د. محمد عزيز عبد الحسن - خاص ترك برس

هل إن نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا عبر الخط الغربي المار من أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا وبلغاريا، سيتوقف مع افتتاح الخط الأول في مشروع السيل التركي ؟

رؤية تحليلية لبيان :

ان مشروع السيل التركي سوف يحقق مزايا استراتيجيا لتركيا بحيث يجعلها حاضرة ومؤثرة وفاعلة في مسالة توزيع الطاقة بين الشرق الاوسط واوربا وابرزها الاتي :

اولا : تصاعد دور تركيا في توزيع الطاقة من الشرق الاوسط لاوربا مع تغيير الطريق في خط أنابيب التصدير "ساوث ستريم" من بلغاريا إلى تركيا. ؟

الامر الذي دفع  بلغاريا لتوقيع اتفاقية مع صربيا بشأن ترانزيت الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب "السيل التركي" الهادف لنقل الغاز من روسيا عبر قاع البحر الأسود إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا...

ثانيا :    استفادت روسيا من الموقع الجيو استراتيجي لتركيا وقربها من اوربا     في  تنويع مسارات تصدير غازها الطبيعي إلى أوروبا متجاوزة أوكرانيا...

 حيث تكمن مخاطر الترانزيت العالية.

وفي هذا الإطار أطلقت مشروعين استراتيجين لنقل الغاز هما "السيل الشمالي-2" و"السيل التركي".

ويتضمن مشروع "السيل التركي" مد أنبوبين عبر قاع البحر الأسود بسعة إجمالية تصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، أحدهما مخصص للسوق التركية، والثاني للمستهلكين الأوروبيين.

وأن  صادرات  الغاز الطبيعي الروسي  إلى تركيا عبر خط الأنابيب الغربي المار من أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا وبلغاريا، سيتوقف مع افتتاح الخط الأول في مشروع السيل التركي عام 2018

ثالثا : تعزيز العلاقات الروسية التركية في مجال الطاقة خاصة بعد ان منحت  هيئة تنظيم سوق الطاقة في تركيا، لروسيا رخصة إنتاج الطاقة الكهربائية لمحطة "آق قويو" النووية بولاية مرسين لمدة 49 عاما ...

رابعا : ادراك رجل الدولة الرئيس التركي اردوغان  ان مشروع السيل التركي سوف يحقق هدفين استراتيجيين في المدى المنظور القريب :

الاول:  تحويل  مصادر  الطاقة الى اداة سلام لا اداة حرب بين روسيا وتركيا

 الثاني : تحقيق منفعة مزدوجة لنهج الربح المتبادل  للجانبين الروسي والتركي في عدة مجالات ابرزها    .

أن مشاريع الطاقة وعلى رأسها الغاز الطبيعي، هي جزء مهم وموثوق لأمن إمدادات الطاقة للبلدين ( التركي والروسي ) خاصة و أن روسيا لاعب طاقة مهم في المنطقة لامتلاكها موارد واسعة من الغاز الطبيعي وبنية تحتية قوية لها سوف تستفاد منها تركيا

خاصة وان مشروع "السيل التركي" يتكون من خطين لأنابيب نقل الغاز بسعة 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، إذ سيُخصص أحد الخطين لنقل الغاز الطبيعي إلى تركيا لتلبية احتياجاتها، والخط الثاني لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

تقتضي سياقات التحليل العلمي والموضوعي للبحث

 طرح السؤال المحوري الاتي :

ماهي القيمة  الجيو استراتيجية لتنفيذ مشروع "السيل التركي" فهل سوف يسهم  في زيادة توريدات الغاز الروسي إلى تركيا، ام سيعزز مكانتها( تركيا ) كدولة عبور إمدادات الغاز إلى أوروبا ؟

ومنطق البحث يفرض  تساؤلات فرعية مشروعة ابرزها :

لماذا اختارت روسيا تركيا  لنقل الغاز لاوربا مع تغيير الطريق في خط أنابيب التصدير "ساوث ستريم" من بلغاريا إلى تركيا. ؟

هل يعود لان روسيا تعتبر تركيا أحد أبرز مستوردي الغاز الروسي

،(( حيث تحتل تركيا المرتبة الثانية في قائمة زبائن روسيا  بمشتريات بلغت عام 2016 نحو 24.76 مليار متر مكعب من الغاز

 وتستورد تركيا حاليا الغاز الروسي عبر خطين هما

 "البلقان" و"السيل الأزرق))

ام ان استياء العلاقات بين روسيا وأوكرانيا التي كانت بدورها معبراً للغاز الطبيعي الروسي إلى دول القارة الأوروبي، دفعت بموسكو بالبحث عن طرق بديلة لتصدير غازها إلى أوروبا، ووجدت ضالتها في مشروع السيل التركي ؟

وماهي دوافع اقدام بلغاريا على توقيع اتفاقية مع صربيا بشأن ترانزيت الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب "السيل التركي" الهادف لنقل الغاز من روسيا عبر قاع البحر الأسود إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا ؟

وهل تكمن دوافع  بلغاريا ((أدى إلغاء مشروع "ساوث ستريم" سابقا إلى خسارة بلغاريا أكثر من أربعمئة مليون دولار سنويا كعائدات محتملة من عبور الغاز الروسي لاراضيها ))

في ايجاد بدائل استراتيجية لامدادت الغاز من خشيتها (بلغاريا  في حالة اذا أردات روسيا وقف نقل الغاز عبر أوكرانيا سيكون بإمكانها أخذ الغاز من السيل التركي؟"

واخيرا يبقى التساؤل الاهم

 هل سيقع مشروع السيل التركي تحت طائلة العقوبات الامريكية ضد روسيا  ام لا ؟

وما هو مصير الشركات الاجنبية الاستثمارية والتي تقوم  بتوفير السلع وتقديم الخدمات لمشاريع خطوط أنابيب الغاز الروسية ماليا وقانونيا؟

 وابرزها الشركات السويسرية ؟

وماهو مصير الاتفاقيات  وتبعاتها القانونية والتي عقدتها روسيا  مع عدة  دول  لتسهيل مشروع "التيار التركي"وتسهيل  عملية تدفق الغاز نحو أوروبا.

 اذ وقعت كل من شركة "غازبروم""وأديسون سبا"

 (Edison SpA) "وديبا سا" (DEPA SA)، مذكرة تفاهم بشأن إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى اليونان ومن اليونان إلى إيطاليا؟

موقع تركيا الجيو استراتيجي ...

تركيا  بحكم موقعها المتميزتقوم بالفعل بدور الجسر الطبيعي لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا ..

اذ تقع تركيا في منتصف المناطق الأربعة

وهي البلقان ,القوقاز , الشرق الأوسط والخليج ...

 وهذا الموقع  يضع تركيا ضمن أهمية جيو استراتيجية حيث لا

غنى عنها بالنسبة لروسيا ة ؟ واوربا ؟

والولايات المتحدة الامريكية ؟

الذين يعرفون جغرافيَة هذة المناطق واهميتها في نقل خطوط الغاز الى اوربا ؟

تقع تركيا ضمن شبه جزيرة الاناضول

ويحيط بها ثلاث بحار : البحر الأسود , البحر الأبيض المتوسط و بحر إيجه .

لكون  تركيا  تقع ضمن شبه جزيرة الاناضول ,

فانها تتمتع بموقع مركزي ضمن يابسة العالم حيث أنها نقطة التقاء لثلاث قارات – آسيا وأوروبا وافريقيا – عبر البحر الأبيض المتوسط

وعلى مدى عدة قرون , كانت تركيا بمثابة ممرجيو استراتيجي  للانتقال من الغرب للشرق ومن الشرق للغرب.  

وتعتبر بلدان الشرق الأوسط تركيا أهم بلد للعبور للعالم الغربي . حيث تركيا تقوم بالفعل بدور الجسر الطبيعي لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.

فالشرق الاوسط هو المورد الأساسي للطاقة ومنه تكون تركيا ممراً لنقلها للاتحاد الأوروبي , غير أن الاتحاد الأوروبي يقوم بزيادة موردي الطاقة وبلدان العبور إلى حد ما لتامين وصول امدادات الغاز اليه من عدة منافذ  ...

ومن حيث الطاقة تعتبر تركيا ذات أهمية جغرافية سياسية كبيرة للاتحاد الأوروبي .

وهي مهمة أيضاً للمنتجين لأنها الأكثر أماناً وأسهل الطرق للتصدير .

لذلك تقوم تركيا بمشاريع من شأنها أن تجعلها ممن يمررون الطاقة للغرب ويعد مشروع السيل التركي نموذجا عمليا ...

ولهذه الأسباب تعتبر تركيا ذات أهمية كبيرة للاتحاد الأوروبي ومنتجي الطاقة ,

وبالتالي ضمن مشاريع المستقبل القريب التي ستنجزها تركيا ستكون نقطة عبور أساسية جيو استراتيجية مؤثرة وفاعلة  وممرا مهما لنقل امدادات الغاز لاوربا  لا غنى عنه بين الشرق والغرب ..

ويتوقع خبراء الطاقة الروس الى حقيقة تعزز مكانة تركيا وروسيا في مجال توزيع امدادات الطاقة في المدى المنظور القريب الى انه  لدى الأوروبيين مجموعة من المشاريع البديلة عن " الممر الجنوبي"( السيل الجنوبي )، وهي الآن مجمدة (ITGI، SEEP، Nabucco West) علماً بأنها جميعا تبدأ من تركيا بالتحديد. وبالتالي، فإن تنفيذ الخط التركي(مشروع السيل التركي ) يسمح، بالنسبة للغاز الروسي، بتنفيذ جميع هذه المشاريع في وقت واحد

و حسب الاحصائيات العالمية فان اكثر من 20% من الغاز والنفط المطلوب لاوربا يمكن ان ياتي عبرتركيا سؤاء من بحر قزوين واسيا الوسطى والشرق الاوسط

ويمكن من خلالها (تركيا ) المساعدة في تنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيداً عن روسيا ولكن الواقع الحالي يؤكد استحالة تنفيذ ذلك ربما يتحقق في المدى المنظور المتوسط ؟           

 

الصراع الروسي الاوكراني  والقيمة الجيو استراتيجية لمشروع السيل التركي واثره في نقل الغاز الروسي لاوربا ؟

منذ اندلاع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا ارتفعت اسهم تركيا بموقعها الجيو استراتيجي في ان تكون بديل موثوق لروسيا في تجهيز الغاز إلى أوروبا.

وفي الواقع، إن تركيا هي الدولة الوحيدة القريبة من حدود أوروبا التي تمتلك بموقعها الجيو استراتيجي ما يكفي من مقومات في أن تكون مركزاً آمناً للطاقة بالنسبة إلى أوروبا" عبرنقل الغاز الطبيعي الروسي  الى معظم أسواق الغاز الأوروبية.

علما بانه  يمكن للدول الأوروبية استيراد الغاز الروسي من خلال عد منافذ منها تركيا أو خط أنابيب يمر عبر أرمينيا وجورجيا، ومن ثم تحت البحر الأسود.

 الا ان خط غاز السيل التركي سيكون بديلا استراتيجيا لساوث ستريم أو "السيل الجنوبي...

((في  الأول من كانون الأول 2014 وبعد سنوات من المفاوضات مع الطرف الأوروبي، التي باءت بالفشل وإيقاف بلغاريا أشغال تنفيذ المشروع ساوث ستريم على أراضيها وفي حزيران 2014، أعلن فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي أثناء قيامه بزيارة عمل إلى تركيا موت مشروع "ساوث ستريم" نهائيا،

واقترح مشروع "السيل التركي" بديلا عنه مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا الى تركيا

 ودول أوروبية، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية، حيث يفترض إقامة مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.    ))

 ويعد خيارا جيو استراتيجيا لروسيا لانه يحقق لها بدائل استراتيجيا ابرزها الاتي :

 

اولا : تعزيز أمن الطاقة لدول جنوب شرق ووسط أوروبا في ظل الأزمة الأوكرانية الجارية لان روسيا وبناء على توقعات خبراء الطاقة وضعوا هذه الدول في مشاريع لبناء خطوط نقل الطاقة اليها وعبر منافذ ابرزها تركيا وربما بلغاريا ان توفرات ظروف سياسية  مناسبة وهو امر ربما يتحقق في المدى المنظور المتوسط ؟

ثانيا : يتصاعد دور تركيا في توزيع الطاقة من الشرق الاوسط لاوربا مع تغيير الطريق في خط أنابيب التصدير "ساوث ستريم" من بلغاريا إلى تركيا.

 وعقب استياء العلاقات بين روسيا وأوكرانيا التي كانت بدورها معبراً للغاز الطبيعي الروسي إلى دول القارة الأوروبي، بدأت موسكو بالبحث عن طرق بديلة غير اوكرانيا  لتصدير غازها إلى أوروبا، ووجدت ضالتها في مشروع السيل التركي كخطوة استراتيجية سوف يتبعها مشاريع مستقبلية لبناء المزيد من خطوط نقل الغاز الروسي الى اوربا وبشرط ان تكون تركيا هي مركز او محور مرور هذه الخطوط لذلك روسيا مستعدة لتقديم تنازلات سياسية لتركيا في سوريا والعراق مقابل نجاح مشروع السيل التركي وتعزيزه بالمزيد من شبكات خطوط نقل الغاز الروسي لاوربا لماذا لان روسيا وضعت مخطاطات لاستمرار احتكار نقل الغاز لاوربا لغاية 2035 ؟

ويتكون السيل التركي  كمشروع ضخم من 4 أنابيب تصل القدرة الاستيعابية للواحدة منها إلى 15 مليار و750 متر مكعب من الغاز الطبيعي، ويبلغ طول المشروع ألف و117 كيلو متر، 910 كيلو متر تحت قاع البحر الأسود و260 كيلو متر فوق سطح الأرض.

وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قال وزيرُ الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك"

إنَ "ثمة تعديل جرى على المشروع ليصير خطين فقط وليس أربعة خطوط كما كان متفق عليه سابقا، بحجم اجمالي يبلغ 31.5 مليار متر مكعب سنويا".

و أضاف "نوفاك

" أنّ الخط الأول من المشروع سيُخصص لتركيا وحدها، وسيمدها سنويًّا بـ 15.75 مليار متر مكعب ، بينما الخطّ الآخر سيُخصّص لباقي الدول الأوروبية.

 

وتتكفّل شركة غاز بروم الروسية بإنشاء القسم الذي يعبر من أسفل قاع البحر الأسود بمفردها، فيما سيتم إنشاء القسم العابر للأراضي التركية بالتشارك بين الدولتين، في حين يُنتظر أن تصل التكلفة الإجمالية للمشروع قرابة 19 مليار دولار أمريكي ؟

ويبدأ مشروع خط أنابيب السيل التركي من الأراضي الروسية ويعبر أسفل قاع البحر الأسود، ليدخل الأراضي التركية عبر ولاية قرقلار إيلي الشمالية الغربية ومن ثمّ إلى الأراضي اليونانية التي ستكون خزاناً للغاز الروسي عند نهاية المشروع.
 ثالثا : يتيح لروسيا التنوع بمنافذ تصديره لغازه الى اوربا وربما يحقق  مصلحة مشتركة بين موسكو واوربا في إقصاء كييف كمعبر للغاز الطبيعي إلى قلب أوروبا.

رابعا : يتيح الخط لموسكو امكانية احتكارتصدير الغاز الى اوربا ((بلغاريا وصربيا وكرواتيا واليونان عانت عام 2009 من   تازم العلاقات الروسية الاوكرانية  ونتج عنها قطع امدادات الغاز الروسي عن هذه الدول في ايام الشتاء وسوف تبقى هذه التجربة حاضرة في ذاكرة هذه الدول لذلك ستجد نفسها مضطرة لتقبل الوضع الحالي حتى يظهر بديل استراتيجي يغنيهم عن الغاز الروسي وهو مستعبد في المدى المنظور القريب ؟ )) او على الاقل تعزيز  مجال نفوذها في قطاع الطاقة مرة أخرى في أوروبا لغاية 2035...

اذ تتوقع شركة غاز بروم الروسية ...

أن تضخ روسيا عبر مشروع السيل التركي  قرابة 63 مليار مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، حيث من المقرر أن تأخذ تركيا قرابة 14 مليار متر مكعب من هذه المادة سنوياً، ويتم ضخ الكمية المتبقية (49 مليار متر مكعب) إلى دول القارة الأوروبية .

بالمقابل  اتفقت "غازبروم" مع هنغاريا (المجر) على تزويدها بالغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب "السيل التركي".

اذ صرح  وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيايارتو إن فرع "السيل التركي" إلى هنغاريا سيكتمل بنهاية عام 2019. وأضاف أن بودابست تعتبره الخيار الأفضل، مقارنة بمسارات أخرى لتوريد الغاز.  

 خامسا : استثمار روسيا للتبعات القانونية والسياسية الناتجة عن انتهاء عقد تزويد الغاز لاوربا عبركييف عام 2019في تعزيز دورها كمورد اساسي للغاز لاوربا

وعبر منافذ جديدة او قديمة تقررها الحكومة الروسية بمحض ارادتها وربما بفرض شروط او اسعار تناسبها لاتناسب اوربا خاصة وان انتهاء العقد عام 2019 يعطي مزايا تكتيكية  لموسكو تعزز من قيمتها الاستراتيجية بتوريد الغاز لاوربا لغاية عام 2035 وكما يلي :

#   استمرار عقود الغاز بين روسيا والدول الأعضاء في وسط شرق وجنوب شرق أوروبا (تعتمد مثلاً دول شرق وجنوب شرق أوروبا على الغاز الروسي بنسبة تتراوح بين 60% و100%..

#  بداية من يناير/كانون الثاني عام 2020, لن تصبح موسكو ملتزمة بتصدير غازها لهذه الدول عبر أوكرانيا.

#  روسيا كانت ولازالت تبحث عن بدائل استراتيجية لتعزيز تنوع منافذ وصول غازها لاوربا منها إنشاء خط غاز نورث ستريم أو "السيل الشمالي" الذي يربط بين روسيا وألمانيا ضمن خط  بياني  يعبر إلى بلغاريا, وصربيا, والمجر والنمسا بالإضافة لليونان وايطاليا... وكان روسيا من تحركها نحو هذا الخط ارادت تحقيق هدفين في ان واحد وهما : 

 اولا : سوف يسهم  هذا الخط عمليا وليس افتراضيا في الانخفاض التدريجي  لحجم الغاز الروسي الذي يمر عبر أوكرانيا لأوروبا ...

ثانيا : معاقبة روسيا لاوكرانيا عبرالتقليل من اهميتها كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي

ونتذكر انه في عام 2011 عمدت روسيا في شراكة مع المانيا الى بناء خط انابيب بحري نورث ستريم يمر عبر بحر الشمال  ويسمح بتوريد 55 مليارمتر مكعب من الغاز الروسي سنويا الى المانيا مباشرة،

وبهذا اصبحت كمية الغاز الروسي التي تنقل عبر اوكرانيا اقل من 47% من الكمية الاجمالية للامدادات الروسية لاوربا ...

مصداقية البحر الأسود كمسطح مائي  وقيمته الجيو استراتيجية لنقل الغاز الروسي لاوربا ؟

البحر الاسود كمسطح مائي إستراتيجي يفصل بين الشرق الأوسط, وروسيا, والقوقاز وشرق أوروبا  وخيار تركيا لتزويد أوروبا بالغازالروسي؟ ..

مهما كانت مصداقية خيار تركيا لتزويد أوروبا بالغازالروسي ، فإن هناك كوابح رئيسية من شأنها أن تؤدي إلى تباطؤ دخول تركيا إلى أسواق الغاز في أوروبا :

     أولاً : الحاجة إلى إنتاج المزيد من الغازالروسي

     ثانياً : الحاجة إلى بناء البنية التحتية اللازمة لنقله إلى أوروبا، لان الاستثمار في مجال تشييد خطوط نقل الغاز الروسي عبر تركيا الى اوربا يحتاج الى اموال طائلة

فعلى سبيل المثال تبلغ كلفة بناء الخطوط الأربعة لمشروع «السيل التركي» نحو 11.4 مليار يورو، غير متضمنة ضريبة القيمة المضافة، وتبلغ كلفة خط الأنابيب الأوّل نحو 4.3 مليارات يورو  ...

ولا يتم استرداد هذه التكاليف سوى على مدى سنوات عديدة. وبالتالي، لا يتم الاستخفاف بتنفيذ مثل هذه الاستثمارات.

لذلك  أن إنتاج الغاز الطبيعي يتطلب استثمارات أكبر بكثير من إنتاج النفط، كما أن إبرام عقد تجهيز يستغرق عادة عدة سنوات.

رابعا : تحجيم المنافسين لروسيا في مجال انتاج الغاز وتصديره 

ففي عام 2007، عندما افتتحت طهران إمدادات الغاز إلى دولة أرمينيا المجاورة، سارعت شركة "غازبروم" الروسية إلى شراء مشروع خط الأنابيب داخل أرمينيا وبنته ضمن محيط صغير لمنع استخدامه في المستقبل لنقل الغاز إلى الأسواق الأوروبية.

 كما ويمكن لموسكو وطهران أن تجدا نفسيهما تتنافسان للحصول على حصة من سوق الغاز في تركيا المجاورة.

 وبما أن تركيا هي بالفعل ثاني أكبر سوق لروسيا بالنسبة لصادرات الغاز، فإن دور تركيا في استراتيجية روسيا لتصدير الغاز قد تصاعد مؤخراً مع تغيير الطريق الذي اقترحته روسيا في خط أنابيب التصدير "ساوث ستريم" من بلغاريا إلى تركيا.

بلغاريا ومشروع السيل التركي والبحث عن بدائل استراتيجية بعد فشل مشروع ساوث ستريم ؟

كانت مبررات  رئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف اتجاه مشروع السيل التركي تنطلق من الاسس الاتية :

اولا : بشأن كميات الغاز التي ستكون بلغاريا على استعداد لاستيعابها عبر مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز " حوالي 15.7 مليار متر مكعب

ثانيا :     توقيع اتفاقية مع صربيا، وسوف نحصل على تدفق بحجم 10 مليار متر مكعب من بلغاريا إلى صربيا".  

ثالثا : أضاف بوريسوف "إذا أردات روسيا وقف نقل الغاز عبر أوكرانيا فبإمكاننا أخذ الغاز من السيل التركي".

رابعا:    بدأت بلغاريا تركز جهودها على مشروع غاز شرق المتوسط الذي تقوده إسرائيل وقبرص لتصدير غاز شرق الحوض إلى أوروبا.

 منذ وقف مشروع ساوث ستريم  بدأت زيارات بلغارية إلى إسرائيل واليونان لمناقشة مشروعات للطاقة تُصدر بموجبها تل أبيب غازها (غاز مُسال) إلى أوروبا عبر اليونان وبلغاريا.

بذلك قد يعزز تراجع مشروع ساوث ستريم من مشروعات التصدير الإسرائيلية القبرصية إلى أوروبا على حساب موسكو.

تستهدف صوفيا من هذه المشروعات تعزيز موقعها الإقليمي كمعبر للغاز الطبيعي إلى أوروبا,

وإن ظلت معبرا من الدرجة الثانية مقارنة بتركيا.

خامسا : من ضمن البدائل الاستراتيجية اقترح خبراء الطاقة في بلغاريا الاستثمار في مجال بناء خطوط غاز عبرتوظيف موقعها الاستراتيجي كممر حيوي لنقل امدادات الغاز الى اوربا

وكانت اراء الخبراء تؤكد على امرين وهما :

الاول : ربط خطوط الغاز المزمع بنائها مع كل من تركيا واليونان لتعزيز أمن طلبها الداخلي على الغاز الطبيعي

الثاني : من اجل تجنب انعكاسات الازمة الاوكرانية الروسية على امدادات الطاقة الى اوربا اقترح خبراء الطاقة في بلغاريا ربط شبكات تركيا واليونان  بدول جنوب شرق ووسط أوروبا المهددة في قطاع الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية التي قد تنعكس على أمن إمدادات الغاز الطبيعي اليها وهو امر ربما يحصل  في المدى المنظور المتوسط وليس امام هذه الدول غير مشروع السيل التركي لانه مشروع جيو استراتيجي لامن الطاقة في المنطقة ؟

اذ أعلن وزير الطاقة التركي بيرات البيرق أن خط نقل الغاز " السيل التركي" هو مشروع رئيسي لإمدادات الغاز لتركيا وتنويع طرق إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.

 واضاف ايضا (( يفترض مشروع السيل التركي تشييد خط لأنابيب الغاز عبر البحر الأسود إلى الجزء الأوروبي من تركيا ومنها إلى الحدود مع اليونان. وسيبلغ طول القسم البحري من الخط حوالي 910 كلم، والقسم البري داخل الأراضي التركية - 180 كلم((.

ونقلت وكالة "نوفوستي" الروسية عن نوفاك قوله ، إن "تركيا مهتمة بأن يصلها الغاز بشكل مباشر دون العبور بدول أخرى،

 وفي هذا الإطار فإن هناك خطاً واحداً على الأقل ضمن مشروع السيل التركي بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز مخصص للمستهلك التركي".                                                  
 اما رئيس الوزراء التركي يلدريم فانه صرح                                                   ((أن مشروع "السيل التركي"، الذي يهدف لنقل الغاز الروسي إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، سيضمن تحقيق أمن الطاقة لبلاده وللدول المجاورة.

وإن تركيا تتخذ موقفا بناءا في موضوع إيصال الطاقة من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا وأن تركيا تسعى إلى مد أنابيب طاقة مع كل من روسيا واليابان والصين إلى جانب تحقيق مشاريع كبرى حتى 2023.  

وصرح وزير الشؤون الخارجية الهنغاري بيتر سيايارتو،  عن موقف بلاده من مشروع السيل التركي بقوله:

(( ترى هنغاريا، أن إمدادات الغاز عبر السيل التركي هو أفضل سيناريو، بما أن الطرق الأخرى لإمدادات الغاز لم يجر العمل بها، أي عبر رومانيا أو كرواتيا.. لهذا السبب، هناك مصلحة لدى هنغاريا بالحصول على الغاز(الروسي) من الجنوب، عبر تركيا((.

وان إنجاز مشروع "السيل التركي" سيسمح بتأمين إمدادات الغاز الروسي ليس إلى تركيا فقط، بل وللمستهلكين في جنوب وجنوب شرق أوروبا، ويخطط من خلال المشروع لنقل 31.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.

وختاما يمكن الوصول الى النتائج الاتية :

اولا : ان تركيا من خلال انجاز مشروع السيل التركي فانها تسعى لتحقيق هدفين استراتيجين في المدى المنظور القريب وهما :

# السيل التركي منح تركيا فرصة الحصول على الغاز الروسي بأسعار مناسبة

من خلال  الاتفاق على آلية لخفض سعر الغاز الطبيعي الروسي  لتركيا والتي تعتبر ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد ألمانيا.

إذ بلغت مشترياتها من عملاق الغاز الروسي “غازبروم” في عام 2016 27 مليار متر مكعب.
    #  ان انجاز مشروع السيل التركي سوف يحقق مزايا جيو استراتيجية في مجال توزيع الطاقة بين الشرق الاوسط لاوربا  وبتحقيقه لمشروع “السيل التركي”، تصل تركيا لمكانة  تحتل   فيها مركزاً إقليمياً لعبور الغاز الروسي لاوربا  في المدى المنظور القريب

 # عائدات مالية تعزز المركز المالي والاقتصادي التركي لانها ستجني (تركيا ) رسوم ترانزيت الغاز الروسي المورد إلى أوروبا تقدر بحوالي مليار دولار سنويا .

ثانيا :  أما روسيا،فان مشروع السيل التركي سيحقق لها فوائد مالية واقتصادية باضافة الى مزايا اخرى ابرزها الاتي :

# الحد من اعتمادها على أوكرانيا في ترانزيت الغاز

#. زيادة الإمدادات إلى جنوب أوروبا.
فعلى سبيل المثال تورد روسيا حاليا الغاز إلى تركيا عبر خط “السيل الأزرق” الذي تم تشغيله مطلع القرن الحالي، ولكن طاقته التمريرية تبلغ 16 مليار مكعب من الغاز سنوياً فقط، ما يضطر روسيا لتوريد جزء من إمداداتها إلى تركيا عبر أوكرانيا ومروراً بمولدوفا ورومانيا وبلغاريا.
# ستحقق روسيا من مد “السيل التركي” مكاسب جيوسياسية لانه عمليا وليس افتراضيا حسب راي خبراء الطاقة الروس اصبح بديلاً لمشروع “السيل الجنوبي” الذي تعثر في نهاية عام 2014 وسط تصاعد الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الأزمة الأوكرانية.

# ان الرئيس الروسي بوتين  يريد من تقاربه مع تركيا بمجال النفط والغاز ، أن يظهر روسيا كلاعب أساسي الشرق الأوسط  والبلقان والقوقازعبر اعتماد استراتيجية مفادها :

الطاقة الروسية تصنع من المنافسين شركاء ؟

#  يُظهر دخول روسيا في مشروع مد خط السيل التركي  بينه وبين تركيا أن موسكو ستستمر في محاولة السيطرة على كل من اذربيجان وارمينيا وتركمنستان وكازاخستان واوكرانيا وطهران وبقية المنافسين الآخرين في مجال الطاقة من خلال التعاون الفعال معهم

بالرغم من التعقيدات القائمة بين روسيا وهذه الدول ...

فان  سياسة بوتين الإقليمية تنطلق من تطبيق عملي لاستراتيجية روسيا القائمة على مبدا (( الطاقة الروسية تصنع من المنافسين شركاء )) والمحصلة لهذه الاستراتيجية كنت بتعزيز مكانة روسيا

كمورد اساسي للغاز لاوربا ...

وعبر استثمار ظرفين :

الاول : استمرار فرض العقوبات الدولية على ايران

ففي عام 2007، عندما افتتحت طهران إمدادات الغاز إلى دولة أرمينيا المجاورة، سارعت شركة "غازبروم" الروسية إلى شراء مشروع خط الأنابيب داخل أرمينيا وبنته ضمن محيط صغير لمنع استخدامه في المستقبل لنقل الغاز إلى الأسواق الأوروبية

الثاني : الصراع الايراني القطري على ترسيم حدود حقل "غاز الشمال/فارس الجنوبي" المشترك بين الدولتين.

 أن الصراع بين الدوحة وطهران على ترسيم هذه الحدود قد أُحبط إلى حد ما بسبب العقوبات - وبموازاة ذلك غياب الاستثمار في الإنتاج الإيراني في الحقل المتنازع عليه...

و أن حقل الغاز الطبيعي هذا هو أحد أكبر الحقول في العالم

وأهم مصدر لصادرات قطر الضخمة من الغاز الطبيعي المسال، كما

وأنه يشكل المنطقة الرئيسية التي تستثمر فيها إيران قدرات جديدة في مجالي الغاز والنفط وانه امر لن يتحقق في المدى المنظور القريب بل ربما في المدى المتوسط لاعتبارين :

الاول يتعلق باستحالة رفع العقوبات الدولية عن ايران في المدى المنظور القريب

 والثاني يتعلق باستكمال الاجراءات العسكرية والسياسية والاقتصادية لضرب ايران

اذ تشير التقارير الاستخبارية الاسرائيلية والامريكية وعبر مراكز بحوثها بان ضرب ايران اصبح مسالة وقت وانه سوف يتحقق في المدى المنظور القريب ؟

وانها (ايران ) ربما تتعرض لضربة نووية تكتيكية او تعرض منشاتها النووية ومعاملها ومختبراتها للاسلحة الكيمياوية والبايلوجية الثابتة والمتحركة؟

 وكذلك بعض مواقعها العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة

وحتى بعض مواقعها العسكرية المنتخبة في العراق وسوريا ولبنان الى ضربات جوية وصاروخية من قبل اسرائيل والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية  ؟...

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس