سيث فرانتزمان - ذا ناشونال إنتريست - ترجمة وتحرير ترك برس

في رحلة العودة من اجتماع عقده في باكستان في الثاني من مارس/ آذار هدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتوسيع دور تركيا في الصراع الروسي، وقال أردوغان للصحفيين المرافقين له على الطائرة الرئاسية: "بعد تحرير مدينة الباب من الإرهابيين "داعش" فإن هدف تركيا الجديد في سوريا هو منبج. منبج مدينة تخص العرب ولا ينبغي أن تكون قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في الرقة أيضا".

يمثل هذا التصريح تحديا للسياسة الأمريكية في سوريا، وتحديا غير مباشر للقوات الأمريكية الخاصة التي تنتشر مع قوات قسد في العمليات القتالية ضد داعش. ومنذ العام الماضي نقلت الولايات المتحدة العشرات من القوات الخاصة لدعم المقاتلين الأكراد وحلفائهم العرب في شرق سوريا. وهذه هي المرة الثانية التي يهدد فيها أردوغان بتوسيع دور تركيا في سوريا، وهو الدور الذي يهدف إلى مساعدة قوات الجيش الحر ذي الأغلبية السنية والمعارض لنظام بشار الأسد. وهدد أردوغان قبل مغادرته باكستان الأكراد قائلا إن تركيا ستتحرك نحو منبج.

تأتي تصريحات أردوغان بعد أن ذكرت صحيفة صباح التركية في ال25 من فبراير/ شباط أن الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية زار شمال سوريا سرا، وقال فوتيل للصحفيين إنه يشعر "بقلق بالغ إزاء الحفاظ على الزخم في سوريا، وأننا يمكن أن نتحمل عبئا أكبر" . وبقراءة ما بين السطور فإن هذا يعني إرسال مزيد من القوات البرية الأمريكية، وقد رفع الأمريكيون بالفعل وتيرة الهجوم على الموصل في العراق، وقاموا بتحريك القوات للاقتراب من الجبهة بشكل أقرب مما كانت عليه قبل عامين خلال الحرب على داعش.

ظهرت تهديدات في خضم تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهزيمة داعش، وطلبه من البنتاغون تقديم خطة جديدة لعمل ذلك. ما تخشاه الولايات المتحدة أن يدخل حلفاؤها الأكراد في سوريا في صراع مع حلفائها الأتراك، وقد كان ذلك صداعا في رأس المخططين الأمريكيين ولا سيما في وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية، حيث إن وجود أجندات متباينة وأصدقاء مختلفلين يمكن أن يؤدي إلى سياسة متناقضة. فمن جهة تعد تركيا أحد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وشريكا للناتو، ولهذا السبب توجه مايك بومبيو إلى تركيا في التاسع من شباط/ فبراير بعد مدة قصيرة من أدائه اليمين مديرا لوكالة المخابرات المركزية، لكن في الوقت نفسه تعزز وزارة الدفاع علاقاتها مع الأكراد وتزودهم بالعربات والمعدات الأخرى.

توقعت تركيا أن تتحسن العلاقات مع إدارة ترامب، لكنها تريد أيضا اختبار الإدارة لمعرفة مدى توثق هذه العلاقات. ستحاول تركيا دفع قوات " قسد" إلى ما وراء نهر الفرات، لكن الأكراد لن يتخلوا عن منبج بسهولة، ولتجنب حدوث صدام مع تركيا فإنهم قد يعملون مع النظام السوري، وبحسب تقارير أخيرة فقد سلموا بعض القرى إلى الجيش السوري، لأنهم يعرفون أن تركيا لا تريد الانجرار إلى اتصال مباشر مع النظام أو حليفه الروسي.

يصف أردوغان القوات الكردية في سوريا بالإرهابية، وقال في مقابلة أجريت معه أخيرا "من المستحيل أن تقبل تركيا بوجود إرهابيين مسلحين على طول حدودها". على أن الإشارة إلى المقاتلين الأكراد الذين تتعاون معهم الولايات المتحدة بالإرهابيين يضع تركيا في خلافات شديدة مع الولايات المتحدة. ترغب تركيا في تشجيع صناع السياسة الأمريكية على تأييد هجوم الجيش السوري الحر المدعوم منها على الرقة، لكن الناظر إلى خريطة سوريا يعرف أن مثل هذا الهجوم لا يمكن أن يحدث إلا من خلال طرد القوات المدعومة من الأكراد، وقطع الدعم الأمريكي عنها.

هل تتجه أنقرة نحو الصدام مع واشنطن حول الخطوة التالية؟ على الطرفين أن يسيرا بحذر، فمع اقتراب هزيمة داعش سيكون هناك تدافع لملئ الفراغ الذي تخلفه. إن وجود القوات التركية والأمريكية الخاصة والطائرات الحربية والعربات المدرعة على مسافة قريبة للغاية من بعضها بعضا يمكن أن يؤدي إلى حوادث على غرار حادثة إسقاط الطائرة الروسية بالقرب من الحدود التركية في عام 2015.

على أن الصورة الأوسع هي أن تركيا تريد أن ترى إلى اي مدى سيذهب دعم ترامب إلى حلفاء أمريكا الأكراد. التزم ترامب وكبار مستشاريه العسكريين والسياسيين الصمت إزاء الدعم الذي سيقدم للأكراد، لكن بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، يدرك جيدا الدور الرئيس الذي لعبه الأكراد في سوريا.

تملك تركيا أوراقا أخرى يمكن أن تتحدى بها سياسيات ترامب، ففي شمال العراق شنت تركيا غارات جوية على البي كي كي، كما تحتفظ تركيا بقواعد في كردستان العراق. تريد تركيا حماية العرب والتركمان السنة في شمال العراق، في الوقت الذي توثق فيه الولايات المتحدة تعاونها مع بغداد التي تعارض وجود تركيا. تهدف تركيا إلى إقامة منطقة نفوذ، وسوف نرى إلى مدى يمكنها أن تدفع في هذا الاتجاه حتى لو كان على حساب سياسة الولايات المتحدة.

في السادس من مارس أخذت التطورات حول منبج، بؤرة الاهتمام التركي، منعطفا جديدا حين أعلن البنتاغون أن قوات أمريكية كانت موجودة على أطراف المدينة لمنع أي اشتباك بين الأطراف باستثناء قتال داعش. التقطت صور لطابور من الدرعات ترفع العلم الأمريكي بالقرب من منبج، ووزعت على وسائل الإعلام، وقال المتحدث باسم البنتاجون جيف ديفيس "إنها دليل واضح على طمأنة تركيا". هذا التطور إلى جانب التقارير التي تتحدث عن أن روسيا والنظام السوري يخططان لنشر قوات الجيش السوري لإقامة منطقة عازلة بين قوات قسد والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، يخلق وضعا معقدا يهدف إلى منع تركيا من اتخاذ مزيد من الإجراءات. لكن مع وجود قوات النظام السوري، وقسد والقوات الأمريكية والتركية والجيش السوري الحر على مقربة شديدة من بعضها ينمي الصراع بين الأطراف الذي قد تستفيد منه جماعات المعارضة مثل المتمردين المحليين، علاوة على أن هذا الاضطراب سيكون محل ترحيب من داعش. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس