ترك برس

وُلد محمد عاكف في مدينة إسطنبول، لأم بخارية تدعى أمينة، وأب تركي يدعى محمد طاهر كان يعمل مدرسًا في مدرسة الفاتح وتعلم العربية على يديه. درس في مدرسة البيطرة وتخرج منها ليعمل مفتشًا في وزارة الزراعة. وحفظ القرآن الكريم في عمر التاسعة عشرة 19، ودرس علوم الحديث وتعلم اللغتين الفارسية والفرنسية.

بعد إعلان الحكم الدستوري سنة 1908 شارك في إصدار مجلة الصراط المستقيم التي نشر فيها معظم أعماله الأدبية والفكرية وعُين مدرسًا للأدب العربي والترجمة بين العربية والتركية في دار الفنون في جامعة إسطنبول. ولما هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ودخل الحلفاء إلى أراضيها شارك بتحرير بلاده بقصائد شعرية ملهبة، وانتخب بعد ذلك في مجلس النواب في دورته 1920 - 1923 ممثلًا عن ولايته، ولم تتم مشاركته في الدورة التالية بسبب الفكر الإسلامي الذي يحمله.

في سنة 1921، أعلنت الدولة عن مسابقة النشيد الوطني خُصص للفائز فيها مبلغ بقيمة 500 ليرة تركية. لم تكن لدى عاكف رغبة بالاشتراك فيها ولكن بعد أن رجاه وزير التربية حمدالله صبحي للاشتراك فيها وشجعه صديقه حسن بصري على ذلك قام بكتابة نشيد ٍ ليتقدم به للمسابقة. نجحت قصيدته وقرأها حمدالله صبحي ليستمع إليها أعضاء الجمعية العامة وقوفًا في البرلمان قُبل كنشيد وطني يوم السبت في 12 آذار/ مارس عام 1921 الساعة 17:45.

تبرع عاكف بجائزة 500 ليرة التي منحت له للمؤسسات الخيرية. لم يكن النشيد الذي كتبه محمد عاكف مجرد شعرٍ كتبه للاشتراك في المسابقة, لقد كان آلامًا عاشها أيام الحرب وآمالًا كان يرجو أن تتحقق في بلاده وبلاد المسلمين عامة. فالنزعة القومية التي كانت مسيطرة آن ذاك على الشعب التركي وغيره من شعوب المنطقة لم تتمكن من السيطرة على روح الأمة التي كانت تعيش بداخله.

قال في حواره الأخير الذي أجراه قبل وفاته في المستشفى مع محمد يلماز مدرس اللغة العربية في كلية الإلهيات بجامعة أولوداغ التركية: "حقاً إنما يكتب هذا الكلام بالإيمان والأمة المؤمنة فقط، فكروا معي قليلاً: هل كان بإمكاني أن أكتب كل هذا لو لم أمتلك الإيمان الراسخ وقتذاك... ولا بد لي أن ألفت الانتباه إلى أنه لا قيمة لنشيد الاستقلال على اعتبار أنه مجرد شعر وإنما تكمن قيمته في كونه أنه يعكس صفحة من صفحات تاريخنا بما فيها من آلام".

بعد انتهاء الدولة العثمانية، وإعلان مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية، صُدِم عاكف صدمة بالغة لأنه كان يدعو إلى الوحدة الإسلامية في أشعاره وكتاباته، فرأى أن ذلك كله قد ذهب أدراج الرياح وأن التركي المسكين كان يُعدم من أجل إصراره على الطربوش ورفضه القبعة وأن الإسلام يُحارب بشدّة، فآثر الخروج من تركيا والذهاب إلى مصر التي زارها مرتين سابقًا بدعوة من صديقه الأمير عباس حليم باشا.

وبعد مرور عشر سنوات على مكوثه فيها غادرها إلى لبنان سنة 1935، ثم عاد إلى إسطنبول حاملًا معه آلام الفقر والوحدة والغربة التي عاناها، ليموت ويدفن فيها في 27 أيلول/ ديسمبر سنة 1936.

ولا زال نشيد الاستقلال التركي "استقلال مارشي" (İstiklal Marşı) يُرفع في شوارع تركيا ومؤسساتها ومدارسها وجامعتها وبيوتها حتى يومنا هذا، فالأتراك وإن اختلفوا على الكثير من الأفكار والسياسات والتوجهات، استطاع محمد عاكف توحيدهم جميعًا في حبهم وتقديسهم لهذا النشيد الوطني، فما إن تُسمع كلماته في مكان ما حتى يقف الجميع إجلالًا لآلام وآمال هذا الوطن التي لطالما عاشت في قلب محبّه الراحل، محمد عاكف أرصوي.

"أنت ابن شهيدٍ حاذر من أن تؤذي أباك

لا تتخلَّ عن هذا الوطن الجنة, وإن امتلكت العوالم

أيها الهلال الجميلُ لن تمزق, سأفديك بنفسي" 

مقطع من نشيد الاستقلال التركي

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!