جلال سلمي - خاص ترك برس

مع بزوغ ملامح للتعاون الروسي الكردي في بلدة "عفرين" الخاضعة للسيطرة الكردية، والمحاذية للحدود التركية، أضحى السؤال الذي يطرحه المهتمون هو؛ هل هذا التعاون تكتيكي مؤقت، أم استراتيجي يحمل في طياته الاستمرارية؟

تميزت ردة فعل أنقرة على رفع عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي لصورة "عبد الله أوجلان" أمام الجنود الروس الذين أصبحوا متواجدين في بلدة "عفرين"، خلال احتفالات عيد "النوروز" في 21 مارس/ آذار 2017، باستخدام لغةٍ لاذعةٍ عكست حجم التوتر القائم بين تركيا وروسيا.

بالرغم من الاعتراضات التركية الشديدة، سمحت "موسكو" لحزب الاتحاد الديمقراطي بفتح مكتب تمثيلي له في موسكو خلال الشهر الماضي، وحتى بعد زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي طالب خلالها بغلق المكتب، لم تُغلق موسكو المكتب التمثيلي.

وفي لقائه مع موقع الجزيرة باللغة التركية، رأى الخبير الاستراتيجي إيمره أرشان، الأستاذ في قسم العلاقات الدولية بجامعة مرمرة التركية، أن السياسة التي تقوم بها روسيا حيال التعاون مع وحدات الحماية الكردية، هي سياسة "براغماتية" ـ سياسة ضرورات ـ جاءت على إثر المسعى الروسي لموازنة الدعم الأمريكي الموجه لهذه القوات، وكسب بعض النفوذ في تحركاتها العسكرية والسياسية.

وأضاف أرشان أن السياسة "البراغماتية" غير مناطة بروسيا فقط، بل هناك حاجة بينية متبادلة بين الطرفين، فالاتحاد الديمقراطي أيضًا ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها تستخدمه كقوة ميدانية لتحقيق أهدافها، ويعتقد أنها قد تتخلى عنه في الوقت الذي يحدث تقارب بينها وبين تركيا الرافضة لتمدد قواته.

وشدد على أن اقتناع روسيا بعدم قدرة النظام على بسط سيطرته بالكامل على الأراضي السورية، هو ما دفعها، بشكل أساسي، نحو النظر في التعاون مع قوات رديفة يمكن تحويلها لقوات محالفة تفي بغرض إبقاء السيطرة المطلوبة.

وأوضح أرشان أن عدم رغبة روسيا في فقدان تركيا بالكامل، قد يدفعها إلى الحفاظ على الكانتونات الكردية منفصلة، لأن بقاءها منفصلة من صالحها هي أيضًا، مبينًا أن توحيد حزب الاتحاد الديمقراطي للكانتونات يؤثر سلبًا في ميزان القوى بينه وبين النظام السوري، وهذا ما تخشى روسيا حدوثه.

ومن جهته، أشار الخبير في شؤون الشرق الأوسط "ألكسندر سوتنيجانكو"، الأكاديمي في جامعة سان بترسبورغ سابقًا، إلى أن روسيا شعرت بالسخط على الدعم الأمريكي السخي لوحدات الحماية الكردية، وبدأت تشعر أن زمام السيطرة الميدانية والسياسية يخرج من يدها، لذا شرعت في تقديم الدعم المباشر لوحدات الحماية الكردية، بُغية إبقائها تحت سيطرتها، والحيلولة دون تمكن الولايات المتحدة من تحقيق هدفها في تقسيم سوريا إلى قطع جغرافية متناحرة.

وعلى النقيض من رأي أرشان، أوضح الباحث في منتدى الشرق "غالب دالاي" أن التقارب الذي ظهر بين الطرفين هو تقارب استراتيجي، مؤكدًا أن حزب الاتحاد الديمقراطي يرغب في إنشاء فيدرالية تتمتع باستقلال شبه كامل، أي غير تابعة بالكامل لطرف ما، لذا رأى في الدعم الروسي المقدم له الضامن المستقبلي لما يصبو إليه.

وأردف دالاي أن مسودة الدستور التي طرحتها روسيا لسوريا، والتي تتضمن حق الأكراد في تأسيس كيان كردي ثقافي مستقل، طمأنة حزب الاتحاد الديمقراطي كثيرًا، حيث تلقى الحزب مسودة الدستور على أنها الضامن القانوني الشرعي الاستراتيجي لوجود كيانه المنشود.

ويعدد دالاي الرسائل الأخرى التي أرادت روسيا إرسالها لتركيا عبر نشر قواتها في عفرين، على النحو التالي:

ـ إظهار رغبتها الجادة في إيقاف المواجهات الجارية في سوريا، ويعتبر هذا التحرك مشابهًا إلى حدٍ كبير لما حدث في "منبج".

ـ بوجود قوة دولية ستعجز وحدات الحماية الكردية عن تشكيل تهديد لتركيا، أي رسالة طمأنة.

وعن التحرك الأمريكي الكردي المشترك في عملية الرقة، يؤكد دالاي وأرشان أن النقطة المهمة بالنسبة لروسيا اليوم لا تكمن في القوة التي ستحرر الرقة، بل القوة التي ستدير تلك المناطق بعد القضاء على "داعش"، فالخلاف الأمريكي الروسي سيظهر بوضوح بعد انتهاء العملية العسكرية ضد "داعش"، والأمر متعلق بمسار المفاوضات، ومقدار الأوراق المؤثرة التي تملكها البلدان.

تركيا تقبل بسيطرة النظام على مدينة "الرقة"، لكن من المستحيل أن تقبل بسيطرة وحدات الحماية الكردية، وقد تتجه نحو التصعيد عبر حرب "الوكالة" في حال مُنحت إدارة الرقة لوحدات الحماية، بذلك يعلق الخبراء المذكورون على الموقف التركي المتوقع حيال مستقبل الرقة.

يذكر أن روسيا ووحدات الحماية الكردية وقعتا اتفاقية، خلال الشهر الجاري، تنص على منح القوات الروسية الحق في إقامة مواقع عسكرية في مدينة عفرين، بغرض الحفاظ على عملية وقف إطلاق النار بحسب ما أوضحته وسائل الإعلام المحسوبة على الطرفين.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس