خلود عبد الله الخميس - الأنباء الكويتية

الأقصى، يعامله البعض على أنه «شأن فلسطيني داخلي» وليس لأمة الإسلام، وأظن المناهج الدراسية سببا رئيسا في بث هذا الفكر، وتمجيد الوطنية على الأممية.

سقط من فهم أولئك قوله جل جلاله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)، فالمسجد الأقصى من المقدسات الإسلامية التي يحتلها اليهود غاصبين، ولتحريره من سجنه تسير جيوش الإسلام قاطبة، الأقصى قضية أمة الإسلام، لا وطن يحد، ولا شعب محددا.

ومن إعادة صوغ الفكر المسلم يجب أن نبدأ فك حصار الأقصى، فكلاهما مختطف.

علينا البدء من تحمل المسؤولية الفردية لتغيير أفكار زُرعت في إيماننا لإفساد عقيدتنا، وخلخلة ثقتنا بأن هذا المسجد الذي أُسري إليه بمحمد صلى الله عليه وسلم، نبينا وخاتم المرسلين للبشرية جمعاء، هو أحد مقدسات المسلمين، لا النصارى ولا اليهود، وأن أية مفاوضات أو تسويات غير واردة في شأنه، ومن المستحيلات اقتسامه مع أحد، أبدا، وهذا ما يحدث الآن: خطة «التقسيم الزماني» لمنح شرعية وحق لليهود باعتباره من مقدساتهم، وهذه بداية الهزيمة النفسية.

بالنسبة لي تكفيني الآية القرآنية أعلاه لأقتنع بأن الأقصى قضيتي، وأنت؟ هل غيرت تشويش الإعلام الصهيوني وآمنت بأن الأقصى قضيتك؟

إن لا، لا تكمل قراءة السطور القادمة فمحتواها ليس لك.

إن نعم، إذن لنبدأ بطرح النماذج التي تعمل في سبيل ما آمنوا وآمنا به معها، ثم نقف عند مشروع، أيضاً كمسؤولية ذاتية، لتحرير الأقصى.

أختك المرابطة

تتهادى بجلبابها وكأنها تلبس تاج ملكة، الفخر بالهوية الإسلامية للمرأة، الحجاب، نعمة وشعور يعطي دافعا لا يوصف لتمثيل الإسلام، يعلو وجناتهن رضا، وفي وجوههن براءة بذرة لم توضع في الأرض بعد، لم يتأثر صفاؤها بعمر أو كسر وظلم، إنهن «المرابطات المقدسيات».

كنتُ في كنفهن أياما وليالي، لعلي أقترب من فهم ماذا تفعل تلك النسوة أمام أكثر جيوش العالم همجية وعنصرية وكراهية لهنّ، وعسى أن ألقى إجابات تُصمت صراخا يراودني خُفيةً: «ارجعن» كلما رأيت إحداهن هدفاً لخنزير، ومن «لعل» إلى «عسى» كانت البدايات وأظن أن «النهاية المبشِّرة» ستكون قريبا.

افترقنا على عهد بأن أزورهم في المسجد الأقصى المبارك ولكن مع الفاتحين، وأن ندخل مع زمرة المصلين، وذلك نصر عزيز ليس على الله ببعيد.

المكان، عاصمة العالم الجميل بلا زيف، ولاية الفاتح محمد المبشَّر بالنبوءة، محضن أنصار قضايا الإسلام وحقوق الشعوب المسلمة في الحياة رغم عظم الضغوط الداخلية والخارجية سياسياً واجتماعياً، مدينة المساجد البحرية، إسطنبول.

جمعنا الحب في الله والنصرة لله، فتيات في العقد الثاني، ونسوة من المدينة المباركة، بيت المقدس الذي لا يستبدلنه بقصور ميامي أو حسابات بنكية منتفخة برواتب العمل في الخليج، أو حتى «شقفة» أمن بالانضمام للسلطة الفلسطينية في رام الله.

فلسطين دولة، بيت المقدس دين، الفرق واضح، الدين لا يقبل اقتسام شرعه مع شرائع البشر، الدول قد تتغير حدودها بغزو وظلم وسرقات وخيانات ساسة ومؤامرات دولية، فإن كان الأقصى بالنسبة لك قضية الدولة الفلسطينية فابق مكانك، وإن كان دين الإسلام فحُييت معنا في سطورنا هذه، نتجاور لنصرته في ثغر نحسبه إحدى وسائل الجهاد في زمن الإعلام صار يحط أقواماً ويرفع أقواما.

الأقصى رهينة

«سجن اليهود للأقصى»، إنه أشد الأمثلة عاراً على بلوغنا قعر الذل، الذي اشتكى من محاولاتنا الحفر بحثاً عن قعر أعمق، لم يعد كافيا بل نريد «نبلغ أرذل الذل»، كيف منذ احتلاله لم نتمكن من تحريره؟! هل لدى أحد إجابة بعيدة عن «المألوفات»، سئمنا وهرمنا من تكرار تحميل الحكومات والملوك والأمراء والعلماء والحجر والشجر المسؤولية!

لقد تقطع قميص عثمان من هول ما تعلقنا به، فلنسأل أنفسنا: أنا كفرد مسؤول أمام الله عن أفعالي ما هي خطتي التنفيذية «الآن في الوقت الحاضر» لتحرير المسجد الأقصى؟

حضرتُ ملتقيات متعددة محورها المسجد الأقصى، ورأس سنام ما يتطلبه الأمر وضع في التوصيات يرتكز على الدعم المالي للقدس وسكانها، لأنه الشريان الرئيسي لتغذية صمودهم في بيت المقدس وأكنافه.

ولكن لماذا الدعم المالي؟

لأن هناك مشاريع واضحة لليهود، تقسيم زماني ومكاني للأقصى بين المسلمين واليهود، وتفريغ القدس من المقدسيين الصامدين منذ 1948، فكيف يعيش أولئك لحماية أولى القبلتين إن هدموا بيوتهم؟!

وهم يهدمونها بترتيب وجدولة ولكننا منذ أن تخلينا عن علو الهمة وعمق الفهم، صرنا نهبُّ ونهبط في ساعات، وذلك حسب نسبة الشحن المتوافرة في الجهاز النقال وسرعة الإنترنت المتاحة!

إعادة القابس لعقولنا وحده سيعيد لها مَلكة التفكير الاستراتيجي، لنتيقن أن تهجير أصحاب البيوت المحيطة بالمسجد الأقصى خطة لا صدفة، ونقوم بفعل ولا ننتظر أن نكون مجرد رد على فعل، متقبعين الظاهرة العربية الأشهر: الصوت المرتفع ذي البحة!

الشيخ كمال أيقونة الأقصى

باق فيه لأنه ممنوع من السفر بأمر المحتلين، ولكن كانت أسرته في الملتقى الذي حضرته وشاركت فيه ككويتية مناصرة مثل بلدي وقيادتها السياسية وبرلمانها وشعبها قاطبةً للأقصى والقضية الفلسطينية، لم نتغير بسبب مواقف شاذة من فلسطينيين، أفراد وساسة، أثناء الاحتلال العراقي على دولة الكويت، لأن الكويت والكويتيين هكذا، مثل الكلمة الطيبة أصلها ثابت في الأرض وتتمدد أفرعها إلى السماء.

أما «بنيّات الشيخ كمال» وولده والمناضلة «أم معاذ» فهم أنموذج من الإيمان في تحرير الأقصى جعلني أقف أمام المرآة وأتساءل: بربك، أهؤلاء يحبون الأقصى وأنت تحبينه؟!

نعم، أحب أولى القبلتين، لذلك فإن الثغر الذي تقف فيه الأخوات، بالذات من النساء، في أبواب وطرقات الرباط فيه منع لاقتحامات اليهود الصهاينة لتطبيق مشروعهم التقسيم الزماني والمكاني، لا يزيد أهمية عن دوري هنا في الثغر الإعلامي، ولا يزيد عن دورك هنا أيضاً أيها المنعّم بفضل الله بالمال والرزق الوافر، فالأقصى يصمد بأمر الله ونحن الأدوات التي إن اتبعنا سنن الله في الأرض من إعداد العدة والرباط كل من موقعه وإمكانياته، وسنبلغ النصر والتمكين والتثبيت الذي وعد به الله جل جلاله من ينصره.

إذن مسؤوليتنا فردية وكل ميسر لما خلق له، فشمِّر يا عزيزي، شمِّر.

المعادلات في القدس لا تخضع للمنطق

ما نراه في وسائل الإعلام على مختلفها قليل من واقع يعيشه المقدسيون في فلسطين، والذي لا شك فيه أنه واقع لا يخضع لأي حسابات منطقية، رشاش اوتوماتيكي يهرول مذعوراً من حجر وسكين.

النزاع الأشد بين العرب أنفسهم هو أن المدنيين لا يجب قتلهم، والمسلمون لا يقتلون الأطفال ولا الشيوخ ولا غير المحاربين ولا النُسّاك ولا يقطعون الحرث ويحرقونه، ولا يبيدون النسل، المسلمون ليسوا بإرهابيين، المسلمون أصحاب حق في فلسطين، ولا يوجد مدني من اليهود الصهاينة فيها بل كلهم غاصبون وعسكر مدربون على الانضمام لجيش دولة «علي بابا».

الصفا والمروة

أخذتني «صفا ومروة» في رحلة تشبه الحلم للبلدة القديمة في القدس، في الحقيقة لم أسمع كلماتهما مثلما قرأت وجهيهما وحركة شفاههما وانفراج أصابع اليدين وانغلاقا، وتباشير وجهيهما وانقباضهما، رأيت في ابتسامتهما ممرات السوق، تلك التي يرشها كل صاحب «دكانة» من أمامه، وشممت رائحة الأرض المباركة المبتلة بماء طهر، والسيدة المسنة التي فاصلت البائع لتشتري «إيشارب» بنصف سعره، ثم بعد أن انتصرتْ ورضخ، دفعت له بالسعر كاملاً ومضت، إنها المرأة المقدسية لا غرو.

آه... نسيت أن أذكر لكم لماذا أتكلم عنهما معاً، لأنهما توأمان إن قلت للأولى: السلام، يجب أن تقول للثانية: عليكم، لتجيبا معاً.

لفت انتباهي الجلباب، اللباس الشرعي الكامل للمسلمة، الذي ترتديه «صفا ومروة» وتجولت في ذاكرتي بين حوارات مع تركيات عن أوضاع نساء البلد المحجبات، كان بقاء الحجاب فوق رؤوسهن فقط مطلبهن، لم تكن لديهن أحلام أكبر، كثيرات اضطررن لخلعه لاستكمال تعلميهن، وأخريات بل أغلبية منهن برلمانيات من حزب العدالة والتنمية الحاكم (المحافظ) قبل إقرار قانون حق المرأة في ارتداء الحجاب في الوظائف الحكومية العامة والمؤسسات التعليمية واعتباره سلوكا خاصا وحرية شخصية، كنّ يخلعن الحجاب في دوائر العمل والجامعات والمدارس، هذا يحدث في دولة الشعب غالبيته الساحقة مسلمة.

بينما تعدت صفا ومروة وهما في دولة يهود وصهاينة الحجاب إلى الجلباب، الرداء الساتر الذي تتهادين به فخراً بين طرقات البلدة القديمة، وساحات الأقصى المثلجة شتاء كما شاهدت وأنا أتصفح في صورهن خلال جلسة شاي في لوبي الفندق في الجزء الواقع في قارة آسيا من إسطنبول، ومثل ذاك الثلج يرسل رذاذاً لنافذة المقهى.

ارتداء الحجاب قرار شخصي لأمر شرعي، مثلما نصرُ الدين مسؤولية وقرار شخصي لأمر شرعي، وكلنا لديه مهارة ومنح وهبات من الله يمكنه أن ينصر فيها الإسلام.

أما من ينتظر «هبّة عامة» لتنتصر الأمة حتى «يتلحلح» ويزحف للمشاركة مضطراً، عليه أن يجلس ويتربص لنزول سيدنا عيسى وهي الفترة التي سيحكم فيها الأرض بالإسلام إماماً عدلاً مقسطاً، كما نعلم من أحاديث آخر الزمان.

ويمكن ذلك لمن لديه تقويم للأحداث المستقبلية في عالم الغيب!

هل من أحد يملكه؟!

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس