سوريا، كما تحدثوا عن مرحلة ما بعد وقف القتال في حلب.

وتطرق الوزراء في هذا الاجتماع إلى التعاون الروسي التركي في إطار مثلث موسكو- طهران- أنقرة، بالتزامن مع مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإجراء التحقيق في خصوص مقتل السفير الروسي في أنقرة واتخاذ الأجهزة الأمنية للتدابير اللازمة لتعزيز أمن البعثات الروسية.

في أي إطار كان يجب أن ينعقد الاجتماع؟

كان مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة مباغتا، تزامنا مع توجه وزرا الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو والإيراني جواد ظريف إلى موسكو لإجراء محادثات مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول الوضع في سوريا بعد وقف إطلاق النار في حلب.

لم تؤدي المأساة التي وقعت في أنقرة إلى إلغاء اجتماع موسكو، كما توقع العديد، ولكن تم التعديل في جدول الأعمال، حيث عبّر المشاركون في الاجتماع عن مواقفهم إزاء هذه العملية الإرهابية والشخص الذي نفذ العملية بينما كان يهتف "الله أكبر، وهذا من أجل حلب".

كما أشار الوزراء في هذا الاجتماع إلى الأهمية البالغة لضرورة حسن التعامل مع هذه المأساة التي تستهدف الساسة والقادة والدبلوماسيين، وإلى عدم التسرع في إطلاق الأحكام وردود الفعل، خاصة وأن العلاقات بين موسكو وأنقرة ما زالت ما إن تجاوزت أزمة غير مسبوقة بعد حادثة الطائرة الروسية  التي جدت السنة الفارطة.

افتتح وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف اجتماعا مضيقا بقوله: "نحن ممتنون لاستجابة أنقرة وطهران لدعوتنا". كما قال وزير الخارجية التركي فيما بعد: "نلتقي لأول مرة بشكل ثلاثي لإنهاء الأزمة السورية. تحدثنا عن قرار وقف إطلاق النار في حلب، وسنسعى إلى توسعة العمل بهذا القرار ووقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية". كما تحدث عن العملية الإنسانية في حلب: "التي تم فيها إجلاء قرابة 37 ألف وخمس مائة شخص، في الأيام القليلة الماضية".

ومن جانبه، أكد سيرغي لافروف أن الحلّ العسكري للوضع السوري غير موجود وغير مُتاح. وأوضح أن موسكو لا تراهن على القوة في حلّ هذه المشكلة قائلا: "نحن نطمح لإيجاد حلول سياسية ودبلوماسية بديلة للصراع"، مضيفا أنه يؤيد نظيره التركي فيما يتعلق بمناقشة النزاع السوري بمشاركة روسيا وإيران وتركيا، والتي تعد  البلدان الأكثر قوة بين كل الجهات المتدخلة الأخرى؛ بما في ذلك مجموعة الدعم الدولي لسوريا  التي يعتبر أن عملها لم يكن له أي نتائج فعالة.

قدّم وزير الخارجية الإيراني بدوره دوافع انعقاد الاجتماع الثلاثي المشترك الذي أقامه الوزراء في موسكو، والذي يطمح إلى الالتزام بمحاربة "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة"، وعبّر عن مدى استعداد هذا التحالف الثلاثي لاستئصال هذه المجموعات من سوريا في خطوة أولى، والتي تعد الأكثر أهمية لضمان وتهيئة الظروف المناسبة لوقف إطلاق النار في سوريا بصفة تامة، ونشر الأمن في منطقة الشرق الأوسط عموما.

ومع ذلك، توجد بعض الاختلافات في صلب الثلاثي الناشئ الجديد؛ موسكو-طهران-أنقرة، التي لا تزال قائمة، حيث دعا الوزير التركي إلى ضرورة توقف إيران عن دعم الجماعة الشيعية "حزب الله" التي تشارك في القتال إلى جانب دمشق.

وقالت مستشارة ومديرة المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية الروسية ألينا سوبونينا: "إن المحادثات الثلاثية في موسكو تختلف جوهريا عن المحاولات السابقة للتوصل لتسوية سلمية في سوريا. وهذه المرة الأولى التي تُطرح فيها إمكانية إجراء محادثات، ليس فقط مع المعارضة السورية، مثلما ما حدث من قبل، لكن أيضا مع بعض الممثلين عن الجماعات المسلحة، إذا كانوا على استعداد للتوصل إلى حلول سلمية. فإذا ما تمكنا من إقناعهم بخوض عملية سياسية غير عسكرية، عندها فقط من الممكن أن ننظر إلى المسألة بتفاؤل حذر".

التعمق عوضا عن تبادل التهم

على هذا الأساس، ذكرت السلطات الروسية والتركية أن الهجوم الإرهابي في أنقرة ليس قادرا على تعطيل التقارب بينهما، أو عرقلة التعاون من أجل القضية السورية.

 وفي هذا السياق، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "نحن لن نسمح لأحد بأن يفسد العلاقات التركية الروسية، وبالنيابة عن شعبي أدين بشدة اغتيال السفير الروسي والمسؤولين عن هذه الجريمة". وتجدر الإشارة إلى أن الرئيسين التركي والروسي أجمعا خلال الاتصال الهاتفي بعد مقتل أندريه كارلوف على  أن عملية الاغتيال تعد استفزازا حقيقيا ومحاولة للإضرار بالعلاقات.

في المقابل، كانت التصريحات من الجانب الروسي تشير إلى أن موسكو تتجنب التركيز على المشاكل الأمنية التي كانت سببا مباشرا في مقتل السفير الروسي، حتى أن السكرتير الرسمي الصحفي للرئيس الروسي ديمتري بيسكوف؛ قدّم تصريحات بالغة الاتزان والحذر قائلا: "تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ضرورة الحصول على ضمانات من الشريك التركي من أجل ضمان أمن سفارتنا وقنصليتنا في أنقرة".

 كما دعا الرئيس الروسي إلى اتخاذ التدابير اللازمة من أجل القضاء على الإرهاب في المنطقة والعالم بأسره. كما وجّه خلال احتفال "يوم عمال الأجهزة الأمنية" تعليمات لوكالات الاستخبارات الروسية من أجل اتخاذ تدابير إضافية لضمان سلامة الساسة، والقادة، والأمنيين الروس في روسيا، وحفظ أمن البعثات الدبلوماسية خارج روسيا.

وعلى هذا الأساس، بدأ التحقيق المشترك في خفايا العملية الإرهابية الإجرامية في أنقرة، بعد وصول فريق تحقيق روسي مكون من 18 شخصا، والذي يضم أعضاء من الأجهزة الأمنية للجنة التحقيق التابعة لوزارة حالات الطوارئ، حيث قامت الشرطة التركية باعتقال أحد المشتبه في تورطهم في عملية اغتيال السفير، كما تم اعتقال أفراد عائلة منفذ العملية الإرهابية من أجل إيجاد طريق يمكن أن يؤدي إلى معرفة المسؤول الحقيقي عن هذه العميلة الغادرة.

كما أن الاستخبارات التركية لا زالت تحقق مع اثنين من المشتبه بهم في المشاركة في التخطيط والتنفيذ للعملية، من أجل معرفة ما إذا كانت لديهم اتصالات مع أتباع لهم في الولايات المتحدة الأمريكية من الموالين لفتح الله غولن، المتهم الأول في تنظيم محاولة الانقلاب في يوليو/ تموز الماضي.

ولاحظ خبراء كوميرسانت أن ردود الفعل الروسية التركية عقبها مباشرة اجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، ما يثبت تشكل هندسة ثلاثية جديدة؛ موسكو- طهران- أنقرة، والتي ستلعب دورا رئيسيا وبالغ الأهمية في تسوية المسألة السورية.

وقال مدير عام المجلس الروسي للشؤون الخارجية، أندريه كورتونوف: "إن موسكو كانت تملك كل الأسباب للإفصاح عن ادعاءات خطيرة تجاه أنقرة، ولكن هذا لم يحدث، وهذا هو الفرق الأساسي الذي يبين مدى تطور العلاقات التركية الروسية، إذ أن ردود الفعل الروسية بعد سقوط الطائرة السنة الماضية كانت حادة جدا وأدت إلى قطيعة، أما الآن فقد دفعت هذه الجريمة إلى مزيد التقارب والتعاون بينهما".

ووفقا لخبراء، فإن التوقعات المُبشرة بالتسوية السورية تعد في أعلى مستوياتها، إلا أنه يجب على "الهندسة الثلاثية الجديدة" التركيز على بذل جهود مشتركة من أجل التوصل لحل دبلوماسي دون العودة إلى الصراع.

وقال خبير "كوميرسانت" والدبلوماسي الروسي، أندريه كورتونوف: "نظرا لعزوف الولايات المتحدة الأمريكية على  التدخل بفعالية في منطقة الشرق الأوسط، فإن مركز الثقل في مسألة التسوية السورية يبقى في منطقة الشرق الأوسط؛ مشيرا إلى انتماء كل من إيران وتركيا إلى  هذه المنطقة". كما أوضح أنه "بدلا من التحالف السابق الذي كان يضم موسكو-طهران-واشنطن، جاءت أنقرة ليظهر ثلاثي موسكو-أنقرة- طهران الأكثر قدرة على الشروع في عملية دبلوماسية جديدة حقيقية هادفة لحل المسألة. وبفضل الجهود التي يبذلها الثلاثي الجديد بين جميع الأطراف المتنازعة، باتت هناك الكثير من التوقعات حول اقتراب انفراج هذه الأزمة، والتي من شأنها أن تبعث أملا حقيقيا، لأول مرة، ما من شأنه أن يساهم في إنهاء الصراع السوري".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!