محمد الشرقاوي - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس

يستمد التصعيد الحالي في الخليج جذوته من الصدام بين عقيدتين هما: الدفع الإماراتي-السعودي-البحريني من أجل تحقيق الواقعية والبراغماتية المزعومة، مقابل التزام قطر بتحول الصراع والسياسات الأخلاقية.

وخلافا لتأثير حرب الخليج عام 1991 التي وطدت وحدة الدول الست، فإن الخلاف الجديد بين الكتلة الأميركية - الخليجية وقطر يطرح ثلاثة معضلات قد تخنق مجلس التعاون الخليجي، كما أن لها نتائج أخرى:

الأولى، هي التوجه نحو التفكير الجماعي في البحث عن نهج "موحد" تجاه طهران، في حين ما تزال قطر متشككة في الغرض من تشويه صورة إيران، بوصفها استراتيجية معيبة كرسها خطاب دونالد ترامب الانتخابي ضد الصفقة النووية في يوليو 2015. لعب خطاب ترامب في الرياض جيدا على إثارة خيبة أمل قادة الخليج من سياسات إدارة أوباما تجاه إيران، وخوفهم غير العقلاني من الإيرانيين. كان وجود ترامب أداة مفيدة في إعادة بناء العدو "المشترك" في المنطقة.

الثانية هي خطر الوقوع  في نموذج مفرط  في مکافحة الإرھاب کمنھج عام لمواجهة  مجموعات مختلفة، معارضة ومقاومة ومتطرفة وعنيفة في الشرق الأوسط. يشكل التركيز على القضاء على حماس والإخوان المسلمين، وإدانة قطر بالتعاون معها ، زواج الملائمة السياسية بين ترامب وعدد من القادة الإقليميين ومنهم بنيامين نتنياهو، وعبد الفتاح السيسي.

إن التحالف الأمريكي - الخليجي الجديد ضد بعض اللاعبين السياسيين، في العديد من الصراعات العربية الممتدة، لا يعالج الترابط غير المستقر بين السياسية والمدنية والدينية في المجتمعات العربية. ولن يمهد الطريق للديمقراطية التي طال انتظارها في المنطقة.

ثالثا،  المعركة  هي حول من يجب أن يسود خطابه السياسي في المنطقة وخارجها. وقد تفوقت الدبلوماسية العامة في قطر على منافسيها السعوديين والإماراتيين. لذلك، عندما لا يمكنك قتل الرسالة، حاولت إسكات الرسول. وقد أزعج معظم الحكومات العربية تأثيرُ الجزيرة في المجال العام حتى قبل انتفاضات الربيع العربي.

رمزية ضيافة الرياض

عزز قرار ترامب بجعل أول رحلة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، وليس إلى إسرائيل والفاتيكان، بعض التفسيرات الآمال والتوقعات .ظن بعض زعماء الخليج أن الزيارة فرصة مثالية لتأكيد سياسة ترامب المقصودة تجاه إيران والإسلام السياسي. وداعبتهم الخيالات في تحويل خطابه حول الخطر الفارسي إلى العمل في وقت قريب.

ويشير بروس ريدل، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز، إلى أن "السعوديين تلاعبوا بترامب بسهولة، أما هو فقد شجع عن غير قصد أسوأ غرائزهم تجاه جيرانهم".

في السنوات الأخيرة، شعرت حكومات الخليج بالإحباط من سياسة باراك أوباما المتمثلة في تحقيق توازن القوى بين الخليج العربي والخليج الفارسي ضمن القطبية السنية الشيعية الجديدة في الشرق الأوسط. وقد شكل هذا الضيق السياسي نقطة عودة إلى ترامب للإشارة إلى أن حكومات الخليج يمكن أن تستعيد مكانتها البارزة في السياسة الخارجية الأمريكية. ويقول روبرت مالي، المنسق السابق لسياسة الشرق الأوسط في إدارة أوباما، "من الواضح أن السعوديين والإماراتيين شعروا بأن هناك شخصا في البيت الأبيض سينحاز لهم".

في إطار دعوته إلى التفاعلية، سعى ترامب إلى تبني خطاب "الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، وهو أحد دعائم حملته الانتخابية، في لقاء بالقرب من مكة والمدينة المنورة، اقدس مدينتين في الإسلام . وقال "ربما تكون هذه "القمة العربية الإسلامية الأمريكية بداية النهاية لفظاعات الإرهاب".

وباستثناء قطر، فقد أدت الهيمنة الخليجية المهيمنة إلى زيادة الإفراط في التركيز على الأنا لدى ترامب وفي سياسته المستقبلية. ويبدو أن الخوف المتبادل بين إيران والإسلام السياسي، الذي ينشط بإطار عمل قوي لمكافحة الإرهاب، قد عرقل التفكير النقدي حول جدوى وعد ترامب الفضفاض بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وقوى التطرف الأخرى في المنطقة.

وهذا يطرح السؤال حول النتيجة الحقيقية للحرب على الإرهاب التي دامت 16 عاما، والتي بدأتها إدارة بوش - تشيني في عام 2001، عبر استخدام القوة العسكرية في صياغة نهج دقيق تجاه العنف السياسي، وهو ما تفعله الآن إدارة ترامب.

وبالمناسبة، لم نصل بعد إلى تعريف عالمي للإرهاب من بين التصنيفات الـ109 التي يجري تعميمها في الأمم المتحدة، ومنظمة حلف شمال الأطلسي، ومختلف الوكالات الحكومية الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات العالمية الأخرى.

في ذروة التصعيد، قرر ترامب إن يلقي بثقله في صالح السعودية. وكتب في تغريدة أخيرة له على موقع تويتر " "خلال زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، أكدت أنه لن يكون ممكنا أن يكون هناك أي تمويل للأيديولوجيا الراديكالية بعد الآن. وأشار الزعماء إلى قطر - انظروا!".

ونتيجة لذلك، لم يلق عرض ترامب للواسطة قبولا جيدا في كل من الرياض والدوحة. من منظور حل النزاع،فإن مساعيه لن تنجح  نظرا لأن مصلحته مع السعوديين والإماراتيين، في مقابل عدم حياده تجاه القطريين.

أعرب العديد من أعضاء الكونجرس عن قلقهم من موقف ترامب إزاء الصراع الخليجي. وانتقد روبن غاليغو، عضو لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، بشدة بيان ترامب. وقال  "إن هذا الوضع معقد مثل العديد من المواقف الدبلوماسية، ويظهر أن دونالد ترامب غير مؤهل بشكل لم يسبق له مثيل فى تأمين المصالح العليا للولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية والأمن القومي".

كما يعتزم عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون والديمقراطيون منع ترامب من بيع أسلحة هجومية إلى المملكة العربية السعودية بحلول منتصف يونيو، تتجاوز قيمتها 500 مليون دولار.

وعلى نفس المنوال، يزداد التقييم السلبي لرحلة ترامب الخليجية. ويعتقد ايلان غولدنبرغ من مركز الأمن الأمريكي الجديد "أن الرئيس قد صب الزيت على النار، وإذا كنا سنبني ائتلافا لمحاربة التطرف علينا أن نهدئ الخلافات، ولكن هذا النهج سيشعلها".

في جميع أنحاء الشرق الأوسط، هناك ادعاء منتشر بأن حضور ترامب للقمة الأمريكية - الخليجية كان بمثابة حدث محفز في تفتيت الخليج. وفي الوقت الذي توجد فيه مواجهة مفتوحة بين السنة والشيعة في العراق وسوريا واليمن، فإن زيارة ترامب قد شجعت الانقسام السني السني الجديد باسم مكافحة الإرهاب والمشاعر المعادية لإيران.

النسخة السعودية لسيناريو ميلوس

من يقرأ كتاب  ثوسيديديس " تاريخ الحرب البيلوبونيسية " يعرف  التشابه الساخر بين أثينا وميلوس في 416 قبل الميلاد والممارسة الإماراتية-السعودية-البحرينية الحالية في مواجهة قطر. وقد رددت التصريحات الرسمية السعودية لهجة صارمة في محاولة للي ذراع القطريين "لتغيير سياساتهم" فيما يتعلق بحركة حماس والإخوان المسلمين وإعادة النظر في موقفهم الأقل عدوانية تجاه إيران.

وكما قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير،  في مؤتمر صحفي في ألمانيا، فإن الخطوات العقابية ضد قطر كانت محاولة حسنة النية لوقف دعمها للمنظمات المتطرفة ، وإنه يشعر "بألم شديد" من التدابير المتخذة ضد قطر.

مظهر آخر من مظاهر التجسيد الجديد لقصة ميلوس،عندما أشار جبير إلى أننا "اتخذنا هذه الخطوات لصالح قطر ... ولصالح الأمن والاستقرار في المنطقة". كما أغلق الباب أمام أي تدخل عربي أو دولي محتمل من طرف ثالث لإنهاء النزاع قائلا  "لا أعتقد أن هناك وساطة، وهي قضية داخلية تخص مجلس التعاون الخليجي".

ويشير البروفيسور، جيمس بيسكاتوري، نائب مدير المركز الوطني الأسترالي للدراسات العربية والإسلامية إلى أن "التحالف الإماراتي-السعودي-البحريني يستعرض عضلاته،بل إن أكثر ما يقلق هذا التحالف عدم انصياع قطر في النهاية"

ما يزال الرأي العام العربي منقسما حول ما إذا كانت الإجراءات الاقتصادية وإغلاق الحدود ستقنع القطريين بتغيير سياساتهم الإقليمية. قد تكون هذه لحظة من لحظات الإبداع السياسي للدوحة لصياغة استراتيجية من الاعتدال والسياسة العقلانية تساعدها على الإبحار في هذا البحر المتلاطم في الجوار القائم على الخوف.

أبدت دول أخرى  في المنطقة استعدادها لمساعدة قطر، فقد أعلنت إيران عن تطلعها لإرسال المواد الغذائية وغيرها من البضائع إلى الموانئ القطرية، كما عجل البرلمان التركي بالمصادقة على قانون لنشر القوة التركية فى قطر إذا لزم الأمر.

وباختصار، قد تتحول السياسة الإماراتية - السعودية - البحرينية الحالية من ربح قصير الأجل إلى خسارة طويلة الأجل.. وستواصل قطر اتباع وسائلها الخاصة للبقاء على قيد الحياة، وقد تلحق بمجلس التعاون الخليجي أضرار جانبية للصراع المتصاعد؛ وستهب الرياح الإيرانية والتركية  بالقرب من الرمال الخليجية بأكملها.

عن الكاتب

محمد الشرقاوي

أستاذ فض النزاعات في جامعة جورج ماسون في واشنطن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس