يحيى حسن - خاص ترك برس

من الظلم الذي وقعنا فيه جميعا سواء من كتب التاريخ التي كانت تدرس لنا أو لما نسمعه من كبارنا أننا لا نعرف عن الدولة العثمانية سوى سياسة التتريك والغزو العثماني لمصر -وليكن لنا كلام منفصل هل هي فتح أم احتلال ؟!- وبلاد شمال أفريقيا ونهب ثروات هذه البلاد وإعدام المثقفين العرب وإن كان كذبا وغيرها من مظاهر الظلم التي طغت في البلاد في آخر خمسين سنة لدولة حكمت العالم علي مدار ستة قرون وذلك بعد أن اجتمع العالم بأكمله لإسقاطها وتفتيتها داخليا وتم زرع اليهود بداخلها وفي مؤسساتها لتفريق الشعوب عن قيادتها وتسمية قيادتها بأسماء ساخرة والكثير الكثير من المؤامرات والمحاولات لإسقاطها من الداخل والخارج...

نعم الدولة العثمانية في أواخر عهدها أصبحت مديونة لأوروبا وأحنت رأسها لبريطانيا ولكن بعد ماذا؟؟

- بعد أن فتح السلطان محمد الفاتح القسطنطينية، الذي كان عمره في حينها 21 عامًا، التي طمع بفتحها كل قادة المسلمين العظماء من عهد بني أمية وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتُفتحَنّ القسطنطينية، فلنِعمَ الأميرُ أميرُها، ولنِعمَ الجيشُ ذلكَ الجَيش."

- بعد أكثر من 500 عام من الجهاد ورفع راية الإسلام، دخل أكثر من 100 مليون مسلم دخلوا الإسلام بسببها.

- بعد وقوفها وتصديها للمذهب الشيعي الصفوي من التمدد بالبلاد العربية ومن أجل ذلك كانت معركة جالديران.

- بعد أن أنقذت المسجونين المسلمين في الأندلس من محاكم التفتيش بل والمسجونين اليهود وذلك عبر معارك بحرية طاحنة بقيادة البطلين الأخوين خير الدين وعروج بربروس مع الإسبان والبرتغاليين.

- بعد استسلام جيش بريطانيا بالكامل للجيش العثماني في معركة حصار الكوت جنوب شرقي العاصمة العراقية بغداد، التي سجّل فيها الجيش العثماني ثاني أكبر انتصاراته خلال الحرب العالمية الأولى، وكان حصار الكوت الأطول والأشد خلال الحرب وانتهى الحصار بعد 147 يومًا بهزيمة الجيش البريطاني بالكامل وقوامه 13 ألف جندي واستسلامه للجيش العثماني. ووصف المؤرخ البريطاني جيمس موريس معركة الكوت بأنها "الإستسلام الأكثر إذلالًا في التاريخ العسكري البريطاني"...

- بعد معركة (نيكوبوليس) الخيالية التي أشبه ما تكون بحرب عالمية، حيث اجتمعت روسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وأسكتلندا وبولندا وبلغاريا بأمر من البابا (بونيفاس التاسع) للقضاء على الدولة العثمانية، وكانت النتيجة هزيمة ساحقة لأوروبا وروسيا وانتصارا مجلجلا للعثمانيين بقيادة (بايزيد الأول) فاتسعت دولة الخلافة من الفرات شرقا إلى الدانوب غربا..

- بعد أن كانت أمريكا بقيادة جورج واشنطن تدفع الجزية للجزائر وقت هذه المعركة مقابل حماية السفن الأمريكية في البحر المتوسط والحفاظ على الأسرى الأمريكيين الذين أسرتهم الجزائر في معركة بحرية ضخمة ونص هدنة دولة الخلافة (الدولة العثمانية وقتها): "تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للدولة العثمانية مبلغ 122 ألف ليرة ذهبية عثمانية سنويا مقابل أن يتم إطلاق سراح البحارة الأمريكيين الأسرى لدى الجزائر وعدم التعرض للسفن الأمريكية في البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي"...

- بعد أن كانت الدولة التي تصدت بمفردها لأكثر من 255 حملة صليبية على العالم الإسلامي وكانت هي المنتصرة دائما..

- بعد أن دفع آخر سلاطينها الأقوياء (السلطان عبدالحميد) عرشه ثمنا للتمسك بفلسطين وعدم تسليمها لليهود في ظل حملة كانت من أشرس الحملات علي الدولة العثمانية في تاريخها...

- بعد انتصار ساحق للدولة العثمانية بقيادة سليمان القانوني علي دولة المجر وادي هذا الانتصار لضم المجر إلى الدولة العثمانية وكان سبب المعركة قتل رئيس مملكة المجر حينها (يسلاف جاليليو) أحد مبعوثي السلطان سليمان.

- بعد انتصار مهم علي مملكة الصرب والألبان في معركة قوصوة (كوسوفو حاليا)، والتي ترتب عليها دخول الدولة العثمانية بلاد البلقان وألبانيا وفتحها وانتشار الاسلام فيها وفتح بلغاريا بأكملها وانتشار الإسلام فيها.

- بعد أن فتحت قبرص علي يد السلطان سليم الأول بعد أن كانت هي العقبة التي تعترض السفن العثمانية أثناء عبورها البحر المتوسط.

- بعد أن ظلت الدولة العثمانية هي العقبة الأكبر والأوحد أمام هجرة اليهود للقدس واستيطانهم في الأراضي الفلسطينية.

- بعد أن تصدت دولة الخلافة حتى وقت ضعفها للتمدد الاقتصادي الرأسمالي الغربي وفي هذا يقول المؤرخ دونالد كواترت: “في نهاية القرن التاسع عشر امتدت السيطرة السياسية الأوروبية في مناطق كثيرة للمرة الأولى وفي الشرق الأوسط تمكنت الإمبراطورية العثمانية من الحفاظ على استقلالها السياسي وقاومت بفعالية ملحوظة التمدد الاقتصادي الأوروبي".

- بعد أن أنشأت سكتي حديد لم يكن لهما مثيل حينها. سكة حديد الحجاز وسكة حديد بغداد.

- بعد أن وفرت التكامل الاقتصادي الصناعي التجاري الدفاعي الزراعي التام لأراضيها يقول الجنرال النمساوي كونت فارسكلي الذي أمضى حياته كلها في محاربة العثمانيين، يقول: "وصل التنظيم الاقتصادي العثماني إلى درجة عالية بحيث لم يكن يعادلها نظير في الحكومات (الغربية)... من أسباب القدرة على الحركة العسكرية الموفقة للجيش العثماني هي جودة الأطعمة وعنايتهم بالحيوانات وهذه كلها أكثر دقة مما هي عليه عندنا وهي أكثر جودة في التنظيم...".

- بعد أن أثبتت للعالم أن الإسلام يمكنه التعايش مع كل البشر وكانت حينها مثال ضخم لهذا التعايش. يقول أيضا كواترت في كتاب الدولة العثمانية: “قدمت الدولة العثمانية للعالم نموذجا للتعايش بين مختلف الطوائف والأعراق... هذا لا يعني أن رعايا الدولة من مسيحيين ويهود لم يضطهدوا من حين لآخر بالرغم من مبدأ التسامح الثابت الذي أصرّت الدولة على التقيد به، والحق أن هذا المبدأ العام بقي لعدة قرون يحكم العلاقات بيين مختلف شرائح المجتمع العثماني”. ويقول فيليب كورتن في كتاب (الغرب والعالم): "إن كل الدول الكبرى تعد متعدّدة القوميات إلى حد ما، لكن الإمبراطورية العثمانية كانت أكثر تنوعا من معظمها".

- بعد أن هزمت الدولة العثمانية الدولة البرتغالية في محاولتها لاحتلال جدة والدخول منها إلى الحرمين بل أنها أغلقت خليج عدن في وجهها وصدتها عن الدخول إلى شبه الجزيرة العربية...

- بعد ما يقال، ونسبة صحته متوسطة، من أن مكتشف الأمريكتين هو العثماني الريس برّي وليس كريستوفر كولومبوس، حيث كان أهدى للسلطان سليم الأول في مصر عام 1517م خريطتين هامتين جدا، الخريطة الأولى هي لإسبانيا وغرب إفريقية والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية لأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية بقياس (60 × 85 سم) والثانية خريطة لسواحل الأطلسي من غرينلاند إلى فلوريدا (68 ×69 سم) وهما محفوظتان في متحف (توب كابي) في إسطنبول. هاتان الخريطتان هما أقدم خريطتين في العالم تظهر فيهما القارة الأمريكية... ويقول الريس برّي في كتابه (البحرية): "إن بحر المغرب – اسم المحيط الأطلسي في تلك الأيام – بحر عظيم يمتد بعرض 2000 ميل تجاه الغرب من ميناء سبتة، وفي الجانب الآخر من البحر توجد قارة هي قارة أنتيليا (أي الدنيا الجديدة) وقد كتب الريس بيري هذا الكتاب وكتب أن القارة الجديدة اكتشفت عام 870 هجري أي عام 1465 ميلادي أي قبل رحلة كولومبوس لاكتشاف أمريكا بحوالي 27 سنة...

- بعد ان كانت المدفعية العثمانية حتى عام 1700 أقوى مدفعية في العالم بلا منازع، وقد صنع العثمانيون زمن محمد الفاتح مدافع جبارة تستطيع خرق سور من الحجر سماكته إثنا عشر مترا، واخترع العثمانيون المدافع المتحركة ومدافع الهاون واستعملوها لأول مرة زمن السلطان سليم الأول، وكان هناك في الجيش العثماني الواحد ما لا يقل عن اثني عشر ألف جمل لجر المدافع الثقيلة جدا.

وصناعة السفن كانت متقدمة أيضاً، فقد ظل الأسطول العثماني ظل حتى عام 1868 ثالث أقوى أسطول في العالم بعد الأسطولين الإنجليزي والفرنسي.

- بعد أن أنشأت الدولة العثمانية أول جامعة للطب في أواخر 1400 ميلادية سموها (دار الطب)، ثم تم إنشاء المجمع الطبي في القرن الخامس عشر، ومن رواده شرف الدين الصابونجي الأماسي العالم في الأدوات الجراحية والمطور لها. وداود الأنطاكي صاحب الدراسات عن المخ والكتاب الشهير حول الأدوية الطبيعية. وأخي جلبي صاحب الأبحاث حول المسالك البولية. وطبيب التوليد الشهير عياشلي شعبان. والعالم النفساني مؤمن السينوبي صاحب كتاب من 25 مجلدا حول الأمراض العقلية والنفسية والعصبية. وقد خصص العثمانيون مشافي خاصة لهذه الأمراض في ذلك الوقت الذي كان الأوروبيون فيه يحرقون المرضى العقليين والنفسيين بالنار بحجة إخراج الشيطان منهم، بل استمروا في ذلك حتى القرن الثامن عشر. يقول الدكتور الفرنسي (آبينج كرافت) في كتابه عن علم الأمراض العقلية الصادر في باريس سنة 1898: "تعلمت أوروبا من العثمانيين معالجة المصابين بالأمراض العقلية". وفي القرن الخامس عشر بدأ الأطباء العثمانيون في معالجة المرضى النفسيين والعقليين بالموسيقى، وهو أمر لم يقم به الأطباء في عصرنا إلا في الولايات المتحدة بدءًا من سنة 1956.

هذا غيض من فيض وقليل من كثير ولكن ما ذكرته هو الأبرز وليكن لنا بقية في هذا الموضوع بإذن الله...

عن الكاتب

يحيى حسن

صحفي ومترجم عربي تركي من مواليد القاهرة عام ١٩٩٦ درس في الازهر بمصر وانتقل الي اكثر من بلد منها ماليزيا والسودان ومن ثم انتقل الي تركيا يدرس العلام الحديث في احد الجامعات التركية .. عمل كمترجم في اكثر من مكان منها الامم المتحدة UN


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس