مراد بردقجي - صحيفة خبر تورك - ترجمة وتحرير ترك برس

إذا سألني أحدهم "ما هي أكثر المدن التي أثخنتها الجراح والآلام والمعاناة في المناطق التي سكنها الأتراك؟" فأول ما يتبادر إلى ذهني هي كركوك...

بدأ حزنٌ آخر يخيم على سماء كركوك خلال الأسبوع الماضي: حيث قرر مجلس محافظة كركوك رفع علم إقليم كردستان على المؤسسات الرسمية إلى جانب العلم العراقي. 

سوف أتطرق في السطور التالية إلى أبرز الكوارث التي شهدتها مدينة كركوك؛ التي هي في الواقع من أوائل المناطق التي أقام فيها الأتراك قبل مجيئهم إلى الأناضول: 

تعرضت كركوك خلال العهد الملكي في العراق، إلى سياسة تعريب استمر تطبيقها خلال فترة حكم البعث. سعت الحكومات المتعاقبة في العراق على توطين مواطنيها من الإثنية العربية في المناطق ذات الغالبية التركية ومنعت مواطنيها الأتراك من بيع أو شراء العقارات تدريجيًا، وعزلت عددًا من الأقضية والنواحي وضمتها لمحافظات أخرى، كما أجبرت مجموعات من مواطنيها من الأتراك للهجرة تدريجيًا نحو المناطق الجنوبية، حيث تم تهجيرهم نحو البصرة. في الوقت الذي عمد فيه صدام حسين على تغيير اسم كركوك، وحولها إلى "التأميم". 

عمد نظام البعث على تزوير نسبة السكان في المنطقة. وشدد على أن الأتراك العراقيين لا يشكلون إلا اثنين في المئة من عدد السكان، رغم أنهم يمثلون نحو 10 بالمئة. وبعد سقوط صدام؛ كان أول عمل أقدمت عليه قوات البشمركة هو إضرام النار في دائرة التسجيل العقاري بكركوك، لينقلوا إلى المدينة فيما بعد عشرات الآلاف من "الناخبين المتنقّلين". 

مذبحة 14 تموز/ يوليو 1959 

بدأت المذابح ضد أتراك العراق عام 1920. وفي 4 أيار/ مايو 1924، قامت القوات العراقية ومن دون أي سبب بمداهمة منازل الأتراك وقتل أكثر من مئة مواطن منهم. وفي 12 تموز/ يوليو 1946، واجهت قوات الأمن احتجاجات سلمية لعمال من أتراك العراق في شركة نفط كركوك، احتجوا لتحسين أحوالهم المعيشية، بالحديد والنار، فيما يعرف بأحداث كاورباغي. ولكن المذبحة الرئيسية والأكبر هي التي وقعت في 14 تموز/ يوليو 1959. حيث قتل رجال والد مسعود بارزاني، الملا مصطفى بارزاني، تركيًا من سكان كركوك، ما أدى إلى حالة من الغليان، أرسل الجيش العراقي على أثرها وحدات مدرعة إلى المدينة وأعلن حظر التجول فيها. فيما بدأ الجنود العراقيون ومسلحو البشمركة، جنبًا إلى جنب، بقتل كل من ثقفوه في شوارع المدينة، واستباحوا كركوك للنهب مدة ثلاثة أيام...

لم تنتهي آلام هذه المدينة بعد... فبقرار من صدام حسين، تم في 16 كانون الثاني/ يناير 1980 إعدام باقة من مثقفي كركوك ومفكريها. وفي عام 1992 تم إعدام مجموعة من المدنيين في قضاء طوزخورماتو ميدانيًا، وتجريف الآثار التركية في القضاء والتي يعود عمرها لمئات السنين، فيما استخدمت القوات العراقية الطائرات المروحية والمدافع لقصف الأهالي الذين حاولوا الفرار نحو الحدود التركية، فيما قامت بإعدام المئات من سكان كركوك الأتراك، الموجودين في مدينة التون كوبري الواقعة بين أربيل وكركوك، بحجة "التمرد"!. 

هذا هو الكابوس الذي عاشه أتراك كركوك طيلة 80 عامًا وهذا الكابوس ما زال مستمرًا...

أنقرة والشأن الداخلي العراقي 

انطلاقًا من جملة مخاوف اقتصادية، اعتبرت أنقرة ومنذ عام 1930، كل ما يحدث في كركوك على أنه "شأن داخلي عراقي لا ينبغي التدخل فيه"، وتابعت جميع تلك التطورات بكثير من "عدم الاكتراث"، لا سيما المجازر الكبرى التي تعرض لها التركمان (أتراك العراق) خلال أحداث تموز/ يوليو 1959. جميع تلك المآسي تم تجاهلها ولم تجد صداها في الإعلام التركي وعلى صفحات الإعلام المطبوع. لم نكن مدركين حجم تلك المأساة، وخصوصًا الشق المتعلق بحوالي مليون تركي من مواطني العراق. تركيزنا في ذلك الوقت كان منكبًا على النفط فقط. نفط الموصل وكركوك... 

أول تصريح تركي شديد اللهجة طوال تاريخ الجمهورية حول كركوك، جاء في كانون الثاني/  يناير 2005، من قبل رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسًا للوزراء آنذاك، وذلك بعد سيطرة الجماعات الكردية على المدينة. حيث طالب أردوغان الجماعات الكردية بوضع حدٍّ لممارساتها ضد سكان كركوك بشكل فوري. فيما قال النائب الثاني لرئيس هيئة أركان الجيش التركي آنذاك، إيلكر باشبوغ: "إن حماية الوضع الخاص لكركوك يشكل أهمية حيوية بالنسبة لتركيا". محذّرًا الجماعات الكردية المسلحة في كركوك من "اتخاذ أي خطوة خاطئة".

هكذا كانت تلك الأيام وهكذا وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم... 

ويقول أحد شعراء كركوك في قصيدة كتبت باللهجة التركية المحلية هناك: "كركوك والموصل مثل خراسان / ذهبت ولم يبقَ منها سوى الذكرى/ عندما تخلدون إلى النوم حاولوا أن تحلموا بهما/ فلربما لن ترونهما إلا في الأحلام مجددا". 

كل ما آمله هو ألا يتحقق ما ذهب إليه الشاعر في شعره، وألا يتحول الأتراك الذين سكنوا مدينة كركوك لأكثر من ألف عامٍ ونيف إلى استحضار ذكرى تلك المدينة العامرة في الخيال والأشعار فقط... 

عن الكاتب

مراد بردقجي

كاتب في صحيفة خبر ترك


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس