د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس

القرار الأمريكي الأخير والذي يمنع ركاب رحلات قادمة من الشرق الأوسط من حمل أجهزتهم الآلكترونية في مقصورات المسافرين بذريعة الإرهاب، لا يمكن فهمه إلا من خلال استهداف خطوط طيران إقليمية ناجحة وتتوسع: الإمارات، القطرية، الاتحاد والتركية لمصلحة شركات أمريكية عجزت عن منافستها. 

‏صور كثيرة وقرائن عديدة ودلائل ترفع علامات استفهام وإشارات تعجب على ما يسمى الحرب على الإرهاب: أهدافها، أدواتها، مراميها وغاياتها. فكيف يزعم من يحارب الإرهاب أنه يحارب الإرهاب ثم يقترف مجازر واسعة وممارسات إرهابية كبيرة واستهداف للمدنيين والأبرياء كما تفعل روسيا في سوريا والتحالف وأدواته في الرقة والموصل وغيرهما؟ كما إن هناك الكثير من الشكوك حول العمليات الإرهابية التي حدثت في أوربا والتي تشكل غطاءا للتدخل العسكري في المنطقة من خلال اختلاق المبررات وحشد الرأي العام المحلي.

فغالبية منفذي تلك العمليات أصحاب سوابق جنائية وسجلات إجرامية وكانوا تحت مراقبة الأمن وأجهزة الاستخبارات.

‏السلطات التركية سلمت العديد من المشبوهين لدول أوروبية كفرنسا وبلجيكا والتي عمدت لإطلاق سراحهم ليشاركوا بعيدها بعمليات إرهابية. إعلان أوباما عشية تشكيل التحالف الدولي صيف 1994 بأن الهدف هو تطويق داعش وليس تدميرها، والإعلان المتكرر بأن القضاء على داعش يحتاج لعقود من الزمن، قدرات داعش المالية والتسليحية والفنية وعدم استهداف قوافلها وهي تنتقل في الصحاري المكشوفة واستهدافها فقط في المدن والأحياء السكانية المكتظة، أمور تثير شكوك وريبة عميقة.

وجاء مشروع جاستا الأمريكي والذي يستهدف اقتصاديا دولا وقفت بكل أمكانياتها مع ما يسمى بالحرب على الإرهاب، ليصب في مصلحة الرأي القائل إن هدف تلك الحروب هو الاقتصاد واستحواذ الثروات. ثم توالت تصريحات ترامب لتتحدث عن حق الولايات المتحدة في نفط العراق -مكافأة لها على تدميره بحجة تحريره- وعن حق واشنطن في مشاطرة دول الخليج ثرواتها مقابل الحماية التي تقدمها لها، لتدفع في نفس الإطار، الثروات هي الهدف!!

‏العالم الذي يزعم أنه يحارب الإرهاب يقف داعما لحفتر على الرغم من أن الرجل تمرد على الاتفاق الدولي وانفضحت علاقاته وتنسيقه مع داعش ليبيا دون أن يحرك ذلك عند أحد ساكنا، بل إن المجتمع الدولي لم يتحرك أمام انتهاكات قواته وتمثيلها بالجثث ونبش القبور وإعداماتها الميدانية. مقابل كل ذلك يزداد الحديث عن دور سياسي للرجل والذي طلب من روسيا القيام بحملات جوية ضد مدن ليبية. ليس المهم الممارسات الإرهابية بل الآبار النفطية ومشاريع الهيمنة عبر إعادة الإعمار وصفقات التسليح ووضع ليبيا تحت الوصاية الدولية وتقاسم ثرواتها وخيراتها بين القوى العالمية.

‏مقارنة بين الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع السيسي وأردوغان تشدد على البعد الاقتصادي فيما يجري على الساحة الدولية. فالانقلابي الذي جاء بالإرهاب لمصر ودمر اقتصادها واقترف المجازر والذي كان من ضحايا نظامه الايطالي ريجيني المقتول تعذيبا، يلقى قبولا وتزروه ميركل وغيرها، فالمطلوب هو عقد الصفقات التسليحية الضخمة والهيمنة على الاقتصاد وإبقاء دولنا تابعة وخانعة ومستهلكة. أما تركيا أردوغان، فعلى الرغم من محاربتها الإرهاب ووقوفها بوجهه بحزم وعزم، فهي تحارب دوليا وغربيا بأساليب متعددة ومختلفة. فمن حرب إعلامية وسياسية على تركيا ورئيسها المنتخب ديمقراطيا أوردغان، إلى دعم الجماعات الكردية الإرهابية الانفصالية إلى تحذيرات أمنية للسائحين والزائرين. الحرب على تركيا مرده النجاح الاقتصادي والتقني لتركيا والتي يؤهلها لإن تكون بمصاف الدول المتقدمة عالميا، وهو أمر مرفوض ومحارب بشراسة من دول تريد أن تتمتع برخاء اقتصادي ولو على حساب معاناة شعوبنا وتدمير مدننا وتشريد شعوبنا.

‏روسيا في سوريا، كما قوات التحالف في سوريا والعراق، وصراع النفوذ في ليبيا واليمن والتعامل مع إيران، تتعدد اللافتات والذرائع والأهداف المعلنة، غير أن السعي لبلورة استعمار جديد ينهب الثروات ويستحوذ على القدرات الاقتصادية هو السبب الحقيقي. وإذا كان الوصول لذلك الهدف يستدعي صناعة إرهاب مفبرك أو حتى ممارسات إرهابية كما يحدث في سوريا والعراق بذريعة محاربة الإرهاب، فلا غضاضة ولا حرج وهي أمور نراها يوميا وبشكل صريح وفاقع!! قد تتواجه القوى العالمية وعلى رأسها روسيا وأمريكا في منطقتنا وعلى أشلائنا وقد تتوافق على تقاسم النفوذ، غير أننا في بداية المطاف وخاتمته الضحايا، شعوبا تمزق وتهجر وتجوع ومدن تدمر وبنى تحتية تقوض وحاضر يغتال ومستقبل يستهدف!!   

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس