محمد زاهد جول - خاص ترك برس

لم تبدأ الخلافات التركية الأمريكية إثر عملية الانقلاب العسكري الفاشل بتاريخ 15 تموز/ يوليو 2016 وما أعقبه من توترات في العلاقة بين البلدين، حيث أن أصابع الاتهام بدعم الانقلابيين لم ترفع عن وزارة الخارجية الأمريكية وبعض الجنرالات الأمريكيين، وبالأخص الجنرالات العاملين في قاعدة إنجيرلك في تركيا، او في قواعد حلف الناتو في أوروبا.

وبالرغم من نفي الادارة الأمريكية السابقة تورطها في دعم الانقلابيين، لكن هناك من المحللين السياسيين من يذهبون إلى القول بأن أحد أسباب هزيمة أوباما بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هو فشل إدارة أوباما في الانقلاب العسكري في تركيا، لأنه أحرج امريكا أمام الشعب التركي أولاً، والأهم أنه تسبب في ضياع المئات من الجنرالات الأتراك الذين كانوا في قائمة الجنرالات المعتمدين لدى البنتاغون داخل تركيا، وهم الآن قيد الاعتقال وضمن قائمة الانقلابيين الأساسيين، أي أن أمريكا فقدت الجنرالات المقربين لها داخل الجيش التركي، وأصبحوا أمام القضاء، والصعوبة هي أن أمريكا لا تستطيع التساهل مع الحكومة التركية بخصوص هؤلاء الجنرالات داخل تركيا، وليس الجنرالات العاملين في مقرات الناتو الأوروبية سابقاً، ومن باب أولى من الضباط الفارين إلى اليونان، فلا شك أن أمريكا تمارس ضغوطاً على الحكومة اليونانية لعدم تسليمهم لتركيا، وهذا مؤشر مهم على صعوبة تسليم زعيم الانقلاب الحقيقي وهو فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999، فأمريكا تبحث عن الذرائع التي تمنع تسليم غولن للقضاء التركي لعلمها أنه متورط فعلاً بالانقلاب الغاشم. لذلك فإن أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى زيارته لأمريكا يوم 16 أيار/مايو الجاري تحدي إنهاء إشكاليات التوتر التركي – الأمريكي فيما يخص الانقلاب العسكري الأخير، بما يحفظ كرامة الشعب التركي، وبما تجده أمريكا تحدياً لها في تركيا، بمحاولة أردوغان إضعاف نفوذها في تركيا، داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، فكيف سيستطيع أردوغان الجمع بين مطالب الشعب التركي الجريح من آثار الانقلاب، وبين المطالب الأمريكية بالحفاظ على تركيا وجيشها في إطار التحالف التقليدي التاريخي مع أمريكا، وبما يرفع نقاط الخلاف حول تنظيم فتح الله غولن، الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً وقاتلاً لأبناء الشعب التركي ومستهدفاً للدولة والحكومة التركية، وبين الرؤية الأمريكية لتنظيم فتح غولن العالمي كذراع استخباراتي في كل انحاء العالم وليس في تركيا فقط.

والتحدي الآخر والكبير أمام أردوغان في واشنطن هو السياسة الأمريكية مع التنظيمات الكردية في سوريا، والتي لا يمكن عزلها عن مخاطر الأمن القومي التركي إطلاقاً، فأمريكا ومنذ سنوات عديدة وهي تتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وميليشياته وحدات حماية الشعب وتمدها بالسلاح بحجة محاربة داعش، وقد بدأ ذلك في أواخر عام 2014 وما صاحب عملية تحرير مدينة عين العرب «كوباني» من حملة إعلامية أمريكية كبيرة، والتي لم يتم تحريرها من داعش إلا بعد تقديم تركيا تسهيلات لوجستية للبيشمركة العراقية للمشاركة بتلك المعارك وعودتها إلى بلادها بعد انتهاء مهمتها، فتركيا لا تتساهل مع أمنها القومي حتى لو أدى ذلك إلى الاصطدام مع الإدارة الأمريكية، وقد قامت تركيا بتوجيه ضربة قاسية لمقرات حزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا قبل أيام كإشارة للدول المعنية أن تركيا حازمة بمنع تهديد حدودها من العراق او من سوريا مهما كلفها ذلك، ولكن أمريكا قامت برد سيئ عندما قامت إدارة ترامب بخطوة استباقية وخطيرة قبل زيارة أردوغان لأمريكا، بأن أعلن الكونغرس الأمريكي موافقته على تقديم دعم عسكري بأسلحة ثقيلة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقاتل شمال سوريا، وهي اليوم تقدم لها أمريكا الدعم العسكري والاستشارات العسكرية بوجود قوات أمريكية معها، في الوقت الذي تعلم فيه أمريكا الموقف التركي من كل هذه التنظيمات الإرهابية، التي تؤول في النهاية إلى هيمنة حزب العمال الكردستاني عليها، فالخطورة التي تقدمها تركيا لأمريكا هو ان هذا الحزب (ب ك ك) هو حزب موضوع على قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية أولاً، والمفترض محاربته وليس دعمه، فكيف يمكن دعمه لمحاربة تنظيم إرهابي آخر.

والخطورة الأخرى والتي تعلمها امريكا، وبحاجة ان تقدم فيها جوابها لأردوغان أيضاً هو ان هذا الحزب (ب ك ك) يلقى دعماً عسكرياً وسياسياً ومالياً من الدولة الإيرانية، التي تعتبرها أمريكا الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، فهل تضمن أمريكا حزباً إرهابياً مثل حزب العمال الكردستاني ان يكون منضبطاً بعدم الاعتداء على تركيا أولاً؟ كما تدعي التصريحات الأمريكية، وهل تضمن أمريكا أن يكون حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية «بيدي» أو «بيجي» أو «قسد» ملتزمة بالاتفاق معها أكثر من التزامها مع إيران؟ بينما هي نشأت في كنف ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وإشراف الجنرال قاسم سليماني عليها؟ فأمريكا بتمسكها بالأحزاب التابعة لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وتقديم الدعم العسكري الكبير لها إنما تراهن على الحرس الثوري الإيراني نفسه، سواء في خدمتها لتحقيق مصالحها، أو لمحاربة تنظيم داعش، بينما الحرس الثوري الإيراني له مشاريعه الخاصة في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها.

إن أمريكا مطالبة بأن تستعد لتقديم أجوبة مقنعة لأردوغان، ومن أهمها: هل يستحق التمسك بقوات سوريا الديمقراطية او حزب الاتحاد الديمقراطي أو وحدات حماية الشعب، هل يستحق التمسك بها والتضحية بحليف كبير وتاريخي مثل الجمهورية التركية، فتركيا أعلنت مراراً وعلى لسان رئيس جمهوريتها أردوغان انها ترفض دعم هذه الأحزاب في سوريا، وبغض النظر عن الحجة الأمريكية، لأنها تهدد الأمن القومي التركي، وقد قدمت تركيا لأمريكا البديل عنها، لو كانت حجة الحاجة لها ضرورية مرحلياً لمحاربة داعش، فلا يمكن تجاهل هذه التحذيرات التركية، وتعهدات وزير الدفاع الأمريكي بحفظ وحماية الأمن القومي التركي لا تكفي بالنسبة للأتراك، فقد تعهدت أمريكا من قبل بإخراج قوات حماية الشعب من منبج بعد تحريرها قبل عام تقريباً، وبإخراجهم من غرب الفرات الذي كان حدوداً حمراء بالنسبة لتركيا، ولكن أمريكا لم تلتزم بهذه التعهدات، ولولا قيام تركيا بعملية درع الفرات لكانت التهديدات من هذه التنظيمات الإرهابية على تركيا أكبر، لذلك فإن تركيا مطالبة بأن تحفظ امنها القومي بنفسها، وان تتخذ الاجراءات السياسية والعسكرية التي تحفظ مصالحها، وان لا تتركها رهينة تعهدات لا ضمان لها.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس