جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد اتخاذ المجلس المحلي لكركوك بقيادة محافظ المدينة، كريم نجم الدين، ذو الأصول الكردية، قرارًا يقضي برفع علم إقليم كردستان في العراق، ظهرت للسطح أزمة محتدمة بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية، ووفقًا للتطورات الميدانية يتوقع أن تتجه الأزمة نحو التصعيد.

وفيما يطالب الأكراد المقيمون في كركوك بانضمام المدينة إلى إقليم كردستان، يطالب التركمان والعرب بمنح المدينة إدارة ذاتية.

وفيما يتعلق بالموقف التركي من قضية كركوك، فإن الحكومة التركية ترى ضرورة التصرف بحكمة فيما يخص مصير المدينة، وتدعو إلى عدم سيطرة قومية واحدة بشكل كامل على المدينة. وينبع اهتمام الحكومة التركية بوضع المدينة من احتوائها لعددٍ من المواطنين التركمان الذين تعود أصولهم إلى القومية التركية، بالإضافة إلى أن هناك خط كركوك ـ جيهان الذي تم إنشاؤه عام 1977، والذي ينقل ما يقارب 70.9 مليون طن من النفط العراقي إلى تركيا، فأمن المدينة وبقاؤها على حالها يشكلان أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا.

وردًا على تطورات الأزمة، دعت وزارة الخارجية التركية، في بيانها الصادر في 28 مارس/ آذار 2017، الأطراف إلى ضبط النفس والتفاهم، واصفة قرار رفع العلم بأنه قرار غير قانوني، كونه صدر عن مجلس المدينة من دون حضور عربي وتركماني.

وأوضحت الوزارة أن هذه التصرفات ستضر بأمن واستقرار الدولة العراقية، مشيرةً إلى أن على المسؤولين العراقيين التعلم من أخطاء الماضي التي أدت إلى نتائج سلبية جدًا.

ووفقًا للباحث في شؤون الشرق الأوسط، سرحات أركمان، فإن الأزمة في الأساس تعود إلى نسبة الحصص النفطية، فبعد سطو "داعش" على الموصل وبعد المناطق في كركوك، انسحب الجيش العراقي من كركوك بالكامل، مما أتاح الفرصة أمام حكومة كردستان العراق للسيطرة على المدينة، وإخراج النفط بشكلٍ منفصل عن الحكومة المركزية، بل وتوقيع اتفاقية مع تركيا لتصدير نفط المدينة من خلالها نحو الدول الأوروبية.

ويُذكر أركمان، في تصريح صحفي لوكالة الأناضول، أن الحكومة المركزية هددت الأطراف المتعاقدة مع حكومة كردستان برفع القضية إلى مجلس الأمن والمحكمة الدولية، ولكن ذلك لم يفلح في إرجاع تركيا عن الاتفاقية المبرمة مع حكومة الإقليم، مضيفًا أن الأمر تم حله من خلال اتفاق بغداد وأربيل على تقاسم عائد النفط، مقابل إعادة بغداد دفع ميزانية أربيل بالكامل.

ويوضح أركمان أن الأمر غير متعلق بحكومتي الإقليم وبغداد فقط، بل يشمل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب المنافس للحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم، فحزب الاتحاد الوطني الكردستاني يرى أن النفط يجب أن يتم تصديره عبر إيران وليس تركيا. وفي آذار/ مارس الماضي، سيطرت قوات البيشمركة التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني على أحد مراكز شركة الشمال للنفط التابعة للحكومة المركزية في أطراف كركوك، مطالبةً إياها بتأسيس محطة استخراج نفط جديدة في كركوك.

ويشير أركمان إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني أراد من خلال ذلك إحراز سيطرة نسبية على بعض كميات نفط المدينة، للحيلولة دون احتكار الحزب الديمقراطي الكردستاني السيطرة الكاملة على مفاصل الأمور.

وربما تزامن تحرك قوات الاتحاد الوطني مع إعلان الحكومة العراقية، في 22 فبراير/ شباط، عن التوصل إلى اتفاق لنقل نفط كركوك عبر خطٍ يمر بأراضيها، يُشير إلى اليد الإيرانية في المسألة.

ويتوقع أركمان رجوع الاشتباكات التي جرت بين قوات الحشد الشعبي والبيشمركة خلال العام الماضي، كتلك التي حدثت في محيط "طوز خارماتو"، إلى الساحة، منوّهًا إلى أن المواطنين التركمان والعرب المقيمون في المدينة يشعرون اليوم بالاستياء من تجاهل إقليم كردستان العراق لمطالبهم، لذا قد يلجأون إلى خيار الانضمام إلى قوات الحشد الشعبي أو تأسيس قوات منفصلة، الأمر الذي يعني المواجهات الساخنة المستمرة في كركوك ومحيطها.

وتعليقًا على الأزمة، يوضح الباحث المختص في الشأن العراقي، بيلجاي دومان، عبر مقاله "هل الأزمة هي أزمة علم فقط؟"، الجزيرة ترك، أن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، يريد تخفيف حدة النفوذ الإيراني في العراق على وجه الخصوص، لذا قد يرى خطوة استقلال الإقليم في صالحه، مبينًا أن ضم كركوك ذات المكونات الديمغرافية المختلفة إلى الإقليم الذي قد يجري استفتاء على الاستقلال، سيحول المنطقة إلى منطقة ساخنة على المدى البعيد، ولا بد لتركيا من التدخل في الأزمة من خلال إقناع بارزاني بالعدول عن قرار ضم المدينة إلى الإقليم، والضغط عليه من خلال التلويح بالورقة الاقتصادية، وورقة دعم حقوق التركمان بكافة الوسائل.

يُذكر أن المادة 140 من الدستور العراقي الذي تم تحضيره بتوجيه أمريكي، تقضي بأن يتم "تحديد مصير كركوك عبر استفتاء شعبي، بعد أن يعود أهالي المدينة التي تم تهجيرهم قسرًا إبان حكم صدام إليها، وعقب أن يتم إجراء إحصاء رسمي للسكان الموجودين في المدينة". لكن على الرغم من الاستعداد لإجراء التصويت على الدستور في ديسمبر 2007، إلا أنه لم يتم إجراؤه، وبقيت كركوك غير محددة المصير حتى يومنا هذا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!