د. محمد عزيز البياتي - خاص ترك برس

إن السياسة الخارجية التركية  هي سياسة متعددة الأبعاد، بمعنى أن علاقات تركيا مع اللاعبين الدوليين المهمّين مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي هي علاقة تكاملية وليست تنافسية.

وتظهر هذه السياسة تركيا شريكاً استراتيجياً مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال العلاقات الثنائية عبر حلف الناتو، وهي تسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإلى علاقات حسن جوار مع روسيا وعلاقات تكاملية مع منطقة أوراسيا. 

ولذلك فالعلاقة الجيدة على سبيل المثال مع روسيا ليست بديلاً عن العلاقة  مع أوروبا، ومثلها نموذج الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا ليست علاقة موجهة ضد روسيا. وإن محددات تنفيذ السياسة الداخلية والخارجية التركية تستند إلى ثلاثة ركائز استراتيجية وكالآتي:

1- النظام الإقليمي الشرق أوسطي هو المجال الحيوي والعمق الاستراتيجي للسياسة الخارجية التركية.

2- السياسة الخارجية التركية يجب أن تصنع ارتبطًا بالانتماء الحضاري الإسلامي.

3- استذكار أن الدولة العثمانية كانت إمبراطورية متعددة الثقافات، وبالتالي يجب على السياسة الخارجية التركية أن تحترم وتستوعب كل الثقافات القومية، وهو مافعله والتزم به حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للحكم  عام 2002 ولحد الآن.

تنطلق فرضية بحثنا من الآتي: 

أولا: القوة الناعمة والبراغماتية أبرز ركيزتين في تنفيذ السياسة الخارجية التركية.

وهما عنصران رئيسان في دولة محورية مثل تركيا تسعى إلى امتلاك القوة والتموضع لتكون في النهاية لاعبة مؤثرة وحاضرة في علاقاتها الإقليمية والدولية؟

ثانيا: رغم غياب التوافق القيمي بين الساسة الأتراك والإسرائيليين فإنه ممكن الافتراض رغم الفجوة القيمية الكبيرة القائمة ما بين النخبة التركية والإسرائيلية بأنه ربما  تعود تركيا وإسرائيل إلى التعاون في النقاط التي تلوح منها فائدة مشتركة.

ثالثا: تركيا بحكم موقعها الجيو استراتيجي تستطيع أن تكون حاضرة ومؤثرة وفاعلة في جغرافية النزاعات القادمة، ومفادها التنافس على إمدادات الطاقة ومسارات خطوطها الأسياسية، وهذه الحقيقة أدركتها إسرائيل.

لذلك حاولت ولا زالت تحاول إسرائيل التقرب من تركيا لأجل حل إشكالية تصدير غازها لأوروبا عبر تركيا واليونان.

رابعا: يكتسب موضوع إمدادات الطاقة أولوية مهمة للقادة الأتراك لأنهم أدركوا أن تركيا بحكم موقعها الجيو استراتيجي تستطيع أن تشكل عقدة مهمة لنقل إمدادات الطاقة من الشرق إلى الغرب.

وفي ظل ممكنات الفعل الاستراتيجي، فإن تركيا بعد نجاح مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي لأوروبا عبر تركيا سوف تبقى مركز رئيس لشبكة توزيع إمدادات الطاقة من الشرق للغرب في المدى المنظور القريب والمتوسط. 

أبرز محطات التوتر في العلاقات التركية الإسرائيلية بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا

أولا: غاز غزة مارين واستمرار الحصار الإسرائيلي لغزة. ففي 8 أيلول/سبتمبر 2011، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لقناة  "الجزيرة" إن حكومته قد اتخذت خطوات لمنع إسرائيل من استغلال أحادي الجانب للموارد الطبيعية في البحر المتوسط.

وأضاف: "لقد بدأت إسرائيل تعلن أن لديها الحق في العمل في مناطق اقتصادية حصرية في البحر الأبيض المتوسط"، مستشهداً على ما يبدو بالخطط الإسرائيلية للاستفادة من احتياطيات الغاز المكتشفة حديثاً بالقرب من شواطئ البحر.

وقد حذر السيد أردوغان بقوله: "لن تكون إسرائيل المالك لهذا الحق لأنه ملك لغزة، ولها كل الحق بتصديره للخارج وتوظيف عوائده لتطوير واقعها البنيوي والخدمي والاقتصادي.

ثانيا: جوهر الخلاف التركي الإسرائيلي يكمن في النزاع غير المحسوم على قبرص. ففي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت التوترات في الجزيرة - بين الطائفة الناطقة باليونانية التي تدعمها أثينا والأخرى الناطقة بالتركية المدعومة من قبل أنقرة - غالباً ما تبدو بأنها تشكل خطراً أكبر على السلام الإقليمي من الاختلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ومنذ عام 1974، عندما أرسلت تركيا قواتها إلى الجزيرة لدعم الطائفة القبرصية التركية وانقسمت الجزيرة وتدخلت قوات الأمم المتحدة للتوسط بين الجانبين وقد فشلت محاولات متكررة لتحقيق المصالحة.

وبدعم أنقرة أقام القبارصة الأتراك "الجمهورية التركية لشمال قبرص" المستقلة نظرياً، والتي تعززت بوجود أكثر من 30000 جندي تركي. وفي الوقت نفسه، أصبحت جمهورية قبرص ذات الأغلبية اليونانية عضواً في الاتحاد الأوروبي وتعتبر ممثلة للجزيرة كلها.

ثالثا: احتياطات الغاز في حوض البحر المتوسط والتوتر التركي اليوناني.

تركيا كضامنة لـ 'الجمهورية التركية لشمال قبرص' قد اتخذت خطوات في منطقة (الموارد القريبة من شاطئ البحر)، وسوف تنشد حقها بحزم في  مراقبة المياه الدولية في شرق البحر المتوسط. ومثل هذه السياسة يمكن أن تضع تركيا في نزاع مع جميع الحكومات الساحلية في المنطقة، من جمهورية قبرص إلى إسرائيل ولبنان ومصر وسوريا 
مصادر الطاقة تجعل من المتنافسين شركاء.

غاز غزة مارين ورفع الحصار الاقتصادي عنها مقابل تصدير الغاز الإسرائيلي للخارج

المكافأة الدبلوماسية التركية للسماح للغاز الإسرائيلي بتصديره للخارج  يتمثل في غاز مارين غزة الطبيعي الموجود في عرض البحر والسماح للفلسطينيين باستثماره لتطوير البنى التحتية وواقع الخدمات وتنشيط الاقتصاد في قطاع غزة، وهو أمر ترفضه إسرائيل لخشيتها من استثمار حماس للعائدات المستحلة من تصدير غاز مارين في تطوير قدراتها العسكرية وخاصة المنظومة الصاروخية والمحصلة تهديد الأمن القومي الإسرائيلي.

وقد تم اكتشاف الحقل الذي يُعرف باسم "غزة مارين" في عام 2000 ولم يدخل إلى مرحلة الإنتاج بسبب الخلافات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بالإضافة إلى سيطرة "حماس" على القطاع عام 2007. وعلى الرغم من موقع الحقل إلا أنه يخص السلطة الفلسطينية وليس نظام "حماس" في غزة.

إن رضوخ إسرائيل هنا مطلوب لأسباب أمنية، حيث إن الغاز يقع في منطقة تجوبها دوريات البحرية الإسرائيلية. ورغم ذلك تنازل رئيس الوزراء السابق إيهود باراك عن ملكية الحقل لصالح الفلسطينيين في عام 2001 كبادرة حسن نية، وعدلت إسرائيل الحدود البحرية الافتراضية في المنطقة بحيث يقع حقل "غزة مارين" بالكامل داخل المياه الفلسطينية بدلاً من عبوره "المنطقة الاقتصادية الحصرية" لإسرائيل.

ويبلغ احتياطي الحقل تريليون قدم مكعب، وبذلك فإن حجمه مفيد للاقتصاد الفلسطيني على الرغم من كونه ضئيلاً جداً قياساً مع الاكتشافات البحرية الإسرائيلية الأخيرة  الخاصة بها حقل "تامار"، الذي يقع على بعد قرابة خمسين ميلاً من حيفا غرباً، ويحتوي كمية غاز هي عشرة أضعاف ما يحتويه الحقل الفلسطيني وقد بدأ إنتاجه في آذار/مارس.

في حين أن حقل "لفياثان" القريب هو أكبر من "تامار" وحجمه 19 تريليون قدم مكعب.

وسوف تستمر احتياطيات "غزة مارين" على الأرجح لمدة 10-12 عاماً، لكن إدخاله حيز الإنتاج ينبغي أن يشجع بدء عمليات تنقيب جديدة عن حقول إضافية
إن الطريقة الأكثر وضوحاً لجلب الغاز إلى البر هو من خلال ربط الحقل بهيكل خط الأنابيب المجاور في قاع البحر الخاص بإسرائيل، والمرتبط بمحطة لمعالجة الغاز خارج أشدود 
 ومن هناك يمكن نقل الغاز بسهولة - وبثمن بخس - بواسطة الأنابيب إلى الضفة الغربية.

وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" أن المشروع سيحتاج إلى استثمار رأسمال قدره مليار دولار، ويمكن أن يبدأ إنتاجه بحلول عام 2017.

إن تطوير "غزة مارين" يمكن أن يعود بالفائدة للضفة الغربية وغزة وإسرائيل، بما يعزز الاحتمالات الاقتصادية للفلسطينيين ويدعم حق الشعور بتقرير المصير ويسهم في تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية.

ما هي الخيارات والبدائل الاستراتيجية لتصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا؟

تعد أذربيجان من أبرز البلدان الموردة الرئيسية للنفط الخام إلى إسرائيل. وتصل الإمدادات الأذرية عن طريق خط أنابيب باكو- تبيليسي - جيهان إلى تركيا، ومن هناك يتم توريدها بواسطة الناقلات. وتأتي إمدادات أخرى عبر موانئ البحر الأسود.

وبعد اكتشاف حقول الغاز الإسرائيلية فإن خبراء الطاقة الإسرائيليين درسوا كافة الخيارات لتصدير فائض الغاز وابتداءً من العام 2017. وكانت خياراتهم كالآتي:

- حقل "تامار" البحري للغاز الطبيعي الذي سيدخل مرحلة الإنتاج في عام 2013 سوف يفي بالطلب المحلي الحالي على الغاز، كما أن حقل "ليفياثان" بالقرب من الشواطئ يمكنه أن يجعل إسرائيل دولة مصدرة للطاقة بصورة كبيرة بعد بدء الإنتاج في عام 2017. وتتمثل الاحتمالات في تصديره بعد تحويله إلى غاز طبيعي مسال. 

وتعد مصر في مقدمة الخيارات الإسرائيلية لتصدير غازها إليها وذلك لحاجة مصر إلى هذا الغاز.

- إنشاء خط أنابيب إلى قبرص يتصل بخط أنابيب ممتد إلى الشمال عبر الجزيرة ثم يمر أسفل البحر إلى تركيا، حيث يمكن أن ينضم إلى شبكة خطوط الأنابيب التي تخدم السوق الأوروبية.

في ظل غياب القيود السياسية، يتمتع هذا الخيار بالمنطق التجاري الأفضل، حيث إنه الأرخص والأسرع إنشاءً، كما أنه يربط إسرائيل بالسوق الأقرب والأضخم. 

لكن هذا المسار يمنح بلدين - هما قبرص وتركيا - السيطرة على صادرات الغاز الإسرائيلية. وهاتان الدولتان ليست لهما علاقات جيدة مع بعضهما البعض، كما أن علاقات تركيا مع إسرائيل غير مشجعة في الوقت الحاضر.

ولكن في عالم السياسة تتغير مواقف الدول طبقا لمصالحها وأمنها القومي، ولذلك ستحاول إسرائيل تفعيل خيار تصدير الغاز لأوروبا عبر تركيا واليونان مستخدمة شتى أدوات الضغط الدبلوماسية الإسرائيلية ابتداء من توظيف الدور الأمريكي، وملف غاز غزة مارين، ورفع الحصار عن غزة، وتحجيم اللوبي الأرمني واليوناني ضد تركيا... إلخ.

وإن قرار إسرائيل بوضع أي مرفق لتصدير الغاز الطبيعي في منطقة خاضعة لسيطرتها هو أمر متوقع ومفهوم له ما يبرره. لكنه يشير إلى أن الغاز الطبيعي المسال - وليس إنشاء خط أنابيب للغاز - هو الخيار المفضل لخبراء الطاقة الإسرائيليين ولذلك اقترحوا الآتي:

- إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال على الخط الساحلي لإسرائيل على البحر المتوسط، أو إنشاء محطة للغاز الطبيعي المسال على ساحل إسرائيل على البحر الأحمر بالقرب من إيلات.

وسوف تكون هذه المحطة أكثر قرباً من أسواق الغاز الطبيعي في الهند وآسيا. ولكن تبقى تركيا هي خيار إسرائيل الاستراتيجي لتصدير غازها  لأوروبا لموقعها الجيو استراتيجي، وخاصة بعد نجاح تركيا بالتوقيع مع روسيا لمد خط السيل التركي والمتضمن نقل الغاز الروسي لأوروبا عبر تفضيل تركيا على أوكرانيا.

إذن مقولة استراتيجية الطاقة تجعل من المتنافسين والخصوم شركاء واقعية وليس افتراضية

تفرض استراتيجية مصادر الطاقة قواعد أسياسية بجعل مد خط "إيست ميد" للغاز الطبيعي ممكنا، والذي يربط الحقول الإسرائيلية والقبرصية عبر تركيا واليونان وصولاً إلى أوروبا 
وكالآتي: 

أولا: الصعوبات الطبوغرافية. يمكن حل هذه المشكلة عبر توقيع اتفاقية مشتركة بين تركيا واليونان لأن مد خط إيست ميد سيستوجب للوصول إلى تركيا عبور المياه القبرصية، الأمر الذي يتطلب اتفاقاً بين البلدين. وبضغط مباشر من الدبلوماسية الأمريكية والاسرائيلية.

ثانيا: بُعد الطاقة عامل محفز لتطبيع العلاقات التركية مع اليونان وإسرائيل.

ثالثا: تدعم واشنطن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا، وعبر مروره بالمياه القبرصية انتهاء بأوروبا. 

رابعا: غاز البحر الأبيض المتوسط. يسهم بتنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيدًا عن روسيا أو على الأقل تقليل الاعتماد عليه.                                                                

تصدير الغاز الإسرائيلي لأوربا والبيئة الأمنية المضطربة لحوض البحر الأبيض المتوسط
تنطلق الاستراتيجية الإسرائيلية لتوظيف مصادر الطاقة لتطبيع علاقتها مع تركيا، لتحقيق المزايا الآتية:

- فوائد التطبيع مع طرف إقليمي مؤثر وحاضر في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز مثل   تركيا  يخدم إسرائيل اقتصاديا وسياسيا في بيئة مضطربة أمنيا ومعادية لوجود إسرائيل في هذه المنطقة.

- ترى إسرائيل أن المفتاح الأساسي والحقيقي لفهم التدهور في علاقتها مع تركيا تحكمه قضيتان:

الأولى: قضية غاز مارين غزة وحصار إسرائيل لقطاع غزة.

الثانية: التوتر في العلاقات التركية اليونانية وإشكالية النزاع غير المحسوم على قبرص.

تدرك إسرائيل أن هناك ملفات مشتركة مع تركيا ممكن أن تساهم في تطبيع العلاقات بينهما أبرزها: ملف حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب، وضرورة التعاون والتنسيق لمواجهة التحديات والتهديدات المتزايدة التي يطرحها تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.

أدركت أنقرة الفائدة من تحسين العلاقات مع طرف إقليمي مستقر مثل إسرائيل يتشارك معها استياءها تجاه المحور الموالي للنظام السوري من جهة، وممكن أن يسهم هذا التحسين في تحجيم نشوء كيان كردي على حدود تركيا من جهة أخرى.

القضية الفلسطينية وحصار غزة والدعم التركي لقطاع غزة
لن يقتصر خط إيست ميد على نقل الغاز الإسرائيلي فقط بل نقل غاز مارين غزة، وبالتالي فمن المحتمل أن مصالح الطاقة المشتركة تدفع بجهود التطبيع أيضاً. فإسرائيل تريد جني الفوائد الاقتصادية والسياسية من تصدير الغاز الطبيعي من الحقول البحرية إلى تركيا.

مد أنبوب غاز إيست ميد عبر تركيا سوف يسهم بتوفير إمدادات الغاز الرخيصة لها (تركيا) في حالة الموافقة عليه، لأن نجاح  صفقة من هذا القبيل ممكن أن يوفر لأنقرة إمدادات رخيصة من الغاز إضافة لإمدادتها الحالية من الغاز الروسي، وفرصة لإعادة تصدير بعض من هذا الغاز إلى أوروبا، ووسيلة لتنويع وارداتها (تركيا) من الطاقة بعيداً عن روسيا التي توفر حالياً نحو 55 في المئة من الغاز لتركيا، أو على الأقل تعزز إمدادات الغاز لتركيا بعد توقيعها مع روسيا لإنشاء مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي لأوروبا.

تفعيل اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين إسرائيل وتركيا عام 1996 وتسهيل مد خط الغاز إيست ميد لنقل الغاز الإسرائيلي لأوربا عبر تركيا. على الرغم من الخلافات السياسية التركية الإسرائيلية بشأن قطاع غزة وحصارها إلا أن الواقع الاقتصادي يشير إلى أن البلدين لديهما علاقات تجارية تحكمها اتفاقية التجارة الحرة والتي دخلت حيز النفاذ عام 2000. ولا زالت العلاقات التجارية المدنية مستمرة بينهما، وتطوير هذه العلاقات وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما ممكن أن يعزز فرص التطبيع السياسي، وتفعيل الرغبة التركية لدراسة إمكانية الموافقة على نقل الغاز الإسرائيلي لأوروبا عبر إيست ميد إذا توافرات ظروف وبيئة سياسية مناسبة.

ولعل من أولويات تركيا هي مسالة القضية الفلسطينية ورفع الحصار عن غزة، وإزالة العقبات الإسرائيلية التي تحول دون استثمار غاز مارين غزة، وموافقة إسرائيل على طلب تركيا لتنفيذ مشاريع الإسكان وإعادة إعمار البنية التحتية في قطاع غزة، كما طلبت أنقرة إرساء سفينة لتوليد الطاقة في البحر قرب الشاطئ للمساعدة في حل نقص الكهرباء الحاد في قطاع غزة.

بالمقابل تصر إسرائيل على أن يتم إيصال جميع المساعدات الخارجية لغزة ضمن ترتيبات أمنية مشددة، وإن كان ذلك ممكناً في إطار هدنة طويلة الأمد مع "حماس"، عن طريق الوساطة الأمريكية وبمشاركة السلطة الفلسطينية.

وأﺣــــﺪ أﻫــــﺪاف ﺗﺮﻛﻴــــﺎ ﻣــــﻦ الاقتراب بالتطبيع مع إسرائيل  ﻫــــﻮ ﻣﻨــــﻊ اﻟــــﺪﻋﻢ اﻹﺳــــﺮاﺋﻴﻠﻲ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴــــﺔ الكردية.

وﻘــــﺪ ﺟﻌﻠــــﺖ "اﺳـــﺘﺮاﺗﻴﺠﻴة  اﻷﻃـــﺮاف" اﻟﺘـــﻲ ﺗﻌﺘﻤـــﺪﻫﺎ إﺳـــﺮاﺋﻴﻞ ﻟﺘﺸـــﺠﻴﻊ الحرﻛـــﺎت اﻻﺳـــﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﻟﻸﻗﻠﻴـــﺎت ﻏﻴـــﺮ  اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ خاصة القومية الكردية  اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣـﻦ اﻷﺗـﺮاك ﻳﻨﻈـﺮون ﺑﺸـﻚ ﻗـﻮي إﱃ أن إﺳـﺮاﺋﻴﻞ ﻫـﻲ اﻟـﺪاﻋﻢ اﻟﺮﺋﻴﺴـﻲ ﻟﻠﻘﻮﻣﻴـﺔ اﻟﻜﺮدﻳﺔ ﰲ اﻟﻌﺮاق وﺳﻮرﻳﺔ وإﻳﺮان
التوتر في العلاقات التركية المصرية يعد من العقبات الأخرى الهائلة التي تحول دون تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية. 

فقد حاولت أنقرة أن تقدم شكوى لمجلس الأمن الدولي ضد حكومة السيسي من أجل فرض عقوبات عليها بعدما أطاحت بحكومة  الرئيس المصري السابق محمد مرسي في عام 2013.  
وفي المقابل، استخدمت مصر بطاقة قبرص، إذ بنت علاقات حميمة مع القبارصة اليونانيين وأجرت مناورات عسكرية مشتركة معهم ومع اليونان  وإسرائيل في عام 2015.

إن العلاقات المصرية الإسرائيلية هي الآن في أفضل حالاتها منذ عقود (وإن كانت بمعظمها سرية(، وقد أوضح الرئيس المصري السيسي لإسرائيل أنه يجب ألا تقوم جهود تطبيع علاقاتها مع أنقرة على حساب مصالح القاهرة.

وختاما، تدعم واشنطن تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوربا وعبر تركيا وعن طريقها، تحقيقاً لمصلحتها وكعامل محفز محتمل للتطبيع على حد سواء. وخلال زيارته إلى إسرائيل، سلّط وزير الطاقة الأمريكي إرنست مونيز الضوء على الطريقة التي يمكن من خلالها لهذا الاتفاق المساعدة في تنويع إمدادات الغاز الأوروبية بعيداً عن روسيا، بيد أن هذا الخيار لا يخلو من التحديات الخاصة به.

وأضاف إرنست أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية ستبذل جهودا استثنائية لنجاح هذا المشروع، وعبر الضغط على الأطراف الثلاث المعنية بهذا المشروع والمتمثلة بإسرائيل وتركيا واليونان. ومنها حل الآتي:

- مشكلة حقل "أفروديت" عبر الاستغلال المشترك (وحقل افروديت يقع في المياه التي تطالب بها الجمهورية التركية لشمال قبرص).

- حل مشكلة   الحقل الإسرائيلي "ماري - ب"والذي   يمتد إلى الأراضي البحرية لغزة.

- الضغط على الأردن لتأمين الإمدادات الغاز الخاصة بها من حقل "تامار" الإسرائيلي.

لأن محصلة هذه الجهود الأمريكية سوف تسهم في تدعيم الاقتصاد الإسرائيلي عبر توفير فرص تطوير وتصدير الفائض من الغاز الإسرائيلي للخارج.

فهل تجعل مصادر الطاقة من تركيا واليونان وإسرائيل  المتنافسين والأعداء حاليا مستقبلا حلفاء وشركاء 
لكن في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا والتي   تشتهر بالنتائج الصفرية، فإن إحراز المزيد من التقدم، يرجح أن يتطلب الكثير من الجهود الدبلوماسية وخاصة الدبلوماسية الأمريكية التي كانت وما زالت تعتبر تركيا حليف استراتيجي لايمكن الاستغناء عنه في ظل التواترات الحالية القائمة في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا.

فهل نشهد تغييرًا في جغرافية إمدادات الطاقة وممراتها الأساسية بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة  لليونان وحل المشاكل العالقة بين البلدين.

وهل سنشهد في المدى المنظور القريب وليس المتوسط  تطبيق عملي لاستراتيجية  مصادر الطاقة تجعل من المتنافسين شركاء تصدير الغاز الإسرائيلي عبر تركيا واليونان لأوروبا... 
 بعد التقارب اليوناني التركي الأخير؟!!

عن الكاتب

د. محمد عزيز البياتي

أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس