متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

يبدو أن أوكرانيا أصبحت شريك تركيا الجديد في التكنولوجيا الدفاعية، حيث تزدهر العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأوكرانيا فى مجالات الدفاع والتعاون العسكري. وكانت آخر التطورات في هذا المجال زيارة  قائد القوات البحرية الأوكرانية، الجنرال إيجور فورتشينكو، والوفد المرافق له تركيا من 19 وحتى 22 من نيسان/ أبريل الماضي.

زار فورونشينكو أحواض بناء السفن في غولتشوك، حيث بنت تركيا طرادات وكورفيت من درجة الفرقاطة، مثل الطراد أدا، وبويوك أدا، وبورغاز أدا وسلمتهم إلى البحرية التركية في عامي 2011 و2013، ويجري العمل في بناء الفرقاطة كيناليادا. شارك أفراد من البحرية التركية والأوكرانية في عمليات الشراكة البحرية في أوراسيا  في المدة من 3 وحتى 7 أبريل في ميناء أوديسا الأوكراني. وزارت البحرية التركية ميناء باتومي في جورجيا، وميناء نوفوروسيسك الروسي، و كونستانتا الروماني،وفارنا البلغاري، وأجرت تدريبات للدفاع الجوي مع البحرية الأوكرانية في أوديسا.

وفي الوقت نفسه، تكررت الزيارات رفيعة المستوى لمسؤولين في الصناعات الدفاعية بين تركيا وأوكرانيا. ومن المتوقع أن يرتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 3.7  مليار دولار في عام 2016، إلى 20 مليار دولار في غضون خمس سنوات بعد توقيع  اتفاق التجارة الحرة. وتشمل مشاريع صناعة الدفاع المتبادل تكنولوجيا الأقمار الصناعية والسفن الحربية، ونظم الملاحة والرادارات، وتكنولوجيا المحركات والصواريخ متعددة المراحل،وأنظمة الصواريخ الباليستية، ومحركات الصواريخ المزودة بالوقود الصلب، والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وصواريخ كروز.

عندما أوقفت النمسا في الآونة الأخيرة الدعم التكنولوجي لمحرك الدبابة التاي التي تصممها وتنتجها  تركيا باستخدام التكنولوجيا المحلية أساسا، تحولت أنقرة إلى أوكرانيا. زار رئيس الوزراء الأوكراني، فلاديمير جروسمان، تركيا في الرابع عشر من آذار/ مارس الماضي،ووقع البلدان مذكرة تفاهم مبدئية تعرض فيها أوكرانيا على تركيا محرك الدبابات الأوكراني 6TD-3.

ما الذي شجع هذا التطور السريع للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا العسكرية بين تركيا وأوكرانيا؟

السبب الأول جيوسياسي، فعلى عكس دول الناتو والدول الأوروبية الأخرى، فإن تركيا تقع إلى جوار روسيا وأوكرانيا، ولذلك فهي دائما حريصة على تحقيق التوازن بين علاقاتها معهما.

والسبب الآخر هو الجغرافيا السياسية للبحر الأسود. ويرى ديفريم يايلالي،الخبير في صناعة الدفاع البحري أنه على الرغم من أن البحر الأسود يبدو وكأنه بحر داخلي، فإنه يشهد حركة مرور كثيفة نابضة بالحياة قادمة من أنهار أوروبا وروسيا وأيضا من مضيق تركيا. وقد أدى الاجتياح الروسي لجورجيا في عام 2008 وجزر القرم في عام 2014 إلى تعقيد السياسات الأمنية للبحر الأسود. لأوكرانيا ساحل طويل في البحر الأسود، ومساهمتها في أمن البحر الأسود مهمة لتركيا.

بالنسبة إلى أوكرانيا، فإن دور تركيا في تقييد روسيا في البحر الأسود، ودعم عضوية أوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي يعد أمرا بالغ الأهمية لها.

وأضاف يايلالي أن "تركيا لا ترغب في أي وجود بحري في البحر الأسود لدول لا تطل عليه؛ ولهذا السبب فمن الأهمية بمكان بالنسبة إلى تركيا أن تحافظ على علاقات جيدة ولا سيما مع قوات الحرس البحري وخفر السواحل في جميع الدول المطلة على البحر الأسود. وهذا ما تجلى في زيارة البحرية التركية لجميع دول البحر الأسود خلال تدريبات نجم البحر 2017".

ثمة دافع آخر لتركيا وأوكرانيا للتعاون، فكلاهما ترغبان في تقاسم التكنولوجيا العسكرية لتوسيع صناعات الدفاع المحلي وتعزيزها، حيث أن أيا منهما لا تملك الاكتفاء الذاتي من الصناعات الدفاعية.

وأوضح يايلالي أن البحرية الأوكرانية ضعيفة، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي لم تضف أوكرانيا أي سفن جديدة إلى بحريتها. وبعد احتلال روسيا جزر القرم في عام 2014 واستيلائها على بعض سفن البحرية الأوكرانية، لم يعد لدى أوكرانيا سفن بحرية يمكن ذكرها. قبل عام 2014 ذهبت السفن الحربية الأوكرانية إلى البحر المتوسط ومرتين إلى خليج عدن لدعم عمليات الناتو، لكن اليوم لم يعد خروج السفن الأوكرانية من البحر الأسود سوى حلم.

يتعين على أوكرانيا من أجل الدفاع عن مصالحها البحرية أن تقوم باستثمار كبير،وبمقدورها شراء سفن عسكرية من بلدان الناتو أو بناؤها في أوكرانيا. وهذا يفسر اهتمام أوكرانيا بالخبرة التي اكتسبتها تركيا في بناء السفن الحربية محليا. ويمكن لتركيا أن تقدم إلى أوكرانيا الدعم التقني لتصميم السفن الحربية وإنتاجها  في أحواض بناء السفن الخاصة بها، كما يمكن لتركيا أن تزود السفن التي يمكن أن تبنيها أوكرانيا بأنظمة أسلحة حلف شمال الأطلسي القياسية، وأجهزة الاستشعار والرادارات.

ووفقا لأردا مولود أوغلو الخبير في الصناعات الدفاعية، فإن أوكرانيا تمتلك قدرات متطورة في الحرب الإلكترونية، وتكنولوجيا الرادار والمحركات، مشيرا إلى أن احتياجات تركيا العاجلة من أوكرانيا هى محركات الديزل.

وأضاف: "عندما لم تتمكن تركيا من بيع مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع لأذربيجان- بعد أن أوقفت ألمانيا  لأسباب سياسية  مبيعات محركات مدافع الهاوتزر لتركيا - بدأت تركيا تتطلع إلى أوكرانيا كمصدر بديل للمحركات".

تمتلك أوكرانيا أيضًا معرفة وخبرة كبيرتين في العلوم الأساسية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وتطبيقاتها، في مقابل تراجع تركيا في هذه المجالات. وقد بدأ البلدان العام الماضي مشروعات لتطوير نظم السونار المشتركة، ولديهما أيضا برامج لتبادل الطلاب، وخاصة في المجالات الهندسية اللازمة في صناعة الدفاع.

ولا ينبغي بطبيعة الحال تجاهل الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا؛ فمعظم الغاز الطبيعي الذي تشتريه أنقرة من روسيا يصل إلى تركيا عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا.

ما أصبح واضحا هو أن أوكرانيا أقرب شريك ممكن وأكثر استعدادا لمساعدة تركيا على التغلب على توقف  نقل التكنولوجيا العسكرية من الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الخلافات السياسية المتكررة. وقال مولود أوغلو  ‘إن "أوكرانيا عانت من خسائر هائلة في الموارد الاقتصادية والبشرية جراء الاشتباكات المستمرة منذ عام 2014 وضم روسيا لشبه جزيرة القرم". وقد نهبت أجهزة الاستخبارات الروسية الكثير من صناعاتها الدفاعية أو سقطت بسهولة  في يد روسية، لأنها كانت موجودة  في شبه جزيرة القرم . ولهذا يجب أن نتساءل ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على الوفاء بوعودها بالتعاون الاستراتيجي. ولهذا السبب سيكون من الحكمة أن تركز أنقرة على ما يمكن أن تقوم به أوكرانيا بدلا مما وعدت به".

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس