جمال الهواري - خاص ترك برس 

المسجد الأقصى أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين، له قدسية و مكانة خاصةً لدى عموم المسلمين لقوله سبحانه و تعالى"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، وحديث الرسول الكريم"لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد، المسجد الحرام و المسجد الأقصى و مسجدي هذا"، و يُدرك الصهاينة قبل غيرهم تلك المكانة و يقدرونها حق تقديرها ليس حباً و لكن لإستعراض القوة و السيطرة و لهذا السبب كثيراً ما يرتبط إظهار مدى قرب و ولاء الحكام و الشخصيات المؤثرة حول العالم "من غير المسلمين" للصهاينة من زيارتهم لحائط البراق "المبكى"و ارتداء غطاء الرأس اليهودي "الكيباه" بغض النظر عن ديانة الزائر فالمهم هنا هو اظهار التقديس لهذا المكان المبارك و اعترافه العلني و الضمني بيهودية المكان.

غالباً ما يكون الدين و المعتقد المحرك الرئيسي للجماهير و العامل الأهم للسيطرة عليها و توجيهها "خاصةً في عالمنا العربي و الإسلامي"، لهذا السبب المسجد الأقصى دون غيره هو دليل سطوة الصهاينة و سيطرتهم على دفة الأمور و الأحداث، رغم أن المدينة المقدسة تم احتلالها اكثر من مرة من قِبَل قوى مختلفة في غالبيتها مسيحية الديانة، صليبية الهدف، لكن لم تجرؤ أي قوة منها على الإعتداء عليه بالطريقة الهمجية التي ينتهجها الصهاينة.

 يتم هذا دون أي ردة فعل حقيقة من الأنظمة العربية و الإسلامية، و هو ما يصيب الجمهور العربي و الإسلامي بما يشبه اليأس و العجز و الهزيمة النفسية أمام الكيان الصهيوني الذي يقول بطريقة مباشرة ها نحن نسيطر شيئاً فشيئاً على أحد أهم مقدساتكم و بامكاننا أن نفعل به ما نشاء و ماضون في طريقنا لإحياء هيكل سليمان "الهيكل المزعوم"دون أن يستطيع ايقافنا أحد. 

القضية الفلسطينية هي الورقة الرابحة للجميع في المنطقة العربية و الإسلامية سواء كنت داعماً لها أو مناوىء أو حتى على الحياد.

 ترتفع أسهم الداعم لها عند الشعوب "حتى لو بالكلمات و البيانات فقط" دون انكار للمواقف الشجاعة و في حدود المتاح نظراً لتعقد الوضع الإقليمي و الدولي و الحسابات السياسية كالموقف التركي و القطري، لكن هناك الكثير من الأنظمة في المنطقة تقوم استغلال الوضع لصنع زعامة زائفة أو تمرير مشروع سياسي أو شرعنة كيان ما و صبغه بصبغة المقاوم، فقط ضع إسم "فلسطين" و تشدق بدعم قضيتها و عدالة مطالب أهلها و تظاهر بالعداء للكيان الصهيوني و قم بعدها بإحراق الأخضر و اليابس، نظام "بشار الأسد" و "حزب الله" اللبناني خير مثال.

أما المناوىء لها أو الواقف على الحياد بموقف مبهم و غامض غير واضح التوجه و المعالم، يكفيه هذا للحصول على الدعم و المباركة الصهيونية له بكل ما تحمله هذه المباركة من رضا أمريكي و غربي بالتبعية و ضمان للإستمرارية في الحكم و التربح الإقتصادي و الدعم الإعلامي و السياسي للنخبة الحاكمة و من يدور في فلكها.

الأقصى يناديكم، هذا المصطلح كم يوجعني و يثير حنقي و سخطي و امتعاضي في الوقت نفسه، هل نحن نسينا الأقصى حتى يأتي نداء ما لنتذكره، الصيغة نفسها تَصِمنا و تنعتنا جميعاً بالغافلين عن واجبهم المنتظرين لمن يناديهم و يحثهم على أداءه.

الأقصى يناديكم، منذ يونيو 67 و هو يئن و يستغيث و ينادي فما اتعسنا من قوم ضعيفي السمع و الإنتباه و الهمة، يستغرق النداء نصف قرن من الزمان و لا زلنا في سبات عميق لا نسمع و لا نجيب.

الأقصى يناديكم، لأنكم بحاجته أكثر من حاجته لكم بمراحل، لتداروا سوأتكم و تقهروا عجزكم و قلة حيلتكم و تثبتوا لأنفسكم بأنكم ما زلتم أحياء تسمعون و تفقهون أن بقاء الأقصى في يد الصهاينة هو الصك الذي يمكنهم من فرض سيطرتهم نفسياً و فكرياً على الشعوب العربية و الإسلامية، يغلقونه فنثور و نغضب و يفتحونه فنهلل و نكبر، لكن على أرض الواقع ما من شيء قد تغير فما تزال فلسطين محتلة و الأقصى الشريف مهدد و الشعب الفلسطيني بالداخل تحت الإحتلال و بالخارج مشتت و لاجيء "عدا قطاع غزة المحرر و المحاصر" بتواطؤ من بعض الأنظمة و القوى العربية.

الأقصى يناديكم، لا لتنقذوه فله رب يحميه و شعب مرابط مجاهد حوله يفتديه بكل ما هو غالي و نفيس و لكن يناديكم لتعلم الدرس و أخذ العبرة من توحد الشعب الفلسطيني بكافة طوائفه و فصائله للدفاع عنه و حمايته، تناسوا كل شيء و اجتمعوا على محبة الحرم القدسي الشريف لأنه يخصهم و يخصنا جميعا.

الأقصى يناديكم، لقراءة الواقع الذي نعيشه، أي نعم لقد سَطر الشعب الفلسطيني ملحمةً كبرى بفرض ارادته و فتح ابواب المسجد الأقصى و إرغام الكيان الصهيوني على تفكيك البوابات الإلكترونية و إجباره على التراجع، و أحيا في النفوس ما اعتقد الكيان الصهيوني أنه تغير إن لم يكن قد مات و هو أن الشعوب العربية في غالبيتها توقن أنه العدو الرئيسي لها، لكن في نفس الوقت لا يمكننا اغفال الحقيقة المرة و هي التنازل و التراجع المستمر في أمنيات و مطالب الشعوب العربية و الإسلامية عبر الحكومات التي في غالبيتها لا تمثل شعوبها بل مفروضة عليها بقوة القهر و التغييب و التجهيل و التجويع و التمزيق قبل قوة السلاح.

تراجعت المطالب فبعد الإصرار على عودة كامل التراب الفلسطيني في اربعينيات القرن الماضي، ثم خسارة حرب 48 و قيام دولة الكيان، ثم الهزيمة الكارثية في حرب يونيو 67 و تراجعت مطالبنا إلى قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 67 عاصمتها القدس الشرقية، إلى اتفاقية كامب ديفيد 78 و تحييد مصر، ثم اتفاقية وادي عربة 94 و تحييد الأردن، و الصمت السوري المستمر منذ عام 74 و استمرار السيطرة الصهيونية على مرتفعات الجولان و كلنا يرى الوضع على الساحة السورية اليوم من حرب و دمار و ضعف و تفكك.

رفض الكيان الصهيوني المتكرر لكل مبادرات السلام بما يشبه الصفعة على وجه الكرامة العربية، و اتفاق اوسلو  93 و الذي اعترفت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بأحقية الكيان الصهيوني في العيش بسلام و اعترفت بدولته على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، و أجلت القضايا المصيرية كالقدس الشريف و اللاجئين و المستوطنين و المستوطنات و غيرها و المضحك المبكي أن الكيان الصهيوني لم يلتزم بمعظم بنود بالإتفاق و أصبحت القيادة الفلسطينية تطالبه بتنفيذ بنوده منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان.

الأقصى يناديكم، لتكونوا شعوباً واعية مدركة لخطورة أوضاعها و حجم التآمر عليها، و أن من يحول بيننا و بين أرضنا المحتلة في فلسطين و أقصانا الشريف في القدس و حريتنا و امتلاكنا لسيادتنا و قرارنا هي أنظمة قمعية و ديكتاتورية خاضعة للغرب متحالفة معه مأتمرة بأمره، بل تتخطى هذا بالتآمر و العمل على خنق و إضعاف أنظمة عربية و اسلامية تحاول الخروج من عباءة الهيمنة الأمريكية و الغربية.

 الكيان الصهيوني هو العدو الظاهر و الواضح لكن من لا يقل خطورةً عنه هم حلفاءه الذين و ياللعجب يتغنى الكثيرون منهم بأنهم قد بذلوا قصارى جهدهم للضغط على الصهاينة لفتح أبواب الأقصى و هم ما لم يحدث فالشعب الفلسطيني المرابط و المجاهد هو وحده صاحب الفضل في هذا الحدث التاريخي.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس