خلود الخميس - الأنباء الكويتية

قبل فترة قال أردوغان موجهاً خطابه إلى بايدن: «إذا ثبتت تصريحات بايدن فسيصبح جزءا من الماضي بالنسبة لي وسيترتب عليه تقديم اعتذار لتركيا، والمقاتلين الأجانب لم يمروا عبر تركيا بأسلحتهم يوماً ليدخلوا سورية».

كان تعليق الواثق من أن كلامه سوف يُسمع بآذان صاغية من الإدارة الأميركية ويؤخذ بالاعتبار، رداً على تصريحات نائب الرئيس الأميركي جوزيف في كلمته أمام جامعة هارفارد والتي كانت حول «السياسية الأميركية في الشرق الأوسط» متهماً تركيا ودولا أخرى في المنطقة بتوفير الدعم للتنظيمات «الإرهابية» في سورية، وهذه الدول حليفة للولايات المتحدة بينها تركيا مولت وسلحت هذه المنظمات وفيهم مقاتلو القاعدة قائلاً «إن مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات وغيرها، لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد».

لم تمر ساعات على تناقل مطالبة أردوغان بايدن بالاعتذار لبلده، حتى انتشر بين وسائل الإعلام، عبر البيت الأبيض، أن «بايدن» معجب به جداً جداً، لكن الخطاب العاطفي لا يكفي في السياسة والعلاقات الديبلوماسية بين الدول فكان الاعتذار الرسمي.

سأتناول هنا ظاهرة "حب الشعوب المسلمة" لأردوغان وما لها من أسباب ومنطق.

أردوغان أنموذج من القادة الذين تفتقر إليهم الأمة الإسلامية، بشجاعته وجرأته وتصريحاته ومواكبته لشؤون الأمة بالقول والعمل ما استطاع ذلك، لقد استخدم البراجماتية في خطابه الإسلامي، ويسبق تلك الصفات العامة في الحاكم، الميزات الشخصية له، من احترام ونزاهة ونقاء اليد وتدين وأخلاق.

"البراجماتية في الإدارة الإسلامية" منهجية حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، والسلطة التنفيذية في إدارة الدولة عبر الدساتير المدنية، والتدرج في التغيير من خلال التشريعات القانونية، فالدساتير صاغها اللوبي الاستعماري، ليتركها شوكة في حلوقنا قبل أن يغادر المنطقة ليترك ثقافته تدير العقول وتسممها.

الإسلام مشروع لعمارة الأرض وغرس يمتد إلى السماء، وبناء دولة إسلامية ليس إعلاناً وادعاءً، ولكنه عمل مثابر، يتطلب استثماراً طويل الأمد في الفرد المسلم، ثم الأسرة، ثم المجتمع، ثم نتحدث بعدها عن دولة تروض القوانين والعادة والعرف لصالح التشريع والوحي.

حكم المحافظين في تركيا استخدم "المتاح" وهو الدستور العلماني، لتحقيق "المحظور" وهو التشريع الإسلامي وبدأ بالفرد، حسّن مستوى المعيشة وخفّض معدلات الفقر ووفّر مشاريع إسكان لغير القادرين، وسدد الديون الخارجية للدولة وبدأ بالإقراض، وكثير من التحولات التي لم تكن سهلة، ولكنه حول تركيا إلى كل ما هي عليه الآن سياسياً، اقتصادياً، اجتماعياً ودينيا.

لقد تسنى للإسلاميين في دول أخرى "تقلد" السلطة، ولن أقول "الحكم" لأنهم لم يمنحوا فرصة له، ولكن الخطاب كان ثورياً عجولاً متهوراً إلى حد ما، مع فقر في الأدوات التنفيذية، وتخبط في المنهجية وعدم الاتفاق والاستعداد بمشروع سياسي، وأسباب أخرى بالطبع تعود للتدخل الخارجي لإحباط "إدارة الدولة عبر الإسلاميين".

الخطاب الثوري لا يليق بديمومة الدولة، الخطاب الثوري منهج مؤقت يصلح لتحريك الشارع، وقيادة العامة، السوس لا يكون إلا بخطاب عقلاني منهجي له خطة طويلة الأمد وخطة تنفيذية وأدوات صالحة لخوض معمعة الإدارة والصبر أثناء التدافع السياسي لإثبات الإمكانية والكفاءة.

في 2002 عبدالله غول ورجب طيب أردوغان اكتشفا مبكراً الحاجة للمنهج البراجماتي لإدارة تركيا الدولة العلمانية.

فقررا مع مجموعة من جناح الشباب لحزب الفضيلة، بعد حله، تأسيس حزب سياسي هو حزب العدالة والتنمية، وإعلان أنه "سيحافظ على أسس النظام الجمهوري ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية واتباع سياسة واضحة ونشطة للوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا"، هكذا جاء في ديباجة التأسيس.

وانفصل الشباب "التغييريون" عن معلمهم نجم الدين أربكان، الذي كان يصر على الخطاب الديني المباشر والذي كلف الإسلاميين رقابهم والكثير من الخسائر السياسية والوقت بصراع لا يمكن لأي خطاب إسلامي الفوز فيه مادام الدستور العلماني يجرم المشروع الذي يعتمد على الدين، وما دامت عقوبة رفع الأذان باللغة العربية المشنقة، ومادام الجيش "حامي الدستور" يقوم بالانقلاب على أي سياسي يفوز وتدعمه المحكمة الدستورية العليا.

فكان "حزب العدالة والتنمية" وصار أردوغان "رجل الشعوب المسلمة".

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس