ترك برس

استعرض "أرشد هورموزلو"، كبير مستشاري الرئيس التركي السابق "عبد الله غُل"، تقييمًا حول أبعاد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم إلى العاصمة العراقية بغداد والمحادثات التي أجريت على أعلى المستويات وسط رغبة واضحة لدى الطرفين في تجاوز الأزمة التي أفتعلاها إلى أن وصلا إلى حد تفعيل الاتفاقات السابقة وتنشيط الحركة البينية بينهما.

وفي مقال له بصحيفة "الحياة" اللندنية، أشار هورموزلو إلى أن البعض قال إن الجانب العراقي استطاع "ترويض" الموقف التركي وانتزاع تنازلات كبيرة من أنقرة، وقال آخرون إن الأتراك أظهروا صلابة في مواقف معينة ولم تكن "التنازلات" إلا في إطار ما يستوجبه القانون الدولي وعلاقات الجيرة عليهم، معتبرًا أن "الطرفان على خطأ".

وأضاف: "أصل الموضوع أن العراق يدرك أن سلامته تنبع من تركيا وتركيا تعلم أن سلامتها تنبع من الأراضي العراقية المجاورة. ولذلك كانت المصافحة الشهيرة إيذاناً بتخلص الموقف العراقي من قسم من الضغوط الداخلية والخارجية التي عانى منها رئيس الوزراء العبادي على مضض.

وكذلك الموقف التركي الذي أثار بعضاً من الاستياء. ومن يقرأ بين السطور يمكنه أن يطلع على الكثير من الرسائل التي تم تبادلها سواء في المحادثات الثنائية أو في المؤتمر الصحافي المشترك."

ورأى هورموزلو أن تأكيد تركيا على احترام سيادة العراق ووحدة أراضيه أمر مطلوب، وتؤكد تركيا أنها تؤمن بهذا المبدأ دائماً ولا يمكن تغييره، ولكن ذلك يوحي برسالة أخرى إلى الأصوات التي ترتفع بين الفينة والأخرى عن "استقلال" أو "انفصال" قسم من الأراضي العراقية عن الجسد العراقي. فمعاهدة أنقرة التي أبرمت في 5 حزيران (يونيو) 1926 أقرت الحدود التركية بما يضمن وحدة الأراضي المجاورة لها في وطن عراقي موحد.

وقد يكون الأمر الأكثر أهمية والذي شغل بال الأتراك هو اقتراب منظمة إرهابية مصنفة عالمياً بهذه الصفة هي "حزب العمال الكردستاني" من الحدود التركية بعد أن تغلغلت في أحياء من كركوك وقضاء طوز خورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين حيث تسكن غالبية تركمانية.

فإذا كانت جبال قنديل مرتعاً لقيادات ومقاتلي هذه المنظمة وهي في الشمال العراقي ويتم النفوذ إليها من الأراضي التي يسيطر عليها حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الرئيس السابق جلال طالباني، فإن تغلغل هذه القوات إلى مركز سنجار، الذي يفترض أنه تحت سيطرة قوات "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، أمر لا يمكن تخطيه في هذه المرحلة الحرجة.

أما معسكر بعشيقة الذي ملأ الدنيا وشغل الناس - يضيف هورموزلو - فهو معسكر صغير للتدريب وهو معني أولاً وأخيراً بالتصدي لمشاريع تنظيم "داعش" الإرهابي الذي احتل أجزاء واسعة من العراق. وإذا كانت الحكومة العراقية تطلب انسحاب الجنود الموجودين فيه فإن هذا الطلب مشروع ويتناغم مع القانون الدولي حتى لو كان المعسكر أقيم بموافقة ضمنية من قبلها ومن قبل إقليم كردستان

ولفت هورموزلو إلى أن تراجع الحكومة عن هذه الموافقة يمكن أن يوجه إلى القوات الصغيرة الأخرى التي تتواجد حالياً في العراق أيضاً، مثل القوات الدنماركية أو الأسترالية أو النيوزيلندية، ناهيك عن القوات الأميركية التي عقدت اتفاقات انسحابها في ما سميت بمعاهدات "صوفا" قبل سنين.

وأضاف: "لكن تركيا لا تنكر هذا الحق على العراقيين بل تطلب أن تطمئن قبل كل شيء إلى ملابسات ونتائج تحرير الموصل وعدم استعمال موضوع "العمال الكردستاني" وما يقال عن دفع رواتبهم ذريعة لمطالبات يمكن أن توثق باتفاقات أخوية. كما أن من مسلمات تركيا أن لا تكون مدينة تلعفر مسرحاً لصدام عبثي تقوده تراكمات وتخندقات مذهبية تضر ساكنيها وهم من التركمان في شكل كامل.

ما تردد في الكواليس من أن انسحاب المفرزة التركية من بعشيقة يمكن أن يتم فور تحرير الموصل، يطابق التكهنات القوية من أن هذا التحرير لن يتأخر أكثر من ثلاثة أشهر، ولذلك فإن المحادثات التي ستجرى بين الطرفين في هذه الفترة أمر تدرك الحكومة العراقية أنه معقول نظرياً، وهذا ما أكده السفير العراقي في أنقرة أخيراً.

وبحسب هورموزلو، لاحظ المراقبون أن رئيس الوزراء التركي حرص على الاجتماع بأكثر مكونات الشعب العراقي، فإضافة إلى زيارته أربيل وعقده محادثات جدية تناولت كل هذه الأمور مع قيادة الإقليم، وزيارته للجبهة التي تتصدى فيها قوات "البيشمركة" الكردية لتنظيم "داعش"، فإنه حرص على اللقاء مع رئيس الوقف الشيعي في بغداد ورئيس الوقف السني ومطران الكلدان الآشوريين.

كما عقد اجتماعاً موسعاً مع ممثلي العنصر التركماني من رئيس الجبهة التركمانية إلى الأحزاب السياسية الأخرى ونواب البرلمان الحاليين والسابقين وممثلي التركمان في حزب "الدعوة" و"المجلس الإسلامي الأعلى" ومنظمة "بدر" وأعضاء الاتحاد الإسلامي لتركمان العراق.

وخلص المستشار الرئاسي السابق إلى أن "جميع هذه المقابلات أكدت أمراً واحداً وهو حضّ العراقيين على التمسك بالوحدة الوطنية من دون أن تفرقهم الأيديولوجيات والمذاهب ليكونوا صفاً واحداً لخدمة العراق، فقد ذكر أن سلامة تركيا ذاتها تنبع من وحدة العراق وسيادته كبلد حر مستقل موحد وسيد نفسه".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!