صلاح الدين العواودة - خاص ترك برس

عاد التصعيد امس من جهة الرئيس التركي ضد اسرائيل رغم اتفاق المصالحة الذي وقعه الطرفان حزيران الماضي وأثار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غضب قيادة الاحتلال عقب تصريحات له امس الإثنين ، قال فيها :  إنّ "القدس هي أولى القبلتين ومدينة الأنبياء، وهي شرف وعزّ كل المسلمين".

وكان قد أوضح أردوغان في كلمة ألقاها خلال مشاركته في الملتقى الدولي لأوقاف القدس الذي ينعقد بمدينة إسطنبول، أنّه على "كافة المسلمين الإكثار من زيارة القدس والمسجد الأقصى".

وتابع أنه "انطلاقاً من معتقداتنا ومسؤولياتنا التاريخية المتوارثة، فإننا نولي اهتماماً كبيراً للقدس وقضيتها ولكفاح إخوتنا الفلسطينيين من أجل العدل والحق، ونبذل جهوداً مضاعفة لجعل القدس مدينة الأمن والاستقرار والسلام مجدداً".

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها امس أن الرئيس التركي يقول إن وجود القدس تحت الاحتلال يعتبر إهانة لكل المسلمين كما أن العالم الذي يغض الطرف عن المجازر التي تقوم بها إسرائيل يشجعها على الاستمرار بها

ردا عليه قالت وزارة الخارجية : ( إن من ينتهك حقوق الإنسان بشكل ممنهج في بلاده عليه أن لا يقدم لنا المواعظ في الديموقراطية وحقوق الإنسان للديموقراطية الحقيقية الوحيدة في المنطقة وان إسرائيل تحفظ حرية العبادة كاملة للمسلمين والنصارى واليهود في القدس وأنها ستستمر في ذلك رغم التهم التي لا أساس لها كما نص تصريح الوزارة )

كما أنه انتقد قانون المؤذن قائلا أن من العار أن يتم نقاش مثل هذا القانون في الوقت الذي يتحدثون فيه عن الحريات وذكرت الصحيفة نقلا عن صحيفة حريت التركية أنه قال إن قادة الاحتلال اذا كانوا مؤمنين حقا بدينهم فلماذا يخشون من صوت المؤذن مضيفا أن صوت الأذان سيبقى في سماء القدس ولن يستطيع أحد أن يسكته ولن نسمح لأحد أن يسكته، ونقلا عن وكالة الأناضول التركية قالت الصحيفة أن أردوغان طالب الأتراك بزيارة القدس بمئات الآلاف دعما لاسلاميتها واعتبر ذلك أكبر دعم للإخوة (الفلسطينيين ) هناك على حد قوله.

كما اتهم إسرائيل بالتمييز ضد الفلسطينيين والعنصرية وأضاف أن الحصار على غزة لا مكان له في الإنسانية وأكد أن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس هي طريق السلام.

من جهة اخرى وصف وثيقة حماس السياسية بالخطوة المهمة

وكتب ايتامار ايخنر امس تحت عنوان : (مصالحة على طريقة أردوغان ) إنه في الوقت الذي تم تسجيل تقدم فيه في مجالي الغاز والسياحة قرر أردوغان مهاجمة إسرائيل وبغلظة.

من جهة اخرى رأت أطراف في القدس أن هجوم أردوغان جاء كرسالة موجهة لحماس ، وأن هذا الهجوم على إسرائيل جاء مفاجئا ودون أي إنذار مسبق وان العلاقات بين البلدين كانت تسير على نار هادئة وتتقدم وان مدير عام وزارة الخارجية قد زار أنقرة في كانون الثاني الماضي ، وان السفير الإسرائيلي في أنقرة يلتقي القيادة السياسية بسهولة ودفء بكل المستويات كما أن السفير التركي كمال اوكم تأقلم جيدا في تل أبيب ويلتقي بوزراء

وقال آيخنر أنهم في القدس فوجئوا من هجوم الرئيس التركي لكن قد يكون هذا الهجوم مرتبط بامتعاض الأتراك من تعاطف إسرائيل مع القبارصة أثناء نقاش خط الغاز الذي يمر من المياه الاقتصادية لهم؛ فإسرائيل ليست مستعدة للإضرار بالقبارصة والأتراك ليسوا مستعدين للتعاون في هذا المجال.

ففي الشهر الماضي وقّع وزراء الطاقة من إسرائيل وقبرص واليونان والاتحاد الأوروبي على إعلان مشترك لمدّ أنبوب غاز طبيعي تحت البحر هو الأطول في العالم بين إسرائيل وأوروبا.

وقال المدير العام لوزارة الطاقة الاسرائيلية شاؤول ميريدور قبل أسبوعين : أنّ إسرائيل تدرس إمكانيات تصدير مختلفة ولكن الصفقة مع اليونان أو دولة أخرى لا تُلغي إمكانية الاتفاق مع بلاد إردوغان فتركيا عبّرت عن اهتمامها بالغاز الإسرائيلي حتى تُنوّع مصادرها وتحصل على غاز بجودة عالية من إسرائيل.

كما قال أن خط الغاز تحت البحر بين إسرائيل وتركيا والذي يبلغ طوله 550كيلومتراً يكلف اثني مليار دولار وسيتم تغطيتها من قبل القطاع الخاص كما قال ميريدور في مؤتمر الطاقة في إسطنبول،

وفي المقابل لقد زار إسرائيل في الشهر الماضي نائب وزير الطاقة التركي كي يدفع بهذا الاتجاه.

آثار المصالحة بدت أيضاً في مجال السياحة ففي عام 2016م زار تركيا ثلاثمائة ألف إسرائيلي ويشكل ذلك ارتفاعاً بنسبة 31% مقارنة مع السنة الماضية رغم أنّ هذه الأرقام ليست كبيرة مقارنة بتلك قبل حادثة مافي مرمرة إلا أنّ هناك زيادة في نسبة الإسرائيليين الذين يستجمّون في تركيا.

حضر وزير السياحة التركي نابي أفجيي عرضاً سياحياً في إسرائيل في شهر شباط الماضي وأعرب عن أمله بأن يأتي إلى تركيا ستمائة ألف سائح إسرائيلي سنوياً ومنذ بداية هذه السنة هناك زيادة ملحوظة في نسبة السياح الإسرائيليين الذاهبين إلى تركيا.

* إذن ما الذي دفع إردوغان إلى هذا الهجوم في هذا الوقت بالذات !؟

يرى اسرائيليون أنّ الرئيس التركي الذي ضبط نفسه منذ اتفاق المصالحة حيث كان معتاداً على انتقاد إسرائيل بغلظة كما فعل ليس فقط بعد الحرب على غزة عام 2014 عندما ساوى بين إسرائيل والنازية بل قال أن إسرائيل فاقت النازية بمئة ضعف. وسبق تصريح له عام 2011 عندما تساءل لماذا تفرض عقوبات على إيران ولا تفرض على اسرائيل بدأ يشعر بأنه قادر على كل شيء كديكتاتور تقريباً ويريد أن يكتسب سلطات دينية عُليا، وأنّ هذا المؤتمر - مؤتمر الوقف الدولي - جعله يشعر بنشوة دينية بعد أن أدرك أنّ أوروبا قد أغلقت أبوابها في وجهه وهو بذلك يعود لوظيفته كرئيس لكل المسلمين.

تفسير آخر يرجّحه مسؤولون كبار في القدس وهو أنّ إردوغان أراد أن يرسل رسالة إلى حماس حول ثقله الكبير في القضية الفلسطينية وأنه يستطيع أن يكون حليفهم وربما ينبع ذلك أيضاً من قلق إردوغان الذي يرى نفسه حليفاً لحماس من مبادرة #ترامب الذي عانق الرئيس عباس وقرّبه على حساب حماس.

كما ويمكن اعتبار تصريح إردوغان اليوم استمراراً لتصريحاته القاسية ضد إسرائيل وقت الجرف الصامد (حرب 2014) عندما قال أنّ إسرائيل تقوم بإبادة شعب منذ أن تأسست، بل وساوى بين وزيرة القضاء الإسرائيلية أييلت شكيد وبين ادولف هتلر.

وفي مقال اليوم كتب ايخنر واليئور ليفي تحت عنوان : اردوغان لرئيس الحكومة الفلسطيني: "يجب حماية القدس من التهويد"  وأضافا : بعد ان هاجم اسرائيل بحدة بالأمس التقى الرئيس التركي مع رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله في اسطنبول وبعد ان اطلع من الأخير على ما يدور في القدس قال: (هذا يؤكد مدى ضرورة الدفاع عن القدس) وذلك رغم ان اسرائيل ارسلت برقية الى القيادة التركية قبل اللقاء بالحمدالله قالت فيها:  (ان وجهنا ليس باتجاه التصعيد) وعبرت فيها عن قلقها بسبب التصريحات النارية للرئيس التركي ووضحت ان الرد الذي صدر امس عن وزارة الخارجية كان ردة فعل لتلك التصريحات وانه من الممكن تدارك الازمة.

وقالا انه وفقاً لمصادر فلسطينية فإن اردوغان اكد للحمدالله على ضرورة الاتحاد في وجه اسرائيل للدفاع عن القدس في وجه التهويد واكد له مرة اخرى على ضرورة زيارة جماهير المسلمين للقدس وللمسجد الأقصى ،واضاف الرئيس التركي: (من الصعب التوصل لسلام في المنطقة  دون ايجاد حل للقضية الفلسطينية والمتمثل بدولة على حدود ال 67 ولذلك من الضروري الضغط على اسرائيل) ،ووفقاً للمصدر الفلسطيني ختم اردوغان حديثه مع حمدالله بقوله: (ان اسرائيل تنجو كل مرة من العقاب لذلك تصعد من عدوانها على الفلسطينيين ولن يكون هناك سلام اذا لم يوقف العالم اسرائيل عند حدها ويحاسبها على جرائمها ).

من جهتها قالت القناة الثانية العبرية ان مدير عام وزارة الخارجية عنّف السفير التركي في محادثة معه واضاف عراد نير محرر الاخبار الخارجية في القناة: لم يتحول اردوغان في السنة الاخيرة الى مهاتما غاندي ولا صديق شعوب الارض ( وهو وصف تمنحه اسرائيل لمن يخدمها من الامم الأحرى ) وكان قد صبّ جام غضبه على اوروبا التي وصف تصرفاتها بالنازية فكانت اسرائيل تراقب عن بعد وتقول: هذا يشكل تحدياً لنا ،حتى انفلت عقاله امس.

اردوغان الذي التزم باتفاق التطبيع قبل 11 شهراً – كما يقول نير- بان يتوقف عن مهاجمة اسرائيل وهو ما اعتاد عليه حتى قبل حادثة مافي مرمرة وقتل الجنود الاسرائيليين للمواطنين الاتراك ، ويضيف أن أردوغان كان يقصد بمهاجمة اسرائيل عادة تجنيد التأييد الشعبي له وكذلك فعل عندما هاجم دول أوروبا قبل الانتخابات مما جعل المستشارة الألمانية تناديه من على منبر البرلمان أو البوندستاغ في برلين ليتوقف عن مساواة الحكومة الالمانية بالنازية، في ذلك الحين كانت الحكومة الاسرائيلية تراقب وتشعر بالارتياح بأن هناك اتفاقا تم توقيعه وهو ما يجعله يستثني اسرائيل من حدة لسانه الى ان انفلت هذا العقال الأمس.

ويقول نير انه من الممكن فهم هذه التصريحات اذا وضعناها في السياق الذي حصل أمس وهو منتدى القدس الذي استضافه أوردوغان في اسطنبول فالرئيس يطمح لأن يكون السلطان الذي وقف امام رجال الدين المسلمين من جميع أنحاء العالم تحت عنوان 50 سنة على احتلال القدس بما فيها الحرم الشريف .

ففي خطابه قال اوردوغان: أنه لا يمكن المساس بالوضع الرهن والذي يحظى باجماع دولي ولكن اوردوغان انجر اثناء حديثه فوصل الى قانون منع الاذان والذي يعتبره مساسا بالوضع الراهن بالقدس ولم يكتف بذلك بل أضاف تحلية عندما اتهم اسرائيل بانها – وهذا ليس جديداً - تقتل الاطفال , ويقول نير: من المعقول ان اردوغان يحاول تعزيز مكانته كمرشد روحى وليس كزعيم سياسي وكذلك اسوةً بالسلاطين من ايام الامبوراطاية العثمانية وقد استخدم لهذا الهداف افضل ما لدية من ادوات وهو لسانة السليط الذي يلعب على العواطف ,

يقول نير: ان اسرائيل ترددت كيف ترد فواراً حتى خرج الناطق بلسان الخارجية قائلا : ان من ينتهك حقوق الانسان فى بلاده بشكل ممنهج عليه ان لايقدم المواعظ لنا الدولة الديمقراطيقة الحقيقية الوحيدة فى المنطقة ،

يقول: انها ليست المرة الاولى التى يتطرق فيها مسؤل رسمي اسرائيلي الى (التطهيرالفج والوحشي الذي يقوم بهه اردوغان فى تركيا منذه فشل محاولة الانقلاب العام الماضي ،

يقال: أن تاتى متاخرة خير من ان لا تأتى فالسجون فى تركيا تم اخلاؤها من السجناء الجنائيين حتى يحل محلهم عشرات الآلاف ممن اعتقلوا بتهم سياسية اضافة الى عشرات الآلاف الذين تم فصلهم من اماكن عملهم وآخرون ممن سحبت جوازات سفرهم ومنعوا من السفر خارج تركيا ومئات الصحافيين المعتقلون لاشهر طويلة دون محاكمة ومئات الدبلوماسسين والمبعوثيين الاتراك الذين طلبوا لجوءا سياسيا في البلدان التي خدموا فيها ودبلوماسيون كبار اسرائيليون يعتقدون أن رد اسرائيل الحاد سينهي الازمة ولكن هذا يعتمد بشكل كبير على قدرة السياسيين السرائيليين على ضبط أنفسهم وعدم الانزلاق لهذا المستنقع.

أغلب الصحف التركية اليوم لم تذكر الموضوع نهائيا في الصفحات الأولى بإستثناء صحيفة يني شفق المقربة من التيارات الاسلامية الأكثر تطرفا من الحزب الحاكم قالت في عنوانها الرئيسي "أٌسكت صوت الاذان في القدس" وتحت العنوان صورة فاطمة عفيف بنت الستة عشر ربيعاً ملقاة في دمائها في باب العمود في القدس حيث حاولت طعن الجنود ( فدافعوا عن انفسهم) بعشرين رصاصة أطلقت من سلاح اوتوماتيكي كما يؤكد الخبر باحرف بارزة، بينما في اسرائيل لا أحد يعرف اسمها.

من جهة اخرى ايضاً صرح الوزير اردان ان تصريحات الرئيس التركي تحريضية وتؤجج النيران وفقاً للقناة العاشرة .

عن الكاتب

صلاح الدين العواودة

كاتب فلسطيني خبير في الشؤون الاسرائيلية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس