محميد المحميد - أخبار الخليج

لا تسافر إلى بلد تتساقط فيه الثلوج والأمطار ومعها عواصف الرياح الشديدة في لحظة واحدة.. هي سفرة متعبة.. مرهقة.. غير ممتعة.. لا تقض إجازتك في مكان الحوادث الإرهابية أصبحت فيه متوقعة رغم كل الإجراءات الأمنية المشددة.. احرص دائما على متابعة تحذيرات السفارات الأمريكية لرعاياها في كل دولة فهي تتوقع العمل الإرهابي وتحذر منه.. ثم تستنكره في اليوم التالي.. ثم نكتشف في الأيام التي تليها أن السياسة الأمريكية لها علاقة بالحادثة أيا كانت نوعية العلاقة والصلة.. تلك هي زبدة تجربتي بقضاء إجازة رأس السنة في إسطنبول بتركيا.

قضيت إجازة رأس السنة ليلة الأحد في مدينة إسطنبول.. وعانيت من المطر والثلج والهواء الشديد.. قرأت تحذيرات السفارة الأمريكية عن تركيا.. وأدركت أن ثمة أمرا سيقع.. كنت قريبا جدا من المكان الذي وقعت فيه الحادثة الإرهابية.. حيث كنت موجودا في مطعم عام معظم زبائنه من العائلات الخليجية.. حينما خرجت من المطعم متوجها إلى مقر الإقامة كان يفصلني عن توقيت الحادثة ومكانها عشر ثوان.. كنت بالسيارة وإذا بي أفاجأ بشباب وبنات يتراكضون ويبكون ويصيحون.. ظننت للوهلة الأولى أنها سكرة الاحتفالية برأس السنة.. ولكن تبين بعد ثواني أنها حادثة إرهابية.. تم إطلاق النار بشكل عشوائي على الموجودين في ذلك المكان.. الأمن التركي طوق المنطقة بشكل سريع ومحترف.. أشار إلينا أحد الجنود وهو ممسكا بسلاحه الناري.. ارجعوا إلى الوراء وعودوا للطريق الآخر.. تم إغلاق الشارع.. وتم تطويق المكان .. سيارات الأمن والإسعاف تأتي تباعا.. وكأنها تخرج من تحت الأرض.. سيارات مدنية في ثانية واحدة تحولت إلى سيارات أمنية.. وخرج منها رجال مسلحون تابعون للأمن التركي.. تبين أنهم يستخدمون تلك السيارات بغرض الأمن الوقائي.. رجال الأمن انتشروا في الساحات والشوارع.. أوضحوا للناس والمارة سبب الأمر والحادثة.. فالشراكة في الأمن والأمان مطلوبة.. وطمأنة الناس واجبة.. بدلا من الارتباك والشائعات.

طلبت من السائق أن يفتح الراديو لنسمع الإذاعة فإذا بالتغطية المباشرة من قلب الحدث.. لا أغاني ولا مسلسل.. لا مسابقات ولا لقاءات.. كما يحصل في بعض إذاعات في دول نعرفها حينما تقع حادثة معينة والناس تنتظر بلهفة سماع أي شيء.. ولكن الإذاعة المحلية تشغل أغاني ونكت، وربما حلقة شعرية مسائية..!! خبر النشرة في الإذاعة التركية نقل الحدث أولا بأول.. كان السائق يترجم لي طبعا.. أصبحت حركة الشوارع بطيئة.. السيارات لا تتحرك.. الناس قلقة.. والشرطة في كل مكان.. مركبات وعربات أمنية لحفظ النظام ومكافحة الشغب.. سياج أمني طوق المكان.. أشرت على السائق أن يدخل في الشوارع الجانبية والأزقة والدواعيس قبل أن تمتلئ.. وأن يخرج من الشارع العام لاسطنبول ويسلك الطريق الكبير المحيط بحدود اسطنبول لنتوجه الى الفندق.. لأن الليل سيطول في شوارع اسطنبول.. والساعة الآن قاربت الثانية فجرا.. ومن المفترض أن أكون في المطار منذ ساعات الصباح الباكر.. قلت ذلك من باب التجربة.. ولكن السائق رد علي: لا تقلق ستمضي الأمور الآن بشكل طبيعي.. حاول أن يقنعني ولكنني رفضت.. وقد تبين صحة كلامه بعد ذلك.. إذ سارت الأمور في مدينة اسطنبول وشوارعها ودواعيسها على ما يرام، ما عدا طبعا مكان الحادثة.

أحب تركيا ومدنها وقراها ودواعيسها.. أعشق البازارات والمتاحف فيها.. أدمن القهوة التركية مع البقلاوة.. لا أعرف عدد مرات زياراتي لتركيا.. الرسمية والخاصة والعائلية.. إلا أن معظم تلك الزيارات كانت تصادف وقوع حوادث إرهابية أو حتى طبيعية أو ربما حوادث شخصية.. أذكر أنني في شهر العسل الذي قضيته في تركيا وقع الزلزال الشهير عام 2000م، وتلتها زيارات وتصادفت حوادث، وآخرها أمس نهاية عام 2016م.

بعد هذه التجربة.. أود أن أشكر السفيرة التركية في البحرين، لأنها بارعة جدا في تسويق بلادها للخارج.. سياحيا واقتصاديا وسياسيا.. تركيا آمنة رغم ما يقع من حوادث.. تركيا تتطور رغم ما تشهده من تحديات.. تركيا تمارس دورها في المنطقة كقوة إقليمية.. وإشغالها بحوادث إرهابية لم يمنع تحقيق تطلعاتها وأحلامها.. الشعب التركي صلب جلد.. يحب الحياة ويعشق بلاده.. كعشقه للعمل والجمال.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس