متين غورجان - صحيفة المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس 

من بين الموضوعات الرئيسة التي طرحت خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فى 23 و24 يوليو الحالي للسعودية والكويت وقطر استمرار الوجود العسكري التركي فى قطر. وتتضمن المطالب العشر التي قدمها الائتلاف الذي تقوده السعودية،والذي قطع علاقاته مع قطر في مطلع يونيو / حزيران الماضي، إغلاق تركيا قاعدتها العسكرية في قطر.

ورفضت الدوحة وأنقرة بشدة هذا الطلب بوصفه "انتهاكا للحقوق السيادية". وأثنى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في خطابه الذي وجهه إلى الأمة  في 21 يوليو/ تموز على موقف تركيا في أزمة الخليج قائلا: "نعرب عن امتناننا لتركيا لسرعة تنفيذها لاتفاق التعاون وتلبية احتياجاتنا الأساسية".

وتعاني قطر من العقوبات التي تفرضها السعودية والإمارات والبحرين ومصر التي فرضت حصارا جويا وبحريا وبريا على قطر بحجة دعمها للإرهاب، وهو ما تنفيه قطر.

قلت في مقالي الذي نشرته المونيتور في 12 يونيو/ حزيران، "إن الجيش التركي سيحمي النظام القطري إذا لزم الأمر"، وأكدت على أن بقاء النظام القطري والمصير الشخصي لأميرها الذي قدم  لأردوغان أقوى دعم في مواجهة الانقلاب العسكري الساقط قبل عام، يعد مسألة حيوية لتركيا. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل أنقرة عازمة على توسيع نطاق شراكتها العسكرية الاستراتيجية مع قطر.

وصل عدد الجنود الأتراك  في مقر القيادة التكتيكي المشترك في الدوحة إلى 300 جندي، وهناك سرية من لواء الكوماندوز الثاني، وسرية مشاة ميكانيكية من الفيلق الخامس ومدفعا هاوتزر عيار 155 في القاعدة التركية، وهي الآن فرقة عمل على مستوى الكتيبة.

وبحسب مصادر أمنية  في أنقرة تحدثت إلى "المونيتور" فمن المتوقع أن يصبح الوجود التركي في قطر في عام 2018 قوة عمل على مستوى لواء قوامه 3000 جندي. وسيكون للقاعدة التركية ميناؤها  البحري الخاص ومدرج  للطائرات بدون طيار في البداية ثم يطور لطلعات الطائرات الحربية. ومن المرجح بحلول نهاية عام 2018، أن يقوم أفراد من البحرية التركية بدوريات في الخليج وأن تنفذ الطائرات بدون طيار وطائرات نظام الإنذار المبكر  بطلعات جوية فوق المجال الجوي القطري والخليج.

ووفقا للمحلل العسكري جان كاساب أوغلو، فإن نشر 3000 جندي تركي سوف يعادل ما يقرب من ثلث الجيش القطري العامل بأكمله. ومن ثم ففي إطار الاتفاقات الثنائية بين أنقرة والدوحة، يمكن للقاعدة أن تلعب دورا رئيسا في التخطيط الدفاعي لدولة قطر، وكذلك في جدول الأعمال الإقليمي لأمير قطر.

وقال كاساب أوغلو فى تحليل نشره مركز الدراسات الاقتصادية والسياسة الخارجية في يوليو  "إن  من المرجح أن تؤدي عمليات الانتشار التركية المستقبلية في قطر إلى ازدياد حدة التنافس والتوتر في العلاقات التركية الإماراتية. بيد أنه ما دام بمقدور أنقرة فصل علاقاتها مع  دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما مع المملكة العربية السعودية، فإن النزاع السياسي مع  الإمارات سيكون أمرا سهلا".

ووفقا لكساب أوغلو، تمتلك تركيا وجودا عسكريا في المناطق التالية:

- الصومال، من أجل بناء القدرات الأمنية للحكومة الصومالية ،وبعثات الدفاع الداخلي الأجنبية، والمساعدات الإنسانية. وتبني تركيا حاليا قاعدة في الصومال ستكون عند اكتمالها أكبر قاعدة لها في الخارج.

- قطر، للمساعدة في مجال الأمن ، وبناء التحالفات.

- شمال العراق، لعمليات مكافحة الإرهاب، وعمليات الاستطلاع الخاصة، وتدريب البعثات وتجهيزها.

- شمال سوريا، في مدن جرابلس والباب والراعي، من أجل مكافحة الإرهاب وعمليات الاستطلاع الخاص وتدريب البعثات وتجهيزها.
- العاصمة الأفغانية كابول، في بعثة حفظ السلام.

- شمال قبرص، بقوة عسكرية كبيرة  للدفاع الجماعي، والالتزامات الدولية وحماية  السلطة.

- أذربيجان، بقواعد عسكرية وبعثات الدفاع الداخلي الأجنبية.

- لبنان، حيث تعمل عناصر البحرية التركية في قوة الأمم المتحدة المؤقتة.

وليس سرا أن تركيا تناقش إقامة قواعد عسكرية في باكستان وإندونيسيا وماليزيا والمملكة العربية السعودية.  وقد أقرت مصادر في أنقرة بأن المباحثات مع السعودية حول إنشاء قاعدة هناك في الجنوب الذي يسكنه الشيعة، وقاعدة أخرى كميناء بحري قد توقفت بسبب أزمة قطر. ويتساءل الكثيرون عما إذا كان هذان المشروعان قد طرحا خلال زيارة أردوغان للسعودية.

تعتزم تركيا في غضون ثلاث سنوات الانتهاء من بناء سفينة الأناضول الهجومية البرمائية،وحاملة طائرات خفيفة. صممت السفينة بحيث تحمل 10 طائرات مقاتلة من نوع F-35B تنوي البحرية التركية نشرها في عام 2021، بالإضافة إلى الترسانة الجديدة للجيش التركي من المروحيات الهجومية متعددة الأغراض من طراز CH-47 و  T-29 أتاك، إلى جانب كتيبة بحرية مجهزة تجهيزا كاملا لتأمين الجسور البحرية. وسوف يكون المشروع القوة الضاربة لتركيا في البحر المتوسط والبحر الأسود. وقد لفت كثيرون إلى تصريح أردوغان بأن تركيا من بين 10 دول يمكنها بناء السفن الحربية، وأنها مصممة على بناء حاملة طائرات خاصة بها.

وبهذه الخطوات والخطط السياسية الخارجية، تعمد تركيا تدريجيا  إلى تسليح سياستها الخارجية من القوة الناعمة إلى القوة الخشنة.

بين عامي 2006 و 2011،  أقرت تركيا من خلال السياسة الخارجية التي شكلها رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو وفريقه، بأن قيمتها في السياسة العالمية تستند إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي وعمقها التاريخي وقوتها الناعمة.ولكن في عام 2016، بعد استقالة  داود أوغلو ، وازدياد المخاطر الأمنية ولا سيما  في العراق وسوريا، اكتسبت السياسة الخارجية جديدة مكانة بارزة: الاستجابة بفعالية واستباقية وبشكل حازم للمخاطر والتحديات الأمنية من خلال القوة الخشنة.

يُعرف فؤاد كيمان، مدير مركز أبحاث مركز اسطنبول للسياسات وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي، هذا النموذج الجديد بأنه "الواقعية الأخلاقية". هذه الواقعية الأخلاقية، كما يقول كيمان، تجمع بين القوة العسكرية القائمة على القوة والقواعد الإنسانية، بالإضافة إلى معايير جديدة قائمة على القدرات والاستراتيجيات.

الجيش التركي من جانبه راض عن بروز  القوة الخشنة الإقليمية كبديل للدبلوماسية المدنية وبناء التحالف. ومن بين الفروع العسكرية، تجاوزت القيادةُ البحرية الجيش والقوات الجوية في الأدوار والبعثات في هذا النموذج الجديد. وهذا قد يفسر تزايد ظهور الضباط البحريين  خلال زيارات المسؤولين الأتراك لصانعي القرار الأجانب.

كما أن لسياسة استعراض العضلات الخارجية فوائد داخلية لإصلاح العلاقات المدنية والعسكرية التي أصيبت بأضرار بالغة في محاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز وتشجيع القطاعين على العمل معا، كما أن قطاعات أخرى ستستفيد استفادة كبيرة وهي قطاع الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا العسكرية.

وقد تجاوزت العلاقات المتوترة والصاخبة بين القطاعين العسكري والمدني في أنقرة - حول نظام التعليم العسكري والترقيات والتعيينات وعلاقات القوة بين الأركان العامة التركية ووزارة الدفاع وبين أوامر الخدمة - إلى تشكيل السياسة الخارجية وتنفيذها وصناعة الدفاع، والتكنولوجيات العسكرية. إن تحسين العلاقات بين القطاعين الرئيسيين في البلاد  عبر اللجوء إلى السياسة الخشنة في العلاقات الخارجية أمر يرحب به الجمهور المستقطب.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس